الثلاثاء ٢٢ نيسان (أبريل) ٢٠٠٨
بقلم عادل الأسطة

القذافــي قاصــا

عرف الأدب العربي، قديمه وحديثه، حكاماً أدباء أو حكاما اهتموا بالأدب ورعوه، وما قصائد المديح في الشعر العربي والمكافآت التي صرفت لأصحابها إلا دليل على ذلك. وهناك آراء نقدية تقول إن الأدب ينشأ في ظل الرغبة والرهبة والحب والخوف، وكم رغب الشعراء والأدباء في نيل رضا الحكام وعطاياهم، وكم رغب الأخيرون في أن يمدحهم الشعراء فيخلدوهم. ورما أذكر هنا رأيا أورده حسين أحمد أمين الكاتب المصري يقول فيه ما قاله له صديق قديم له عزف عن قراءة الشعر العربي واتجه لقراءة الأدب الغربي، ذاهبا إلى أن الشعر العربي أكثره شعر مديح لا يسمن ولا يغني من جوع، وضرب الصديق مثلا على ذلك بأشعار المتنبي أبرز شاعر عربي، فقال لحسين: إن ثلاثة أرباع أشعار المتنبي قيلت في مديح هذا الحاكم أو ذاك، لا عن قناعة، بل تزلفا وطمعا في نيل العطايا.

بعض الخلفاء والحكام العرب، قديما وحديثا، لم يكتفوا بخلع الهبات على الأدباء والشعراء، حتى يخلدهم الأخيرون، إذ أخذوا أنفسهم يكتبون الشعر والنثر، حتى ينالوا المجد من طرفيه، وهناك أمثلة عديدة تدلل على ذلك، وربما كان أبرز الخلفاء الشعراء في العصور السابقة الشاعر الأموي الخليفة الوليد بن اليزيد الذي قال في الخمر قصائد كثيرة، حتى أن اسمه ليذكر في هذا الجانب وهذا الموضوع، إلى جانب أبي نواس، بل إن له ديوانا حققه على ما أظن د.حسين عطوان الذي أحضر لنا نسخا من مخطوطاته في العام 1981 ونحن طلاب ماجستير. وأما في العصور الحديثة فقد التفت د. سمير قطامي إلى الملك عبد الله وأنجز كتابا عن الحركة الشعرية في بلاطه.

هناك رئيسان عربيان في السنوات الثلاثين الأخيرة عكفا على كتابة الرواية والقصة القصيرة هما صدام حسين ومعمر القذافي. كتب الأول رواية أو روايتين أثيرت حولهما ضجة، وزعم كتاب ونقاد أنهما كتبتا له، وكتب الثاني مجموعة قصصية عنوانها: "القرية... القرية، الأرض.. الأرض، وانتحار رائد الفضاء"، وربما تكون بعض قصصها نشرت في بعض صحف الأرض المحتلة، وربما تكون نشرت في صحف ومجلات مصرية تصل إليها- أي إلى الأرض المحتلة. وأنا لم أقرأ لأي من الزعيمين العربيين. كنت أرى رواية صدام، وأظن أن عنوانها: زبيبة والملك، وأغض النظر عنها، ولا أقتنيها، لقناعتي، من خلال إصغائي إليه في بعض خطبه، بأنه لن يكون كاتبا أبدا، ولم أر مجموعة القذافي، ولا أدري إن كنت سأتصرف التصرف نفسه لو رأيتها. هل سأقتنيها وأقرأها؟ هل سأكتب عنها؟ هل من يصغي إلى القذافي يتكلم يتشكل لديه انطباع بأنه قاص ومفكر؟

حين كنت أزور معارض الكتب التي تقيمها السفارة العراقية في عمان، في ثمانينات القرن العشرين، وأقتني منها ما يناسب اهتماماتي، كنت أرى كراسات وضع عليها اسم صدام حسين، وربما قرأت نعوتا له: المفكر القائد، وربما قرأت أيضا عبارات: من أفكار القائد المعلم، ولم أكن لأقتنيها إطلاقا لقناعتي التامة بأنه ليس مفكرا. ولم أقرأ الكتاب الأخضر للقذافي، مع أن زميلي الذي أعاد طباعته في الأرض المحتلة أهداني نسخة منه. ربما أكون على خطأ. ربما، لأنني اكتفيت من الكتاب بما سمعته عنه: إنه نسخ لأفكار (ماو) الزعيم الصيني. هل كان السبب في عدم قراءتي للكتاب يعود إلى أسلوب القذافي في الحديث وطريقته فيه؟ ربما. ربما، علما بأن ليس كلُ مفكرٍ متفوها بالضرورة، وليس كل كاتب متفوها لبقا سلساً في كلامه بالضرورة، ونحن في أدبنا نضرب مثالا على ذلك، فنذكر إميل حبيبي. كان إميل كاتبا كبيرا يجيد العربية، إجادة قلما أجادها كاتب آخر مثله في الأدب الفلسطيني، ولكنه لم يكن يتكلم العربية التي تشبه تلك التي يكتب بها. هل معمر القذافي مثل إميل؟ وهل صدام مثله أيضا؟

الأربعاء الماضي سيطلب مني صديقي المهتم بالقذافي، صديقي الذي يفكر في إقامة ندوة عن القذافي قاصا، أن أكتب في هذا-أي: القذافي قاصاً. ولما قلت له إنني لم أقرأ له قصصه، لأنني لا أملك نسخة من مجموعته، فقد أحضرها لي. وفي مساء الليلة نفسها، مساء الأربعاء، ليلة الخميس سأقرأ القصتين الأوليين، المدينة... المدينة.... والقرية... القرية. فماذا رأيت؟ هل قرأت قصتين قصيرتين، ورأيت في القذافي قاصا؟

لا أريد أن أبدي رأيي في العقيد زعيما عربيا، ولا أريد أن أبدي رأيي أيضا في تربعه على عرش بلاده منذ أربعين عاما، ولا في موقفه من القضية الفلسطينية وتعاطفه مع الشعب الفلسطيني، فهذا شيء آخر. أريد فقط أن أبدي رأيي في القذافي قاصا، وآمل أن لا يغضب مني: لم أقرأ قصصا قصيرة أبدا. لقد قرأت موقف القذافي من المدينة والقرية ليس أكثر.

هامش: مدينــة القذافـــي

السؤال الذي يثيره قارئ قصتي القذافي: المدينة.. المدينة، والقرية... القرية، هو: لماذا رسم القذافي هذه الصورة القاتمة جدا جدا للمدينة؟ ولماذا يدعو إلى العودة إلى الريف؟ ألأن ليبيا دولة تتشكل معظمها من الصحراء، ولعله أتى منها؟ لماذا إذن لم يكتب الصحراء.. الصحراء، ويمجد هذه ويبرز مفاتنها، كما فعل الروائي الليبي إبراهيم الكوني، الذي حين يذكر وتذكر رواياته تذكر معهما الصحراء؟ أم جاءت الصورة السلبية للمدينة من خلال قراءات القذافي لهذا الموضوع في الأدبين الغربي والعربي، بخاصة لمن أبرز لها من الأدباء الغربيين، مثل (ت.س.إليوت)، ومن الأدباء العرب، مثل السياب وحجازي، صورة سلبية؟

لا أدري حقيقة من أين جاءت هذه الصورة، بخاصة أن ليبيا، وأنا لم أزرها، ليس فيها مدن كبيرة على غرار نيويورك وباريس ولندن والقاهرة، مدن ربما يجد فيها من لم يتأقلم فيها، ما يطابق الصورة التي رسمها القذافي للمدينة في قصته. هل قرأ القذافي ما أورده الدراسون العرب مثل عز الدين إسماعيل وإحسان عباس وآخرين عن المدينة في أشعار الشعراء المذكورين؟ وهل أعجب بالشعراء الرومانسيين الذين هربوا من المدينة وحنوا إلى الريف؟ أم أن هناك ما هو أبعد من ذلك؟ أعني هل ظل القذافي وهو يكتب قصصه متأثرا بأفكار (ماوتسي تونغ) وبتمجيده للريف؟

لم يرسم كثير من الشعراء العرب للمدينة صورة إيجابية، بخاصة أولئك الذين وفدوا إليها من القرى، مثل السياب الذي جاء إلى بغداد من قريته جيكور، ومثل أحمد عبد المعطي حجازي الذي جاء من الريف إلى القاهرة، فرآها مدينة بلا قلب. وربما بدت ملاحظات سلمى الخضراء الجيوسي عن المدينة في الشعر العربي لافتة، فالشعراء الذين أبرزوا لها، في الستينات والسبعينات من القرن العشرين، صورة إيجابية، كانوا قلة، وأبرزهم شعراء المقاومة في فلسطين المحتلة، علما بأن المدن في هذه، بخاصة المدن العربية، قليلة وأشبه بالقرى الكبيرة. صورة المدينة في أشعار شعراء الأرض المحتلة إيجابية، إنها مدينة مقاومة ونبيلة وصامدة في وجه الغزاة، وقليلون منهم من أبرز لها صورة سلبية مثل عبد اللطيف عقل الذي لم يتصالح مع المدينة إلا في فترة متأخرة، فرسم للقدس، خلافا لنابلس، صورة مشرقة جعلها مدينة من ذهب.

وعموما فإن الصفات السلبية كلها للمدينة، الصفات التي برزت في أشعار (إليوت) والسياب وحجازي في دواوينه الأولى، أسبغت على مدينة القذافي، أو الأصح: أسبغها القذافي على مدينته. من أراد أن يقرأ هجاء للمدينة، وأن يعرف لها وجها واحدا هو الوجه السلبي، فليقرأ ما كتبه القذافي، ولكني أعتقد أن للمدينة مزايا كثيرة، وقد أخالف القذافي في تصوره!! قد....!!.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى