تميم البرغوثي يوقع ديوانه (في القدس)
وقّع الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي، ديوانه الشعري الجديد الذي حمل عنوان "في القدس" الذي تضمن عددا من قصائد السهل الممتنع التي تعكس واقع الشعب الفلسطيني، وتعبر عن معاناته جراء أطول احتلال في التاريخ المعاصر.
جاء ذلك على هامش الأمسية الشعرية التي أحياها الشاعر البرغوثي في ثالث أيام مهرجان فلسطين الدولي للرقص والموسيقى للعام 2008، في مدرج قصر رام الله الثقافي الذي غصت مقاعده بعشاق الشعر الذي لمع نجمه في الآونة الأخيرة.
وعلى وقع تصفيق الحضور كان الشاعر البرغوثي يتألق في تنظيم رحلات لهم في بلاد الشام بشكل عام وفلسطين بشكل خاص، ويحظى البرغوثي ، وفق صحيفة "الرأي" المغربية بشعبية كبيرة بين الفلسطينيين ولا سيما فئة الشباب منهم وقد نظم العديد من الأمسيات الشعرية في الضفة الغربية وخارج حدود الوطن، بينما لا يزال غير قادر على دخول قطاع غزة.
وتميم هو ابن الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي، وقد ولد عام 1977، ويحمل شهادة الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة بوسطن في الولايات المتحدة الأميركية، ورغم صغر سنه عمل محاضرا بالجامعة الأميركية بالقاهرة، له عدة مقالات منشورة في عدد من الصحف العربية والمصرية، وعدد من الدواوين، وقد بزع كشاعر من خلال برنامج أمير الشعراء الذي أذيع على قناة أبو ظبي مطلع العام الحالي.
من قصيدة "في القدس" نقرأ :
مَرَرْنا عَلــى دارِ الحبيب فرَدَّناعَنِ الدارِ قانونُ الأعادي وسورُهافَقُلْتُ لنفســي رُبما هِيَ نِعْمَةٌفماذا تَرَى في القدسِ حينَ تَزُورُهاتَرَى كُلَّ ما لا تستطيعُ احتِمالَهُإذا ما بَدَتْ من جَانِبِ الدَّرْبِ دورُهاوما كلُّ نفسٍ حينَ تَلْقَى حَبِيبَها تُـسَرُّولا كُلُّ الغـِيابِ يُضِيرُهافإن سـرَّها قبلَ الفِراقِ لِقاؤُهفليسَ بمأمـونٍ عليها سـرُورُهامتى تُبْصِرِ القدسَ العتيقةَ مَرَّةًفسوفَ تراها العَيْنُ حَيْثُ تُدِيرُها***في القدسِ، بائعُ خضرةٍ من جورجيا برمٌ بزوجتهيفكرُ في قضاءِ إجازةٍ أو في في طلاءِ البيتْفي القدس، توراةٌ وكهلٌ جاءَ من مَنْهاتِنَ العُليايُفَقَّهُ فتيةَ البُولُونِ في أحكامهافي القدسِ شرطيٌ من الأحباشِ يُغْلِقُ شَارِعاً في السوقِ..رشَّاشٌ على مستوطنٍ لم يبلغِ العشرينَ،قُبَّعة تُحَيِّي حائطَ المبكَىوسياحٌ من الإفرنجِ شُقْرٌ لا يَرَوْنَ القدسَ إطلاقاًتَراهُم يأخذونَ لبعضهم صُوَرَاًمَعَ امْرَأَةٍ تبيعُ الفِجْلَ في الساحاتِ طُولَ اليَومْفي القدسِ دَبَّ الجندُ مُنْتَعِلِينَ فوقَ الغَيمْفي القدسِ صَلَّينا على الأَسْفَلْتْفي القدسِ مَن في القدسِ إلا أنْتْ!***وَتَلَفَّتَ التاريخُ لي مُتَبَسِّماًأَظَنَنْتَ حقاً أنَّ عينَك سوفَ تخطئهم،! وتبصرُ غيرَهمها هُم أمامَكَ، مَتْنُ نصٍّ أنتَ حاشيةٌ عليهِ وَهَامشٌأَحَدأنَّ زيارةً سَتُزيحُ عن وجهِ المدينةِيا بُنَيَّ، حجابَ واقِعِها السميكَلكي ترى فيها هَواكْفي القدسِ كلًّ فتى سواكْوهي الغزالةُ في المدى، حَكَمَ الزمانُ بِبَيْنِهاما زِلتَ تَرْكُضُ إثْرَهَا مُذْ وَدَّعَتْكَ بِعَيْنِهارفقاً بِنَفسكَ ساعةً إني أراكَ وَهَنْتْفي القدسِ من في القدسِ إلا أَنْتْ***يا كاتبَ التاريخِ مَهْلاً، فالمدينةُ دهرُها دهرانِدهر أجنبي مطمئنٌ لا يغيرُ خطوَه وكأنَّه يمشي خلالَ النومْوهناك دهرٌ، كامنٌ متلثمٌ يمشي بلا صوتٍ حِذار القومْوالقدس تعرف نفسها..إسأل هناك الخلق يدْلُلْكَ الجميعُفكلُّ شيء في المدينةذو لسانٍ، حين تَسأَلُهُ، يُبينْفي القدس يزدادُ الهلالُ تقوساً مثلَ الجنينْحَدْباً على أشباهه فوقَ القبابِتَطَوَّرَتْ ما بَيْنَهم عَبْرَ السنينَ عِلاقةُ الأَبِ بالبَنينْفي القدس أبنيةٌ حجارتُها اقتباساتٌ من الإنجيلِ والقرآنْفي القدس تعريفُ الجمالِ مُثَمَّنُ الأضلاعِ أزرقُ،فَوْقَهُ، يا دامَ عِزُّكَ، قُبَّةٌ ذَهَبِيَّةٌ،تبدو برأيي، مثل مرآة محدبة ترى وجه السماء مُلَخَّصَاً فيهاتُدَلِّلُها وَتُدْنِيهاتُوَزِّعُها كَأَكْياسِ المعُونَةِ في الحِصَارِ لمستَحِقِّيهاإذا ما أُمَّةٌ من بعدِ خُطْبَةِ جُمْعَةٍ مَدَّتْ بِأَيْدِيها***وفي القدس السماءُ تَفَرَّقَتْ في الناسِ تحمينا ونحميهاونحملُها على أكتافِنا حَمْلاً إذا جَارَت على أقمارِها الأزمانْفي القدس أعمدةُ الرُّخامِ الداكناتُكأنَّ تعريقَ الرُّخامِ دخانْونوافذٌ تعلو المساجدَ والكنائس،أَمْسَكَتْ بيدِ الصُّباحِ تُرِيهِ كيفَ النقشُ بالألوانِ،وَهْوَ يقول: "لا بل هكذا"،فَتَقُولُ: "لا بل هكذا"،حتى إذا طال الخلافُ تقاسمافالصبحُ حُرٌّ خارجَ العَتَبَاتِ لَكِنْإن أرادَ دخولَهافَعَلَيهِ أن يَرْضَى بحُكْمِ نوافذِ الرَّحمنْ***في القدس مدرسةٌ لمملوكٍ أتى مما وراءَ النهرِ،باعوهُ بسوقِ نِخَاسَةٍ في أصفهان َلتاجرٍ من أهلِ بغدادٍأتى حلباً فخافَ أميرُها من زُرْقَةٍ في عَيْنِهِ اليُسْرَى،فأعطاهُ لقافلةٍ أتت مصراًفأصبحَ بعدَ بضعِ سنينَ غَلاَّبَ المغولِ وصاحبَ السلطانْفي القدس رائحةٌ تُلَخِّصُ بابلاً والهندَ في دكانِ عطارٍ بخانِ الزيتْواللهِ رائحةٌ لها لغةٌ سَتَفْهَمُها إذا أصْغَيتْوتقولُ لي إذ يطلقونَ قنابل الغاز المسيِّلِ للدموعِ عَلَيَّ: "لا تحفل بهم"وتفوحُ من بعدِ انحسارِ الغازِ، وَهْيَ تقولُ لي: "أرأيتْ!"في القدس يرتاحُ التناقضُ، والعجائبُ ليسَ ينكرُها العِبادُ،كأنها قِطَعُ القِمَاشِ يُقَلِّبُونَ قَدِيمها وَجَدِيدَها،والمعجزاتُ هناكَ تُلْمَسُ باليَدَيْنْفي القدس لو صافحتَ شيخاً أو لمستَ بنايةًلَوَجَدْتَ منقوشاً على كَفَّيكَ نَصَّ قصيدَةٍيا بْنَ الكرامِ أو اثْنَتَيْنْفي القدس، رغمَ تتابعِ النَّكَباتِ،ريحُ براءةٍ في الجوِّ، ريحُ طُفُولَةٍ،فَتَرى الحمامَ يَطِيرُ يُعلِنُ دَوْلَةًفي الريحِ بَيْنَ رَصَاصَتَيْنْ***في القدس تنتظمُ القبورُكأنهنَّ سطورُ تاريخِ المدينةِوالكتابُ ترابُهاالكل مرُّوا من هُنافالقدسُ تقبلُ من أتاها كافراً أو مؤمناأُمرر بها واقرأ شواهدَها بكلِّ لغاتِ أهلِ الأرضِفيها الزنجُ والإفرنجُ والقِفْجَاقُ والصِّقْلابُ والبُشْنَاقُوالتتارُ والأتراكُ، أهلُ الله والهلاك، والفقراءُ والملاكوالفجارُ والنساكُ،فيها كلُّ من وطئَ الثَّرىكانوا الهوامشَ في الكتابِ فأصبحوا نَصَّ المدينةِ قبلنايا كاتب التاريخِ ماذا جَدَّ فاستثنيتنايا شيخُ فلتُعِدِ الكتابةَ والقراءةَ مرةً أخرى، أراك لَحَنْتْالعين تُغْمِضُ، ثمَّ تنظُرُ، سائقُ السيارةِ الصفراءِمالَ بنا شَمالاً نائياً عن بابهاوالقدس صارت خلفناوالعينُ تبصرُها بمرآةِ اليمينِ،تَغَيَّرَتْ ألوانُها في الشمسِ، مِنْ قبلِ الغيابْإذ فاجَأَتْني بسمةٌ لم أدْرِ كيفَ تَسَلَّلَتْ للوَجْهِقالت لي وقد أَمْعَنْتُ ما أَمْعنْتْيا أيها الباكي وراءَ السورِ، أحمقُ أَنْتْ؟أَجُنِنْتْ؟لا تبكِ عينُكَ أيها المنسيُّ من متنِ الكتابْلا تبكِ عينُكَ أيها العَرَبِيُّ واعلمْ أنَّهُفي القدسِ من في القدسِ لكنْلا أَرَى في القدسِ إلا أَنْت.