الجمعة ٢٦ نيسان (أبريل) ٢٠٢٤

الْحَيَاةُ الَّتِي وَسَّعَتْ آَفَاقًا لِحَامِلَاتِ طَيْرِ الْحَرْبِ!

عبد الرحيم أحمد طايع كمال الدين

سَنَنْقَادُ لِلْحَيَاةِ مَعَ ذَلِكَ
الْحَيَاةُ الَّتِي خَذَلَتْ أَشْجَارَنَا
بِالنُّكُوصِ
كُلَّمَا غَرَسْنَا شَجَرَةً
نَزَعَتْهَا وَرَسَمَتْ صَحْرَاءَ شَاسِعَةً
ضَيَّقَتْ آَفَاقَ الْمُوسِيقَى
وَوَسَّعَتْ آَفَاقًا لِحَامِلَاتِ طَيْرِ
الْحَرْبِ
"تَغْدُو خَفِيفَةً
وَتَرُوحَ مُثْقَلَةً بِأَشْلَاءِ الْقَتْلَى"
سَنَنْقَادُ لِلْحَيَاةِ مَعَ ذَلِكَ
الْحَيَاةُ الَّتِي وَعَدَتْنَا بِغَيْثِ السَّمَاءِ
وَمَا لَبِثَتْ أَنْ أَزَاحَتِ السَّمَاءَ
بِالْغَيْثِ
وَأَغْوَتْنَا بِعَالَمٍ مُنْفَتِحٍ
سُرْعَانَ مَا أَبْدَلَتْ بِهِ الْمَغَالِيقَ
(لَشَدَّ مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ مُعَقَّدَةً!)
وَفِي مَدَاهَا الَّذِي دَاسَ أَفْئِدَتَنَا
تَخَلَّتْ عَنِ حِمَايَةِ الْحُبِّ
تَرَكَتْهُ بِلَا حَارِسٍ وَلَوْ ضَرِيرًا
فِي وَسَطِ مَدِينَةٍ مُزْدَحِمَةٍ
تَدَلَّتْ كُفُوفُ نِسَائِهَا وَرِجَالِهَا
مِنَ الْمَشَانِقَ رَاشِحَةً عَرَقًا وَمُتَفَرِّقَةً
كَالْأَثْمَارِ الَّتِي ضُرِبَتْ بِالطُّوبِ
فَأُنْهِكَتْ وَلَمْ تَعُدْ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ
وَلَيْسَ ثَمَّ مَنْ يَحْتَضِنُ السَّوَاقِطَ
وَيَغْسِلُ جُرُوحَهَا النَّازِفَةَ بِالْمُطَهِّراتِ
لَكِنْ لَعَلَّنَا مُخْطِئُونَ مِنَ الْأَوَّلِ
خَرَجْنَا إِلَى الْوُجُودِ وَهَذَا هُوَ الْبَلَاءُ
تَنَسَّمْنَا الرِّيحَ وَهَذِهِ هِيَ الْمُعْضِلَةُ
سَنَنْقَادُ لِلْحَيَاةِ مَعَ ذَلِكَ
الْحَيَاةُ الَّتِي لَا يُصْلِحُ شَأْنَهَا الشِّعْرُ
تُقْرَأُ الْقَصَائِدُ طَازَجَةً بِالْمُلْتَقَيَاتِ
وَمِزَاجُ الْجُمْهُورِ يَنْقَى وَيِجِدُّ
فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ أَحْيَانًا
أَمَّا مِزَاجُهَا فَيَتَعَكَّرُ وَيَقْدُمُ
بِأَمْدَاءِ الْأَجْيَالِ الْمُنْشِدَةِ
يَتَعَكَّرُ كَرَسَائِلَ تُذَيِّلُ سُطُورَهُنَّ سُمُومٌ
وَيَقْدُمُ كَحَوَايَا تَنْسِجُ عَلَى أَضْلَاعِهِنّ
عَنَاكِبُ
سَنَنْقَادُ لِلْحَيَاةِ مَعَ ذَلِكَ
الْحَيَاةُ الَّتِي تَقَاذَفَتْ بِجَسَدِهَا أَيَّامُ
الْجِيَاعِ وَالشَّبَاعَى
فَارْتَبَكَتْ وَلَمْ تَدْرِ أَتَظْهَرُ أَمْ تَحْتَجِبُ
وَخَطَفَ الْمَالُ مَتَاعَهَا بِأَكْمَلِهِ
فَقَامَ طَالِبُو رِضَاهَا الْفُقَرَاءُ
(مُمَثِّلُو الْأَغْلَبِيَّةِ)
يَتَفَرَّجُونَ عَلَى سِيرْكِهَا الْجَوَّالِ
مِنْ غَيْرِ أَنْ تَشْمَلَهُمْ لُعْبَةٌ وَاحِدَةٌ
سِوَى الْمَرَاكِبُ الَّتِي تَغْرَقُ
بِالْمُهَاجِرِينَ
وَرُبَّمَا رَضُوا بِنَصِيبِهِمِ الْمَقْسُومِ
وَرُبَّمَا فَقَسَ الْغَيْظُ
بَيْضَهُ بِدَاخِلِهِمْ أَحْقَادًا رَهِيبَةً
فَكَرِهُوا الْبَقَاءَ فَضْلًا عَنِ النُّمُوِّ
(بَقَاءَ الْغَابَةِ فِي دَائِرَةِ الِافْتِرَاسِ
وَنُمُوَّ النَّبَاتِ عَلَى نَمَطِ الزَّائِدِةِ الدُّودِيَّةِ!)
هَؤُلَاءِ عَايَنُوا الْجَحِيمَ مِنْ قِبَلِ الْأَرْضِ
حَتَّى كَفَرُوا بُواحًا بِكَلِمَةِ الْعَيْشِ
سَنَنْقَادُ لِلْحَياةِ مَعَ ذَلِكَ
الْحَيَاةُ الَّتِي لَا تُغَيِّرُهَا الثَّوَرَاتُ
يَسْقُطُ الْغِضَابُ فِي الْمَيَادِينِ
مِنْ أَجْلِ خَلَاصِهَا
وَتَسْقُطُ فِي أَوْدِيَةِ الْعَارِ السَّحِيقَةِ
أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ
تُفْضِي إِلَى التَّبَذُّلِ وَالْيَأْسِ وَالْخَوَاءِ
تَجْعَلُ حِزْبَيِ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ
يَدْهَكَانِ بَعْضَهُمَا
وَنَاحِيَتَيِ الْخَرِيطَةِ الْمُلْتَئِمَتَيْنِ تَتَفَرَّقَانِ
(كَأَنَّ رَايَاتِ الْعَالَمِ تُرَفْرِفُ
بَيْنَ قَرْنَيْ إِبْلِيسَ!)
لَا رِيبَةَ إِذَنْ فِي كَوْنِ الْحَيَاةِ فَقَدَتْ
حَيَوِيَّتَهَا دُفْعَةً، وَتَلَاشَتْ بِدُونِ إِعْلَانٍ،
وَفِي كَوْنِ أَغْلَبِيَّةِ الْمَوْتَى، مِثْلَمَا
أَوْمَأَتْ إِلَى الْأَمْرِ أَنْوَارٌ خَفِيَّةٌ، صَارُوا
يَسْتَيْقِظُونَ فِي قُبُورِهِمُ مَلْهُوفِينَ
وَيَسْأَلُونَ بِشَغَفٍ كَامِلٍ:
أَيْنَ ذَهَبَ أُنْسُ خَلْخَالِ الْمُزْدَانَةِ
الَّتِي كَانَتْ تَرْقُصُ مَرِحَةً بِالْخَارِجِ؟!
...
هَكَذَا حَدَّثَنِي غَرِيبٌ مُضْطَرِبٌ
فِي صُدْفَةِ لِقَاءٍ بِمُتَنَزَّهٍ أَثِيرٍ، كُنَّا
فِيهِ بَعِيدَيْنِ وَتَقَارَبْنَا..
(كَانَ بِمَثَابَةِ خَيْطٍ مُكَهْرَبٍ بِالْجِوَارِ،
وَلَا أَدْرِي لِمَاذَا تَخَيَّلْتُهُ هَارِبًا
مِنْ مَشْفَىً نَفْسِيٍّ؟!)
ظَلَلْتُ خَارِجَ فِيلْمِهِ الْمُرْعِبِ
لِأَنَّ انْقِيَادِي لِلسَّيِّدَةِ الْحَيَاةِ
لَيْسَ كَانْقِيَادِهِ النَّاقِمِ الثَّرْثَارِ
وَثِقَتِي فِي رَحِمٍ سَيُعِيدُ إِنْتَاجَهَا
بِحَيْثُ تَتَفَوَّقُ عَلَى الْأَحْلَامِ
السَّعِيدَةِ أثْمَنُ مَا امْتَلَكْتُ
(الْفَارِقُ الْكَبِيرُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ
امْتِلَاكِي لِهَذِهِ الثِّقَةِ الطُّولَى)
لَقَدْ قَابَلْتُ الْمَاءَ، فِي طَرِيقِي
إِلَى مَكَانِيَ الْمُفَصَّلِ، وَقَابَلْتُ
التُّرَابَ وَالنَّارَ وَالْهَوَاءَ كَالْعَادَةِ
(تِلْكَ الْأَشْيَاءُ الَّتِي تَتَشَكَّلُ
مِنْ حَنِينِهَا الْخَارِقِ الْأَشْيَاءُ)
تَأَمَّلْتُهَا عَمِيقًا هَذِهِ الْمَرَّةَ
وَتَبَادَلْتُ مَعَهَا الْأَعْيُنَ
بَلْ مَسَّتْ أَصَابِعِي أَصَابِعَهَا أَخِيرًا
فَأَزْهَرَ مَوْلُودِيَ الْيَقِينِيُّ الْمُتَوَقَّعُ
وَأَمِنْتُ عَلَى اسْتِقْرَارِ حَالَتِهِ
وَعِنْدَمَا سَأَلَنِي سَائِقٌ تَائِهٌ
فِي نَفْسِ الطَّرِيقِ: مِنْ أَيْنَ أَذْهَبُ
إِلَى شَارِعِ كَذَا يَا أَخِي؟ (سَمَّى
شَارِعًا)
أَجَبْتُهُ بِتَفَاؤُلٍ هَائِلٍ: مِنْ أَيَّةِ سِكَّةٍ
شِئْتَ يَا ظِلًّا جَمِيلًا لِأَخِيكْ!

عبد الرحيم أحمد طايع كمال الدين

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى