الاثنين ٤ آب (أغسطس) ٢٠٠٨

الكاتب بشــير خلف يكشف أسرار الطفولـة

بقلم: زهرة ديك

شغف بعالم الطفولة وسكنه سؤال البراءة فخاض غمارها كرجل تربية، خبر هذه الشريحة طيلة 37 سنة، خرج منها مشبعا بمزيد من الأسئلة، يعج بانشغالات ترتبط على الخصوص بإشكالية الكتابة للطفل وكيفية مخاطبته تربويا وأدبيا وعلميا وفنيا، فاختار الكاتب بشير خلف أن يهديها كتابا صدر مؤخرا ضمن منشورات الجزائر عاصمة الثقافة العربية يتسم بعمق الطرح ودقة الرؤية وذكاء المعالجة لمجمل مكونات عالم الطفولة، الذي طالما عركه كمربٍ وعايشه كمفكر للأجيال، وتفاعل معه في أعمال قصصية هادفة، أثرى بها المكتبة الجزائرية والعربية ليأتي كتابه حول الكتابة للطفل بين العلم والفن شاهدا آخر على مدى إبحاره ومعرفته بما يزخر به عالم الطفولة من أدوات خاصة، وما يحتويه قاموسهم من مفردات، لازال الكثير يجهل عنها الكثير وإن حسب عكس ذلك.

انتهج خلف في هذه الدراسة العلمية التي نزلت في طبعة أنيقة تقديرا لأهمية المحتوى طريقة علمية حديثة اعتمد فيها أولا على خبرته الطويل في المجال، وعلى ما استشفه من احتكاكه المباشر ومعايشته للأطفال..لم يكن ليقنع بمهمته التربوية التعليمية، فراح يقيس انفعالاتهم ويزن حضورهم وقدراتهم، ويحس حاجاتهم، مستخدما في ذلك مداركه كمربٍّ ورهافته كمبدع..وما أكثر الأشياء التي بهرته حد الدهشة في هذا الكيان الصغير بعمره الكبير بعالمه وخصائصه ومواقفه واتجاهاته.. فكيف لا يكتب خلف عمن أبدعوا في قدراتهم الخاصة ونتاجاتهم الفنية والمادية وأذواقهم وأشيائهم المحببة.. كيف لا يخصص ما يقارب 300 صفحة في كتابه هذا ليحدثنا بأسلوب ممتع سلس ولغة ناصعة جميلة جمال البراءة والفطرة عن تلك التعاملات الخاصة في سلوكات الصغار وتلك الخصائص الثقافية التي ينفردون بها مثلما للكبار وللمراهقين ثقافة خاصة وطرق خاصة في السلوك والملبس والتواصل والقيم والمعايير والآمال وغير ذلك من تفاصيل عيشنا.

من اجل ذلك وأكثر من ذلك يدعونا الأديب خلف في بداية فصول الكتاب الستة، لأن نعرف الطفولة هذا العالم الرحب الممتع، وقبل ذلك علينا بمعرفة مصادر الثقافة الطفولية ووسائلها ووسائطها، وأن نطلع على مراحل النموالمختلفة التي يمر بها ويساعدنا على حصْر نوع التثقيف ودرجته لان أي جهل لهذا التحديد في نظر الكاتب يعد انحرافا عن مسلك البحث العلمي الذي يقودنا للفهم الصحيح للدورة الحياتية للطفل..وهنا تدوي صرخة عالية آتية من هناك، من حنجرة لازالت تحتفظ بمصداقيتها رغم غياب صاحبها الفيلسوف الفرنسي روسوالذي يؤكد أن ثمة مناحي كثيرة في الفكر الإنساني وفي الحياة البشرية لا تزال مجهولة في عالم الطفولة..هذه الطفولة التي يدخل في نطاقها كل كائن بشري لم يتعد السادسة عشرة من عمره، أي لم يصل إلى سن البلوغ.. وهذه هي مرحلة اللعب والغناء والحركة والضحك ومشاهدة برامج الأطفال التلفزيونية وغير ذلك..

ويرجع الكاتب سبب تقسيمه مرحلة الطفولة إلى أطوار متعاقبة كما جاء في الفصل الثاني من الكتاب إلى عدم تجانسهم فهم يختلفون باختلاف أطوار نموهم على أن بناء الإنسان الثقافي يبدأ منذ الطفولة.

وما يثير الانتباه في الكتاب المذكور أنه يكشف لنا أشياء كنا نعرفها ولا نعرفها، نسمعها ولا ندركها..يقول: إن للأطفال لغتهم ولهم مفرداتهم الخاصة بعالمهم ولهم حصيلة لغوية لا يعرفها غيرهم، ولهم قيم ومعايير وقوانين خاصة يستخدمونها عند اللعب واللهووجميع أشكال التواصل والتجمع، وباختصار لهم أسلوب حياة خاص بهم.

من يطالع كتاب خلف لا بد أن يشده ذاك الوجع الذي تنضح به كلماته وهويحكي عن راهن ثقافة الطفل في الجزائر، والذي لا يختلف عن واقع الطفل في العالم العربي، مشيرا أن الطفولة في بلادنا محرومة من الوهج الثقافي، رغم التقدم التكنولوجي والثورة الرقمية، فهولا يجد مجلات تثقيفية بين يديه ما عدا بعض الكتب والمجلات الأجنبية.. مكتبة الطفل في العالم العربي هزيلة، ولا تجد الدعم الكافي لان تصبح في مستوى احتياجات طفل الألفية الثالثة.

على أن الكتابة للأطفال في نظر الأديب خلف ليست أي كتابة، إنها عملية دقيقة وحساسة وعلى جانب كبير من الخطورة، وذلك باعتراف كبار الكتاب وهذه غادة السمان تقر بعدم موهبتها في الكتابة للأطفال.. أن تكتب للطفل عليك أن تمتلك دهشته وتحس إحساسه وتنظر بعينيه وتتقن لغته.. وما أقل مثل هؤلاء الكتاب عندنا يقول خلف، ومن يعي حقا معنى الكتابة للطفل يهابها لخصوصيتها الصعبة وشروطها العديدة ويخطئ، بل ويجرم كل من يتطاول ويتطفل على فن الكتابة للأطفال، ويمس هذا المجال الذي يتطلب نوعا من القدسية والقداسة الإبداعية..ومع ذلك ثمة من أبدعوا في هذا المجال واستشهد بهم الكاتب منهم الكاتبة البرازيلية آنا ماجادوا التي ترى أن الكتابة للطفل تستند إلى زخم معرفي واسع، كونه عشق القراءة منذ الطفولة المبكرة موضحة أن كل من يكتب فإنه كان في الطفولة يعشق القراءة. وفي الأخير لا يغادرنا بشير خلف دون أن ينبهنا إلى أهمية وخطورة مراحل الطفولة وأثرها في بناء مستقبل أي جماعة بشرية.. والطفولة هي المراحل العمرية الحاسمة في تكوين الشخصية الراشدة من عقيدة وأخلاق وسلوك وهوية ثقافية وميولات وتنمية للمهارات ولنا أن نستنتج خطورة الإهمال والتفريط في هذه الأساسيات الإنسانية.

يتميز بشير خلف بغزارة إنتاجه وكثرة أعماله منها: خمس مجموعات قصصية والعديد من الكتب التي صدرت في شكْل ـ دراسات ـ وستصدر له لاحقا الكتب التالية: ’’الفنون لغة الوجدان’’ و" الفنون في حياتنا "و’’ قفات فكرية..حوار مع الذات وخزٌ للآخر’’.

بقلم: زهرة ديك

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى