السبت ٢٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٨
بقلم أحمد الخميسي

بيرسترويكا أمريكية وجورباتشوف جديد

عام 1986 أعلن جورباتشوف عن بيرسترويكا (إعادة بناء) استبعدت دور الدولة في السوق والتخطيط والخدمات الاجتماعية، والسؤال الذي يطرحه الروس الآن هو: هل يتمكن الرئيس الأمريكي الجديد أوباما من اعتماد بيرسترويكا أمريكية، تمضي في الاتجاه المعاكس، فتفسح هامشا لدور الدولة والتخطيط وتنجح في تخفيف حدة التوتر الدولي وتتمكن من تغيير أساليب – وليس أهداف – التعامل الأمريكي مع بؤر الحروب الأمريكية؟

هكذا تحوم الأحلام الكبيرة حول " أوباما " وإمكانيات التغيير كما حلقت الأحلام الكبيرة عندما أعلن جورباتشوف عن إعادة البناء فتنفس الغرب حينذاك بارتياح، كما يتنفس الشرق الآن مع فوز أوباما بارتياح. وفي هذا السياق استقبل المسلمون في روسيا صعود أوباما إلي الرئاسة بفرحة أعرب عنها مجلس الافتاء على لسان " دامير عز الدين "، أما الأوساط السياسية فقد انقسمت إلي قسمين، أحدهما فضل لو أن مرشح الجمهوريين جون مكين هو الذي فاز، لأن كل الاتفاقيات العسكرية والسياسية التي وقعتها روسيا (الاتحاد السوفيتي) مع أمريكا تمت في عهد الجمهوريين، بينما فضل قسم آخر أوباما معتبرا أن العلاقات الأمريكية الروسية ستصبح أحسن في ظل حكمه. وإذا كانت الأزمة الاقتصادية الطاحنة ستتصدر اهتمامات الإدارة الأمريكية الجديدة شاءت أم أبت، فإن مواجهة تلك الأزمة وتخطيها لن يتم بمعزل عن طبيعة علاقات أمريكا الدولية وفي مقدمتها العلاقة مع روسيا التي تشغل مكانة خاصة.

وترتطم العلاقات الأمريكية الروسية بعدة مشكلات صعبة أولها الإصرار الأمريكي على مد منظومة الدفاع الأمريكية المضادة للصواريخ إلي الأراضي البولندية، مما أدى بالرئيس الروسي إلي الإعلان عن أن بلاده ستواجه تلك الخطوة بنصب صواريخ "اسكندر- م" ووسائل التشويش الإلكتروني في منطقة كالينينجراد (غرب روسيا) وإبقاء صواريخ "ر س-18" في مواقعها قرب مدينة كوزيلسك في وسط الشطر الأوروبي من روسيا. وفي حينه اعتبر المراقبون أن هذا التصريح الروسي الأقرب للإنذار موجه للمرشح الأمريكي للرئاسة وليس للرئيس بوش الذي يستعد للرحيل. وفي حينه كتبت الصحف الغربية أن " روسيا تحيي أوباما بالصواريخ !". كيف سيكون موقف أوباما من هذه القضية؟. يتساءل الروس أيضا هل سيغير أوباما من سياسة أمريكا بشأن نشر نفوذها المباشر في الدول المجاورة لروسيا وإصرارها على ضم أكرانيا وجيورجيا ودولا من البلطيق لحلف الناتو؟ وبالنسبة لجيورجيا يتساءل الروس هل سيؤدي صعود أوباما إلي عزل الرئيس الجيورجي الحالي ساكاشفيلي كما تعتقد المعارضة الجيورجية هناك؟ وهل تتفق تلك الآمال في تقليص التدخل الأمريكي مع إعلان أوباما عن مشروعه لدعم أجهزة التجسس الأمريكية بخمسة مليارات دولار؟

هناك أيضا مشكلة الموقف الأمريكي من إيران التي ترتبط بها روسيا بعلاقات اقتصادية وعسكرية قوية، وكان أوباما قد صرح بعد فوزة بمنصب الرئيس بأن على أمريكا " تكثيف جهودها لمنع إيران" من التسلح النووي. ينتظر الروس موقف أباما من طهران، وما إذا كان كما كتبت صحيفة واشنطن بوست " سيفتح الباب للحوار مع إيران " أم سيواصل سياسة بوش؟. هناك أيضا قضية الديون الأمريكية لروسيا، وكانت أمريكا مديونة لروسيا عام 2001 بعشرة مليارات دولار أصبحت الآن نحو 75 مليار دولار؟ ما الذي سيفعله أوباما بهذه المديونية في ظل أزمته الاقتصادية؟

الآن ينتظر الروس موقف أوباما من كل تلك القضايا بعد تسلمه الحكم معتبرين أنه من غير الممكن أخذ تصريحاته خلال الحملة الانتخابية مأخذ الجد الكامل، وأن العبرة بموقفه بعد تسلمه الحكم فعليا، ولهذا كله تبدي موسكو تفاؤلا حذرا بصعود أوباما، خاصة أن المرشحين للعمل مع أوباما هم في معظمهم من " صقور " السياسة الأمريكية. ويشير المراقب السياسي الروسي " خرامتشكين" إلي اعتبار آخر قائلا: " إن الحديث لا يدور لا من قريب ولابعيد عن لون بشرة الرئيس، ولكن عن حقيقة برنامج رئيس شاب ليست لديه أية خبرة سياسية ذات شأن ". إلا أن مراقبين سياسيين روس آخرين مثل " أندريه كورتونوف "، و " ألكسي بيريزين " يعتقدان أن وصول أوباما إلي الحكم سيؤدي إلي تحسين العلاقات الأمريكية الروسية وإلي المزيد من التفاهم بين الدولتين لحل المشكلات العالقة بينهما.

والآن بعد أن استمع العالم إلي أقوال أوباما المرشح، ينتظر الجميع أفعال الرئيس أوباما.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى