الثلاثاء ١١ نيسان (أبريل) ٢٠٢٣
بقلم إبراهيم خليل إبراهيم

القومية العربية في شعر رفعت المرصفي

الشاعر بفطرته مُرهف الحس .. جيّاش العاطفة يتميز مرصده بحاسة سادسة ترى ما لا يراه الآخرون، وقلبه الأخضر لا يجف أبداً، له ذبذبات عالية الإحساس.. دافقة الشعور والشاعر المصري رفعت عبد الوهاب المرصفى يُسطر بقلبه قبل قلمه الكثير والكثير من قصائد الشجن حول هموم أمته العربية والإسلامية ففى قضية المسجد الأقصى السليب مسرى النبى محمد صلى الله عليه وسلم وأولى القبلتين وثالث الحرمين ودعماً لانتفاضة الشعب الفلسطينى الباسل والتى يجاهد فيها بالصدر والحجر ضد ترسانة الأسلحة الإسرائيلية الغادرة الماكرة يقول شاعرنا فى قصيدة بعنوان (قصائد حجرية):

يا أطفال الحُلم الآتى/ يا أحفاد صلاح الدين
يا طرح معارك حطين
يا عنوان الدرس الأول / فى الزمن المُعتَل الآخر
الدرسُ .. ومفردهُ حجرُُ / والجمع يُصاغ حجارة
"صبرا صبرا .. آل ياسر"
فالجنة وعد وبشارة / فالجنة وعد وبشارة

وفى مذبحة "قانا" بالجنوب اللبنانى التى اقترفها الكيان الصهيونى الغاشم والتى راح ضحيتها عشرات الضحايا من النساء والأطفال والشيوخ يقول الشاعر رفعت عبد الوهاب المرصفى فى قصيدة بعنوان "دماء على جدران التاريخ" والتى يحاول فيها الربط بين أحداث الماضى للاستفادة منها فى الحاضر فى منظومة شعرية رائعة حيث يقول:

آه يا لبنان آه... آه... آه
النزف شديد من دمنا والكل يراه
الدرس يعاود ثانية.. وا إسلاماه

وفى الحرب الأهلية اللبنانية التى اندلعت فى التسعينيات من القرن الماضى انفعل شاعرنا رفعت عبد الوهاب المرصفى مع الشعب اللبنانى الشقيق ومع وحدته الوطنية فجادت قريحته الشعرية بقصيدة بعنوان: "لبنان يا جرح العروبة" والتى يقول فيها:

لبنـــــان يا دُرةَ الأعراب من زمنٍ
كم مزّقوا عنك ثوب الحُسن واقترفوا
كل الذين أرادوا منك مســــلبة
ســــيُمطرون وبـــــالا أينما ثُقفــــــــوا
فاستنفرِ الصف يا لبنان منطلقا
والضُــــر عنك قريبا سوف ينكشفُ

وفى قضية البوسنة والهرسك ذلك الشعب المسلم المسالم الذى استنكروا عليه حريته واستقلاله فأعلنوا عليه حربا شعواء حصدت الأخضر واليابس وأبادت رجاله ونسائه وأطفاله وسط صمت مشبوه لهذا العالم المتحضر الذى سطر فصلا أسودا له حيال هذا التآمر المرير وفى هذه القضية يقول شاعرنا رفعت عبدالوهاب المرصفى فى قصيدة بعنوان " لا تقلعونى من جذورى" على لسان طفل من البوسنة يرفض التهجير من بلاده:

لا تخرجونى من بلادى المســلمةْ
إنى سأبقى رغم أنف المحكمةْ
قومى أُبيدوا والعيون نواظــرُُ
والجرح قاس والحقيقة مؤلمــة
ماذا تبقَّى من جرائـــــم بعــدمـا
بقروا الحوامل والصبايا الحالمة
قذفوا الجماجم كالكرات أمامهم
يا للضمــــــائر والقلــوب الآثـــــمة
سيسطر التاريخ فصلا أســــــودا
فالعــــار باق والفضيحة قــــائمة

وفى قضية شعب كوسفو المسلم الذى يجاهد من أجل نيل استقلاله وحريته، ويُضرب بيد من حديد من الديمقراطيات والحريات الأوروبية لا لشئ إلا لأنه يطالب بحريته فيقول شاعرنا فى برقية على لسان هذا الشعب المجاهد:

أنا لن أُباد
مهما قتلتمْ أو حرقتمْ
أو حصدتمْ فى البلادْ
فأنا هنا دهر تعمَّق واكتسى
من خير زاد
وأنا هنا جِذرُُ عميقُ
طرحه عطر تسرَّب فى حنايا الأرض
فى كل امتداد

وفى قضية الفقر الذى يعانى منه الشعب الصومالى الشقيق فى ذات الوقت الذى تُنفق فيه مليارات الدولارات على مركبات الفضاء وترسانات الأسلحة الفتاكة نلمح صرخة شاعرنا متضامناً مع صراخ صومالى يصارع الموت جوعاً فى قصيدة بعنوان "صرخة" يقول فيها:

يا مسلمون تعالوا واستروا بدنى
غــــداً سُـــأرمى رفاتا دونما كفـنِ
فما لدينا بقــــــــايا من ملابسـنا
فأىّ شئ إذا ما متُ يســــــــترنى؟

وانفعل شاعرنا أيضا مع ما يعانيه الشعب العراقى الشقيق من دمار وخراب على يد قوات التحالف التى استباحت كل شئ فعلى لسان الطفل العراقى على إسماعيل عباس الذى فقد ذراعيه ببغداد بفعل القنابل الذكية الأمريكية تساءل شاعرنا فى قصيدته التى تحمل عنوان "هل من ضمائر تستحى؟" ونذكُر منها:

ماذا أقول إلى رفاقى
ماذا أقول إذا سُئلت عن الذراع؟
 من يا ترى قطع الذراع
 ..... أكل الذراع؟
قلت أسألوهم وحدهم ..
من ذا الذى بعث الجحافل
كى ترَّوع أمننا؟
من ذا الذى صنع القنابل
كى تدك بلادنا؟
أو يقبلوَن لطفلهمْ
تقطيع أذرعهِ كما فعلوا بنا؟
قلت اسألوهم وحدهم
من ذا الذى حرق البراءةَ
والطفولة والصباحْ؟
من ذا الذى قتل العجائز
والصبايا والملاحْ؟
وبأى حق نُستهان ونُستباح؟

وفى قضية الغزو الفكرى الذى يحاول الغرب أن يفتننا به من خلال الدعاوى المزيفة والآداب المستوردة من أجل طمس هويتنا العربية والإسلامية ، والقضاء على لغتنا الجميلة.. لغة القرآن الكريم، يقول شاعرنا فى قصيدة بعنوان "يا من فتنتم بالتغرب" الذى أهداها إلى المفتونين بالغرب فى الثقافة والأدب والفكر:

يا من فُتنتم بالتغــــــــرب منهــــجا
لمــــا لا نعـــود لوجهنا الميــــمون

وفى قصيدة "هل صِرنا موتى؟" لشاعرنا رفعت عبد الوهاب المرصفى نجد مجموعة من التساؤلات التى تزاحمه حيث يقول:

يا للعـــــار
هل صار الكل يبشُّ الوجهَ
يزم الوجه يسب الوجه بأمر القُرصان؟
هل صار الكل ينفذ أمر الغطرسة الحمْقى
ويُزين أحرفه بنكاتٍ ونفاقٍ
ونقوش؟
ألهذا الحد نعيش؟
هل صرنا جسدا منزوع الريش
هل صرنا موتى ........
ولماذا يوهمنا البعض
بأنا فى الحُسبان؟

وفى قصيدة بعنوان "رسالة إلى أمى" والتى كتبها شاعرنا الكبير رفعت المرصفى على لسان طفل محاصر فى غزة نجد ثورة من التساؤلات التى تؤكد براكين الغضب والألم والحسرة داخل أعماق هذا الطفل البرئ الذى ما عاد يشعر بجمال الطفولة ولا ببراءتها فالصورة مظلمة والجسد العربى يتمزق والفساد يستشرى مخلفا الخراب والدمار والشعب الفلسطينى يعانى الحصار الأليم بعد أن تحولت غزة إلى سجن كبير لأكثر من مليون ونصف المليون مواطن فلسطينى وحول كل هذه المعانى يقول شاعرنا على لسان هذا الطفل الجريح:

الصورة قاتمة يا أمى
الجسد يئنُّ على مرأى الأعراب
على مرأى الأغراب
الغدر يمزقهُ ...
وجنود الشر يعيثون فساداً
ودماراً فى الأرض
لا شئ سوى الصمتِ
سوى الخوفِ سوى الموت
لا أحدَ يحرّك فاهاً
أو يفتح للعدل الأبوابْ
أوَ ليس هناك على وجه الأرض
سوى شرْع الغابْ؟

ثم تتصاعد ثورة الأسئلة وطوفان الحسرة فيتساءل الشاعر على لسان الطفل المحاصر عن ضمير العالم وعن حقوق الإنسان التى يتشدق بها دعاة الحرية الزائفة فيقول:

أين ضمير العالم يا أمى؟!
وحقوق الإنسان
ما عاد هناك ضمير مشتركُُ
أو حلم مشتركُُ
أو شئ مشتركُُ
ما عُدنا نلمح إلا حلقات
الجبن الدولية
العدل يموت على أعتاب
الأمم المتحدة
. . . . . . . ..
بسمات الأطفال
أغتِيلت باسم الشرعية
أوَ لسنا بشرا يا أمى
ولنا ما للبشرية؟
فلماذا تسلبنا الدنيا أزهار
الحرية؟
ولماذا العالم يرفُض أن نرفضَ
أن نصرخ فى وجه الهمجية؟

ويستكمل شاعرنا رفعت المرصفى بوحه على لسان الطفل المحاصر فى غزة فيعاتب الذين يتكاسلون عن نصرة الشعب الفلسطينى ودعمه فى قضاياه العادلة والمشروعة لنيل حريته واستقلاله فيقول:

أُمـاه ....
الإخوة باعوا الأرض بثمن بخس
باعوا البيت بثمن بخس
باعوا أشجار الأرز وأغصان الزيتون
باعوا الحلو الميمون
الإخوة باعوا دمنا
أصبح برميل النفط يعادل برميلا من دمنا
أصبح برميل النفط يعادل أطناناً من أعظُمِنا
الإخوة صاروا أسلحة تنحر فينا
وتقدمنا كشرائح لحم ناضجة للسفهاء

وعن دماء المسلمين المهدرة فى معظم بقاع هذا العالم يقول شاعرنا فى قصيدة بعنوان "طعنات فى الجسد الإسلامى":

يا مســـــلمون جراحنـــــــا تتفجرُ
ودمــــــــاؤنا فى كل صوب تُهدرُ
ضاعـــت حقـــــوقُ فى زحام خلافنا
من فرط ضعف فى العروق يسافرُ
مــــاذا تبقى كى نفيق لحــــالنا
والقيدُ وهمُ والدوائر تُكســـــر؟
وإلى متى سيظل فينا شـــــــارد
وعدونا فى كل لون يُمكــرُ؟!

وينادى شاعرنا بوحدة الصف العربى والإسلامى لأن الاتحاد قوة والفرقة ضعف، والذئب لا يأكل من الغنم إلا القاصية .. حيث قال:

يا أمة رسم الحبيب طريـــــقها
وانساب فيها الهْدىُ والإرشــادُ
ماذا تبقى كى نعضد ديـــــننا
وشذى الهداية نفرةُُ وجهـــادُ؟
ما كان يمكن أن يُمسَّ قميصنا
لو أن كل المســلمين أرادوا!

وفى قصيدة بعنوان "تداعيات من زمن الصهيل" نجد شاعرنا يستنفر صهيل الأمة العربية والإسلامية لاستعادة أمجادها التليدة حيث يقول:

هدهــدْ شجونك يا جـــــوادْ
ما عاد وقت للحــــــــــــــدادْ
ضمــد جراحـــــك وانتــصب
فلقد جبلت على العنــــــادْ
روح الصمود لديك تكــفى
إن هــــــــــــوى منك العتادْ
وسنا الهداية فى العـروق
وفى الديـــــــاجى يُستقادْ
لملم همــــــــــومك وانطلــق
"إن الحيـــــــــاة لمـن أراد"
هل من فــــــــوارس ها هنــا
هــل من صهيــل يُســـتعاد.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى