السبت ١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٧
بقلم نضير الخزرجي

حركة شعر الأبوذية بين عبودة وبوذا

يحتفظ كل مجتمع بخزين من التراث الشعبي المنفتح على كل الاتجاهات، بحيث يسهل قراءة هذا المجتمع وعاداته وتقاليده وأخلاقياته، بالعودة الى هذا التراث وتناول مفرداته وتصفحها الواحدة تلو الأخرى، وهي في الوقت نفسه كثيرة، ويسهل الوقوف على طبيعة المجتمع بمطالعة أدبه الشعبي، والشعر الشعبي بخاصة، لان فيه عصارة تراث المجتمع الشعبي.

ولا يختلف الشعر العربي الشعبي عن القريض في تعدد أغراضه الشعرية، ولا في قوالبه وبحوره، فهو مثله مثل الشعر العربي القريض، لكن الكلمة المستخدمة هي اللغة المحلية الدارجة، غير ان ما يميز الشعر الشعبي ان حلاوته عند السماع تكون أكثر منه عند القراءة، إلا إذا كان القارئ يجيد تحريك الكلمات تلقائيا، وبخاصة إذا كان المتلقي يستمع الى الشعر القادم من غير بيئته الشعبية، حيث تستخدم مفردات غير موجودة في بيئته، على عكس الشعر القريض التي فيه المفردة عربية فصيحة يسهل تذوقه والوقوع في شباكه قراءة واستماعا.

ولأن الشعر الشعبي هو من بنات المجتمع، فانه متعدد الأنواع والأسماء، وكل نوع منه ينسب الى شخص بعينه كان دخيلا في إنتاجه وإنشائه وإنشاده، أو الى مدينة أو قرية أو عشيرة اشتهرت بنظمه، وللعراق قصب السبق في إنتاج أنواع من الشعر الشعبي، ومن ذلك شعر الأبوذية المنتشر في جنوب العراق وامتداداته في مقاطعة خوزستان الإيرانية التي يقطنها العرب ويتحدث أهلها بلهجة جنوب العراق بشكل عام. وللوقوف على أصل هذا النوع من الشعر وجذوره، في سياق التعاطي مع المنظوم منه في النهضة الحسينية، صدر عن المركز الحسيني للدراسات بلندن، للمحقق الشيخ محمد صادق محمد الكرباسي، كتاب "ديوان الأبوذية" في جزئه الأول في 564 صفحة من القطع الوزيري، تسقط الأخبار هنا وهناك عن نشأة الأبوذية وتاريخها وشخوصها وأماكن انطلاقها وامتداداتها، وعمل على إعادة كل كلمة شعبية دارجة الى جذرها العربي، في محاولة توفيقية وتوليفية هي الأولى من نوعها للتقريب بين الشعر الشعبي والقريض، بل وان المؤلف يشجع لك شاعر شعبي يلتقيه ان يضمّن شعره كلمات فصيحة ما أمكنه ذلك سبيلا لإخراج الشعر الشعبي من بعض غموضه بخاصة على الأسماع العربية التي لم تعهد الشعر الدارج، أو يصعب عليها فهم كلمات محلية يتداولها هذا المجتمع العربي أو ذاك.

ومن ذلك قول الشاعر العراقي المعاصر الدكتور عادل بن جليل الكاظمي من قريض الأبوذية:

تُنادي زَينبٌ والدمعُ هامِلْ
فؤادي مِن عذابِ القبر هامِلْ
عَمودٌ قَدْ أصاب اليومَ هامِ آلْـ
كفيلِ فَشَبَّ نيرانَ الرِزِيَّةْ
أقوال في الأبوذية

تتألف تركيبة الأبوذية كما يحللها الكرباسي: "من أربعة أشطر كل شطر منها مركب من ثلاث تفعيلات، الأشطر الثلاثة الأولى والثانية والثالثة يلتزم فيها الجناس والرابعة لابد وأن تنتهي بياء مشددة مفتوحة ملازمة مع هاء ساكنة". والأبوذية كما يقول المؤرخ العراقي ثامر بن عبد الحسين العامري في كتابه "المغنون الريفيون وأطوار الأبوذية العراقية": "مؤلف من بيتين بأربعة أشطر، ثلاثة منها في جناس واحد يتحد في اللفظ ويختلف في المعنى، وينتهي الشطر الرابع منه بحرفي الياء والهاء"، ولكن الكرباسي يرى: "ان الأبوذية بيت واحد ذو أربعة أشطر، ونادرا يؤلف منها قصيدة"، ويضيف: "وهي من فنون الأدب الشعبي العراقي في اللهجة الدارجة جميلة الأداء لأنها تتجلى بالجناس الثلاثي"، ومثال الأبوذية قول عميد الشعر الحسيني الدارج الحاج جابر بن جليل الكاظمي:

مِنِ آخدودكْ بَناتِ الغْصِنْ وَرْدَنْ
تَرِف وِنْسومَكِ آعْلَه الْمُحِبْ وِرْدَنْ
أريدَ آعْصِرْ عِنَبْ شِفِّتَكْ وَرْدَنْ
أَخَمُّدْ نارَكِ آلْتِسْتِعِرْ بِيَّهْ

وتعددت الأقوال في أصل كلمة "الأبوذية"، وعند الأكثر أنها مركبة من كلمتين أبو وذية، فالكلمة الأولى عند العامة تعني ذو أو صاحب، وحاول البعض نسبتها الى الأذى والتألم والتوجع بلحاظ ان هذا النوع من الشعر ينشد عند الشعور بالأذى والضيق، وفي ذلك يقول الأب انستاس ماري الكرملي (1866-1947م)، البغدادي المولد: "ذية تخفيف أذية لأن ناظم تلك الأبيات ينطق بها بعد أن يصاب بأذية خارجة كانت أم باطنة عقلية أم جسدية، أدبية أو حسية أو انه يحاول التأثير في نفوس الغير بما يؤذيها".

والبعض يرى ان أصل الكلمة (ذي + يه) أي صاحبة يه، بلحاظ ان الشطر الرابع من الأبوذية ينتهي بـ (يه)، ولكن المحقق الكرباسي يستبعد مثل هذا الاحتمال، ففيه تكليف. وبعضهم أرجعه الى (أبو + هيه)، ويستبعده الكرباسي أيضا. والبعض يرى أنها تحريف لكلمة عبودية نسبة الى القبيلة العربية عبودة لاشتهارها بنظم الأبوذية، ويضعف الكرباسي مثل هذا الرأي. والبعض ينسب الأصل الى الشاعر حسين بن عبد الله النجم آل مگن العبادي المتوفى نحو عام 1300 هـ، باعتباره ممن اشتهر بنظم الأبوذية، ولكن المحقق الكرباسي يضع الرأي في خانة الاحتمالات لعدم وجود دليل قاطع عليه. وبعضهم ينسبه الى البادية، فحورت الى أبوذية، لكن الكرباسي يرى في ذلك التكلّف، بخاصة: "إن هذا النوع من الشعر لا يتعاطاه أهل البادية ولعل فيه خلط بين الأبوذية والعتابة حيث أنهما قريبا الوزن".

والبعض الآخر يرى ان الأبوذية تعود من حيث التسمية الى (دوبيت) وهو نمط من الشعر الفارسي عرف في بغداد أيام العهد العباسي. وبعضهم يرى ان الكلمة إنما هي إغريقية الأصل: "وكان أًصلها (أبوديا) وقد نقلها الأنباط فيما نقلوه من الفنون الأخرى الى العراق واليونان يلهجونها (أبوذه) وقد قيل إن الإنكليز يسمونها (إيبودس) والفرنسيين يطلقون عليها (بيس أيبوديس) وهي عند اليونان رباعية كما هو الأمر في الأبوذية التي تعرف بالنگيض (النقيض)"، لكن المؤلف يستبعد مثل هذا الاحتمال. وهناك من يقول إن الأبوذية تعادل الحسچة، بيد ان المصنف يرى ان بين شعر الأبوذية والحسچة: "عموم وخصوص من وجه حيث أن كل أبوذية حسچة وليس العكس". كما استبعد المحقق الكرباسي احتمال ان الأبوذية محرفة من الشاعر (ابن اُدية) وهما اخوان من شعراء الخوارج نسبا الى امهما اُدية، وهما: شيخ الخوارج مرداس بن حدير التميمي (ت 61 هـ) وشقيقه عروة بن حدير التميمي (ت 58 هـ) الذي كان أول من رفع في معركة صفين شعار: "لا حكم إلا لله".

الأبوذية والحكيم بوذا

ولكن ما علاقة شعر الأبوذية بالحكيم الهندي بوذا، مؤسس الديانية البوذية حوالى العام (566-486 ق. م)؟

الجواب جاء عبر فكرة اختمرت وانقدحت في ذهن الدكتور الكرباسي، حيث: "استظهرناه وتبادر الى ذهننا من التطابق اللفظي بين التسميتين وعلى أثره قمنا بالبحث والتنقيب، كما احتملنا أن يكون هذا اللون من الشعر كان مما ينشد في الطقوس الدينية عندهم"، وقد انتهت رحلة البحث والتنقيب: "أن لهم أبياتا شعرية ذات أربع أشطر ينشدونها في طقوسهم الدينية" تشبه تماما شعر الأبوذية، وهو ما شجع المحقق على الاتصال بالملحقيات الثقافية لسفارات عدد من الدول ذات التواجد البوذي المكثف، كما اتصل برئيس الكهنة في المعبد البوذي بلندن (الدكتور ميداغاما فاجيراغنانا، وبعد جملة مداولات أدبية، وتحقيق ومقارنة اجراه المحقق الكرباسي لاحظ وجود قواسم مشتركة بين نصوص شعرية يتداولها البوذ وشعر الأبوذية، وهي: اتحاد عدد الأشطر، وتوحد قوافي الأشطر الثلاثة الأولى، وختم الشطر الرابع بـ "يه"، والاتحاد في استخدام نوعية التفعيلات. ومن كل ذلك خلص الى: "إن هذا اللون من الشعر المسمى بالأبوذية قد تعود أصوله الى الأدب البوذي"، ولكن كيف وصل الى جنوب العراق؟: "أكثر الظن أنه انتقل عبر التجار الذين كانوا يتنقلون بين الهند والبصرة". ولكن هل يمكن القطع بذلك؟ وهو ما يستبعده المصنف.

النشأة الأولى

ولما وقع الخلاف في أصل التسمية، فمن الطبيعي ان يقع الخلاف في باكورة النظم والناظم، فالبعض ارجعه الى الشاعر حسين العبادي، حينما أنشد

ترف بهواك من مثلي وله دوم
بثناياها الخلل بين ولهدوم
أمل الفرس لو كبرت ولهدوم
شبصرك برذعه النامت عليه

وعندما أحست زوجته بمشاعره وقصده ردت عليه بشعر مثله:

جد بهواك لليهواك وعره
وعمن جه عشرتي وياك وعره
بعد ماني معك بشظاظ وعره
الكل منه انشحن وانكر خويه

ولكن الكرباسي لا يطمئن بهذه النسبة التي ذهب إليها ثامر العامري، لانه: "لم يسند قوله بدليل".

ويميل الشاعر الكويتي عبد الله بن عبد العزيز الدويش (1919-1994م) الى أن الأبوذية من مولدات شعر الموال، كما ذكر ذلك في "ديوان الزهيري"، لكن الكرباسي يعتبر استنتاج الدويش: "مجرد تخيل إذ أنهما يختلفان في الوزن واللون ولعل الذي حدا به لأن يقول ذلك إن تركيبة الموال كتركيبة الأبوذية حيث أن كلتيهما تنظمان على أربعة أشطر وفيهما جناس إلا انه غفل عن أن الموال ينظم غالبا على أكثر من بيت واحد ذو ثلاثة أشطر ويكون الشطر الأخير رباطاً ولابد أن يتحد قافيته وجناسه مع الأشطر الثلاثة الأولى، وكل هذا يبعد احتمال أن تكون الأبوذية من مولداته".

ويرى الموسوعي العراقي الشيخ جلال الدين الحنفي البغدادي (1914-2006م)، ان الأبوذية كان من الشعر الشعبي الطارئ على بغداد، ثم نظّم به الشعراء، أي لم يكن من إنتاج شعراء بغداد أصالةً كما هو الحال في الموال الذي يرى البعض انه بغدادي عباسي المنشأ. وقد حاول البعض إرجاع النشأة الى القرن الحادي عشر الهجري بالاعتماد على مخطوط بغدادي قديم، لكن الكرباسي لا يرى المخطوطة حجة وليست دليلا قاطعا قاصما.

وبشكل عام فان شعر الأبوذية اشتهرت به المدرسة العراقية وامتدادتها في خوزستان ولم يعهد ان نظم به غيرهم. ويعتبر الكرباسي ان هرم شعر الأبوذية قام على أضلاع ثلاثة وهم أمراؤه: الملا حسين بن علي الكربلائي (ت 1328 هـ) من كربلاء المقدسة، والملا زاير بن علي الدويچي (ت 1329 هـ) من النجف الأشرف، وفي القاعدة شاعر الحلة جعفر بن مهدي الحلي (ت 1298 هـ)، ويتربع على قمة الهرم شاعر الكوت حسين العبادي. وأما أول من استخدم الأبوذية بطريقة النعي في الأدب الحسيني فهم وفقا لما يقوله الباحث ثامر العامري: عبد الأمير الفتلاوي (ت 1380 هـ) وعبود غفلة (ت 1356 هـ) وحسين الكربلائي. وعند الكرباسي ان الأخير هو في المقدمة يليه عبود غفلة ثم الحاج زاير الدويچي ثم عبد الأمير الفتلاوي. والأبوذية من الكثرة في استخدامها في الأدب الحسيني ان جعلت المحقق الكرباسي يقرّ: "وكأنها ابتدعت لتكون المركب الذلول لرثائهم وقد أبدع الشعراء في استخدامها لأغراضهم في هذا المجال"، ومن ذلك قول الملا حسين الكربلائي:

روحي اِمْنِ الصَّبُرْ مَلَّتْ وَصاحتْ
اِوْمِثِلْها ما آنْسِبَتْ حُرَّه وَصاحَتْ
عَلَى التَّل آوْ گُفَتْ زَيْنَبْ وَصاحَتْ
نادَتْ يَخْوَتي يَهْلِ الْحَمِيَّة

والأبوذية: "كغيرها من فنون الأدب الدارج تحتوي على كل أبوب الشعر وأصنافه، ففيها الحكمة والغزل والشكوى والعتاب والمدح والرثاء والحماسة والهجاء وغيرها من الأغراض الشعرية، وأخيرا توسع الشعراء الشعبيّون في جانب المدح والرثاء والسياسة والشكوى والفخر والحنين والوصف والإخواني والوجداني الى غيرها من الأغراض"، أي لا تقتصر على الألم والتوجع والتفجع كما في تعريفها الأولي، وان كان من خصائصها: "أنها مضغوطة المعنى فالأشطر الأربعة في الغالب تستوعب معنى قصيدة طويلة وتعطي صورة كاملة عن المعاناة"، كما: "وتتغنى الأبوذية على المقامات المنصوري والحياوي واللامي والعنيسي والصبيّ وغيرها".

أوزان وألوان

ولا يذهب الكرباسي مذهب من يرى ان الأبوذية ينظم على وزن الوافر "مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن"، بل يعتقد خلاف ذلك: "لأن الوزن المعتمد فيها بشكل عام هو: "مفاعيلن مفاعيلن فعولن" وهو أقرب الى الهزج بإضافة تفعيلة واحدة عليه وهو "فعولن"، ولذلك فانه يرجح ان: "يكون للأبوذية وزن مستقل بها وهو: مفاعيلن مفاعيلن فعولن، وبسبب خضوعها كما في القريض الى الزحاف وغيره تولدت تفعيلات أخرى"، ويذهب الى ان: "الأبوذية بالإضافة الى أنها لون من ألوان الشعر الشعبي الدارج فان لها وزنا خاصا بها مركبا من وزني الهزج والرجز. فتارة تأتي على الهزج وتارة على الرجز وتارة أخرى تأتي بعض أشطرها على الهزج وبعض آخر على الرجز وتارة يأتي الشطر الواحد منه على تفعيلة الهزج مركبة مع تفعيلة الرجز، إذاً فلا علاقة لها بالوافر لا من قريب ولا من بعيد".

وقد توصل الشيخ الكرباسي أن التفاعيل المستخدمة في الأبوذية لا تتجاوز العشر ولا توجد تفعيلة واحدة على مفاعلتن التي هي من تفعيلات الوافر. كما اعتمد في هذا الجزء والأجزاء التالية على تثبيت (الهزج) لما كان أشطر الأبوذية الأربعة على مفاعيلن ومولداته، و(الرجز) لما كان أشطر الأبوذية الأربعة على مستفعلن ومولداته، وما كان خليطا من الهزج والرجز، فان المحقق الكرباسي استحدث لهما تسمية (المرج) تبركا بقوله تعالى في سورة الرحمن: 19 (مرج البحرين يلتقيان).

وللأبوذية ألوان شعرية تفوق ألوان قوس قزح، فهناك الأبوذية المطرزة، والمدوّر، وذو الجناسين، والمربع، والمخمس، والمشط، وذو الحاشية، والمطشّر، والمطلقة، والمولدة، والمقسومة، وغيرها، ويعتبر أمير الأبوذية الشاعر الملا حسين الكربلائي، هو أول من برع بالاضافات على الأبوذية، ومن ذلك انه أضاف شطرا خامسا بأربعة أجناس:

الألف لف الذوايب من نسلها
البي بادت اضلوعي من نسلها
التي تاهت أفكاري من نسلها
الثي ثاري الحواري من نسلها
الجيم وجنة الفردوس إليه

فالنسل الاولى من تمشيط الشعر، والثانية من مرض السل والثالثة من النسيان والرابعة الذرية.

ومن الأبوذية المولدة التي ينظمها الشاعر من وحي خيال شاعر آخر من خلال مجارات بيت شعري وغالبا ما يكون من القريض، في مقابل الأبوذية المطلقة التي ينظمها من وحي خياله قول الشاعر عبد الأمير الفتلاوي:

تِناسَه الْهاشمي آو لا شالْ لامَتْ
حَرُبْ وِآشكِثُرْ بيه الناسْ لامَتْ
رِضاعَه الضَّيمْ يِنشَه آوْ يِسِبْ لامَتْ
آوْ لا يِجعَلْ فِطامَه آعَلَه المِنِيَّة

لامت الاولى من لامة الحرب: الدرع، والثانية: عذلت، والثالثة: مخففة الموت. وهذه الأبوذية مباراة لقول الشاعر حيدر بن سليمان الحلي (ت 1304 هـ):

كم رضاع الضيم لا شب لكم ** ناشئٌ أو تجعلوا الموت فصالا

وهناك من يتفنن في نظم الأبوذية، كأن يضمنه كلمات من لغات أخرى، من ذلك قول الشاعر الحاج زاير الدويچي:

عَصَبْ كِلْما آرْدَ آفَورِ آعْلَيكْ نينايْ
وخِلْخالَه آبْتِوالي اللَّيلْ "نَيْنايْ"
أگِلَه آگْبَلْ يِگِلّي لَيكْ نَيْنايْ
"چلوگون" آرْتِفِعْ لَتْجيكْ اَذِيّه

فقوله "نيناي" أراد بها لا لا وهي من أصل كجراتي وكلمة "لا" تعادل "ني"، وكلمة "چلو" بمعنى إذهب و"گون" كلمة انكليزية (gone) بمعنى الماضي، وقد استعملها العراقيون بمعنى السريع وهو من معاني الماضي.

ومن التفنن استخدام الحروف المقطعة في الجناس بدلا من الكلمات، مثل قول الشاعر جابر الكاظمي:

ابدمع چاسات الف والميم واللام
ولَتظنّي ألف والميم واللام
منك يا ألف والميم واللام
عمري الماشفت بي غير أذيّه

فجمع حروف الشطر الأول: أمل من الامتلاء، والثانية: امل من الملل، والثالثة: امل أي الرجاء. ومن روائعه أيضا، قوله:

حوتِ آلْبِلَعْ يونِسْ حَيْ وَحَيْ بَه
وإبنْ يَقْطينْ ما أحْرَمْ وَحَيْ بَه
حسينْ الْطِّلَبْ چَتّالَه وَحَيْ بَه
والمُصْطَفَه آنْخَطْ عُمْرَه بِدَيَّه

وهنا إشارة الى النبي يونس وهو في بطن الحوت، والوزير العباسي علي بن يقطين (ت 182 هـ) الذي كان من أصحاب الإمامين جعفر بن محمد الصادق (ع) (ت 148 هـ) وموسى بن جعفر الكاظم (ع) (183 هـ)، وكان ابن يقطين يدفع الأذى عن أهل البيت (ع) ومحبيهم، والشطر الرابع التفاتة ذكية من الشاعر الكاظمي حيث حسب عمر النبي المصطفى محمد (ص) من حاصل طرح خطوط باطن كف اليسرى (81) من خطوط باطن كف اليمنى (18) ويصبح المجموع 63 عاما، وهو ذاته عمر الامام علي بن أبي طالب(ع)

ظاهرة غير عادية

ضم هذا الجزء 289 قطعة من حرف الألف الى الخاء بإضافة حرفي الجيم المثلثة (چ) والكاف الفارسية (گ) المتداولة في اللغة الدارجة، مع 21 فهرسا في أبواب مختلفة، مع دراسة نقدية باللغة الروسية كتبها الخبير بالدراسات الشرقية والإسلامية البروفيسور قسطنطين ماتفييف، حيث وضع نفسه مكان المحقق الكرباسي ووقف على جانب من المصاعب التي تواجه كل محقق عندما يبحث في التراث وباللغة الدارجة، ومن رأيه: "تكمن الصعوبة التي واجهت مؤلف هذا الجهد ليس فقط في جمع أمثلة شعرية من بين مستخدمي وفطاحل هذا الفن بل وشرح معاني تلك الأشعار، وقد استطاع الكرباسي أن يقوم بهذه المهمة على أكمل وجه"، ويذهب البروفسور ماتفييف الى القول: "إن عمل الكرباسي يتصل باكتشاف العلماء والاختصاصيين العرب في مجال التاريخ والأدب والفلسفة والدين وحتى الفلكلوريين"، ورأى في خاتمة قراءته: "إن عمل ومجهود الباحث الكرباسي يمثل ظاهرة غير عادية، ويضيف زخماً كبيراً الى معالجة هذه المشكلة".


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى