الثلاثاء ١٠ شباط (فبراير) ٢٠٠٩
بقلم طلعت سقيرق

ثلاثة وعشرون يوما

للتاريخ أن يسجـّل ببصمة من نور أنها ثلاثة وعشرون يوما كانت وما زالت
مفتوحة على وعد الشمس بأنّ النهار الذي كتبته غزة بدم وصمود وثبات وتماسك
وإيمان ووقوف وشموخ كلّ من فيها، إنما هو البداية الحقيقية لتاريخ تغيير
المسار نحو إثبات شعب فلسطين أنه قادر رغم قلة العدة والعتاد على الوقوف
بل الصمود ومن ثم محو الظلام مهما اشتدّ، وأنّ الاحتلال الذي ظنّ بل
تطاول في الظن، انه قادر على الدخول والخروج متى شاء، قد خاب سعيه هذه
المرة وتعلم درسا جديدا قالته المقاومة الفلسطينية بحروف بارزة واضحة
بينة تقول إن اندحار الاحتلال وتراجعه وهزيمته هو الشيء الذي سيناله من
اليوم فصاعدا ..

ثلاثة وعشرون يوما كتبت بالدم وسطرت بأروع ملاحم الوقوف الشامخ الثابت ..
كانت سطورها المفتوحة على التاريخ تشكل ملحمة الشعب حين ينزرع في أرضه
غير هياب أو مبال بما يكون..

فالذي جرى من قصف وتدمير وقتل وبطش
هستيريّ كان المقصود منه أن تتحول فكرة المقاومة إلى مجرد ذكرى تمحى
حروفها وتزول إلى غير رجعة .. وكل ما حاولته آلة العدوان بل ما أرادته
كان شيئا واحدا لا غير، هو قلب المعادلة التي رسخت في لبنان 2006 ومحوها
من الأذهان من خلال شطب رقم صعب هو الرقم المقاوم في غزة حتى تثبت للعالم
أنّ جيش العدوان ما زال قادرا على الردع والانتصار وهدم المعنويات بل
تشتيتها وجعلها في خبر كان، فجاء الحال على غير الحال، وأثبتت أيام غزة
المكتوبة بحبر الزنود المقاومة والصبر والثبات والتمسك بالأرض أن فجرا
جديدا قد بدأ وأنه من الصعب أن يمحى أو يزال لأنه فجر تأسيس وترسيخ
وتأكيد لأيام لن ترجع إلى الوراء، بل ستتقدم وتزرع بذورها في الأرواح
والضمائر، بما يعني أن ما كان من قبل قد ولى وأنّ ما بدأ وبزغ هو الذي
سيكون فاتحة الأيام الجديدة الحالية والقادمة .. وهي أيام تعرف كيف تشكل
النصر والصمود والمقاومة والثبات وصولا إلى دحر الاحتلال ..

ثلاثة وعشرون يوما كانت غنية بكل تفاصيلها، شامخة بكل معانيها ، عظيمة
بكل ما تركته على الأرض وفي ذاكرة التاريخ والناس والزمن .. لا ننكر شيئا
مما حدث، وليس من اللائق أن ننكر، فغزة تحملت فوق طاقتها وتلقت من
النار والدمار والقتل ما لم يعرفه تاريخ بغية تركيعها وجعلها ترفع راية
الاستسلام.. فما صب على غزة من حمم، وما استهدفها من قصف وحشي تقشعر
الأبدان لمجرد وصفه وذكره، وما لاقته من قتل للأطفال والنساء والمدنيين
، كان مطلوبا منه بالخط العريض أن يجعل غزة عبرة لمن يعتبر أمام عالم غطى
الكرة الأرضية طولا وعرضا، فإذا بغزة تكون بالفعل عبرة لمن يعتبر لكن في
درس الصمود والمقاومة والثبات والتشبث بالأرض، حتى صارت غزة مضرب المثل
في العزة والشموخ ورفع الرأس عاليا.. علمت العالم كله، بأنّ الشعب
المؤمن بقضيته أقوى من كل التوقعات وأشد وأصلب من كل التحديات ..لم يكن
في فكر أو ذهن أحد أن هذه الأيام القصيرة بعمر الزمن، الطويلة جدا بعمر
العطاء، يمكن أن تكون عنوان مرحلة جديدة يكتبها الشعب ويحولها إلى درس
رائع من دروس التلاحم مع الأرض وجعل هذه الأرض عصية إلى أبعد حد على
الاحتلال والركوع والخنوع .. إنه درس الصمود الأسطوريّ النابع من إشراق
شمس جديدة ابتدعها شعب فلسطين .. وهي الشمس التي ستعمّ وتكبر مع كل يوم،
لأنها شمس الشعوب المؤمنة بحقها وبإرادتها التي لا تقهر ..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى