الأربعاء ٢٦ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
بقلم سامر مسعود

تداعيات

الطقس خريفي ماطر، الأشجار تعرت من اخضرارها، كل ما حولك يشعرك بالهجوع... تلتفت يمنة فتشاهد عصفورا صغيرا ينكمش حتى لا يكاد يبين... وفي الاتجاه الاخر تلمح متشردا طاعنا في السن، ترك فضاء فوق رأسه ليشغله شعر رمادي أشعث، في حين تصدمك لحيته العفنة المنتشرة فوق صدره النحيل ،يحمل أكياسا مليئة بمختلف الاشياء: قمامة يعتقد انها طعام يؤمن له وجبة مجانية، زجاجة من الخمر الفاخر، لا أدري كيف حصل عليها، وبعض أسمال بالية لا مكان لها الا في حاوية القمامة... تهمس: ربما يعد نفسه لهجعة توحده بالاشياء من حوله... أما أنت فتكتفي بتأمل الأشياء من حولك فلربما تعثر على بقايك المبعثرة بين دهاليز الحياة المغبرة....

تذهب، بعد انتهاء عملك، إلى شاطئ المحيط؛ للوهلة الأولى يفجعك اتساع الجرح الذي يمتد حنينا من الحافة حيث تقف، وصولا الى قريتك التي لا تعترف بوجودها أدق الخرائط الجغرافية على الحافة الأخرى... تتأمل جبروت الطبيعة من حولك، فينتابك شعور بالتلاشي. تعيدك الذاكرة قسرا الى قريتك حيث يتخذ التلاشي هناك معنى اخر، ما بين المعنيين تقف الانسانية في لحظة صمت حائرة.

تدرك تماما أن الطقس الخريفي يثير فيك شهية التأمل، تقرأ نفسك بانعكاسها على الأشياء التي تراقبك بدقة، تحاول أن تقهر إرادة التشيؤ التي ما فتئت تنمو أعشابا على ضفاف روحك... تتذكر مقولة "ما أقسى أن تتشيأ أفئدة الناس" فتفهم المعنى جيدا.

توقف السيارة على مرتفع يمنحك لغة أفضل للتحاور مع هذا الفضاء المائي الممتد. لماذا تحاول أن تعقلن الأشياء من حولك؟!. عليك أن تدرك أن العقلنة سلاح فعال لاغتيال البهجة التي تتقاطع مع اللامبالاة. تلتفت الى يمينك فترى امرأة كبيرة في السن والى جوارها رجل في مثل عمرها يشربان خمرهما على صخب الامواج المتلاطمة.

تراقب صديقتك ليندا التي تعرفت عليها منذ مدة، تلوح لك بيدها لتشاركها الفرحة، تنظر الى خلفية اللوحة بلونها الأزرق، يدهشك الشعر الاشقر، والقدمان العاريتان وهما يرسمان البهجة بالوان الحياة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى