الأربعاء ٢٨ آذار (مارس) ٢٠٠٧
بقلم حسن المير أحمد

بين الأعرج والكسيح

لو شاهدنا شاباً أعرج يختال متحدياً رجلاً كسيحاً في سباق للسرعة ، متفاخراً بما يملكه من إمكانات تجعله واثقاً من الفوز ، لاستهجنا الأمر وضحكنا في قرارة نفوسنا .. ولو جرى السباق ، وتمكن الكسيح من التغلب على الأعرج وكسر شوكة غروره الغريب ، لقهقهنا عالياً مرغمين !

وما تشهده مجتمعاتنا العربية في السنوات الأخيرة من حراك ، ومحاولات تغيير خجولة وغير جادة ، تماثل ذلك المشهد المثير الذي تحدثنا عنه .. فعلى الرغم من معرفة السلطات في هذا البلد أو ذاك أن مسيرتها التنموية والسياسية والاقتصادية مسيرة عرجاء تعاني الكثير من النواقص والمشكلات والبطء والتواكل ، ما يعني تحركاً ممنهجاً بعكس اتجاه مسيرة التطور والتقدم ، وابتعاد مقصود عن العصر ووضع العصي في عجلات حركة التاريخ ، فإنها ـ أي السلطات ـ لا تكف عن ترديد الشعارات والوعود وابتكار رماد جديد يذر في العيون ، حيث لا يمر يوم غلا ويخرج أحد رجالاتها بتصريحات جوفاء تتناقلها وسائل الإعلام تتمحور حول ما تم تحقيقه من إنجازات تفوق إنجازات " البلدان الكسيحة " ، وكأن المطلوب منا دائماً أن نقارن أوضاعنا بأوضاع من هم أدنى منا لنظهر بمظهر الأقوياء المتطورين ، مبتعدين في الوقت نفسه عن مقارنة أي صورة بصور المجتمعات المتقدمة ، حتى لا يظهر عرينا في عزّ الشتاء !

ولو طالب بعض المتنورين والمخلصين من أبناء المجتمع بالاستفادة من تجارب البلدان الأخرى التي سبقتنا في كل شيء بدءاً من طرق الطعام والاستحمام والنوم وو .. وانتهاء بالتعامل الإنساني بين البشر ، لاتهموا بأبشع النعوت ووصفوا بالانحلال حيناً وبالعمالة حيناً آخر ، وربما وصل الأمر إلى أكثر من ذلك !

إن المشكلة التي نرزح تحتها تتلخص في كوننا بدأنا نعتقد واهمين بأن العرج الذي نعاني منه أمر طبيعي ، وبأننا قادرين على قطع المسافات راكضين من دون أن تعيقنا تلك العاهة المستديمة ، متجاهلين أن إمكانية الشفاء واردة من خلال عمل جراحي متقن ، مستسلمين إلى تفوقنا المضحك على من يعانون واقعاً أشد بؤساً ، وهم قلة على كل حال .

تلك القناعات المشوهة ، تزيد من حالتنا العرجاء يوماً إثر يوم ، وتجعل الشموع القليلة المضاءة تخبو رويداً رويداً ، حتى تعم الظلمة الحالكة في كل مكان ، وتستبيح الواقع والمستقبل ، وبالتالي ليس غريباً أن تتراجع دول عربية كانت تتبجح بحمل لواء التنوير والتقدم الاجتماعي والسعي إلى التطور ، عن فُسح الحرية التي يتنفس الناس من خلالها ، وتبدأ بتشديد الحصار حتى على المتع الشخصية البسيطة للصغار بعد أن أضحى عدم توافرها للكبار أمراً واقعاً ، فتمنع أماكن ألعاب التسلية والترفيه الإلكترونية القليلة من تقديم خدماتها بحجة الحفاظ على الأجيال لكونها تقدم ألعابا مشبوهة وتفتح أبوابها حتى وقت متأخر .

واختيار حل الإغلاق والإلغاء بدل دراسة واقع تلك الأماكن ووضع الضوابط لعملها وعدم منح الرخص غلا للمؤهلين تقنياً وتربوياً لإدارتها ، أسلوب كسول اعتدناه من أجل عدم تشغيل عقولنا حول أي أمر كبر شأنه أم صغر .. وهو أسلوب ينسحب على كل مناحي حياتنا العربية لأنه الأسهل بالنسبة لمن يمتلك سلطة القرار ، حيث نلمس ذلك في المسائل الصغيرة والمعقدة ، بدءاً من تداول لعبة للأطفال ، وانتهاء بإلغاء الآخر وحرمانه من الكلام والتنفس ومصادرة كل ما يتيح له التعبير عن رأيه وربما هدر دمه لمحاصرته في زاوية الدفاع عن النفس دائماً والهروب من بطش الجهلاء الباحثين عن البطولات الدونكشوتية !

المخيف في الموضوع أن إصرار "الأعرج" على تجاهل عاهته وعدم التعامل معها بالمنطق ومحاولة التغلب عليها ، أعطى المجال " للكسيح" لكي يقدم نفسه بديلاً ومنقذاً لقيادة مسيرة المجتمعات ، مستغلاً توق الناس إلى الحرية والانعتاق ، الذين باتوا ينجرون وراء عواطفهم وجهلهم بنهاية الطريق التي سوف يسيرون عليها .. وبذلك بتنا بين نارين أحلاهما مرّ .. لذلك لابد من صحوة حقيقة والإقدام على عملية جراحية بارعة وجريئة تخلصنا من عرجنا ، قبل أن نصبح أمة كسيحة في عصر السرعة ، وتقع الفأس في الرأس !!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى