الأحد ٢١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٨

حكمة أولمرت وشجاعة براك ودهاء معاوية

بقلم: فايز أبو شمالة

نقل عن معاوية بن أبي سفيان أنه قال: " شجاعٌ إذا ما أمكنتي فرصةٌ، فإن لم تكن لي فرصةٌ، فجبانُ " لقد جاءت الفرصة لوزير الدفاع الإسرائيلي "أهود باراك" عشرات السنين، فصار شجاعاً، وصار بطلاً يغنى له على الرحى في إسرائيل، وهو يدخل مسلحاً بالمعلومات إلى بيروت العربية، وينجح رجل المهمات الصعبة في تصفية عدد من القادة الفلسطينيين، ويعود سالماً، في عملية مهينة للثورة الفلسطينية، ومذلة للمقاومة، ومحرجة للعرب، وتوّج بطل إسرائيل غزواته المضمونة النتائج بدخول الجيش الإسرائيلي إلى بيروت، وطرد الثورة الفلسطينية نهائياً سنة 1982.

اليوم صار " أهود باراك" جباناً من وجهة نظر الإسرائيليين، واعتبره اللواء " يتسحاق بن إسرائيل" بأنه أسوأ وزير دفاع عرفته الدولة العبرية، فلماذا صار الشجاع جباناً؟ وما الذي تغير؟ أهو البطل، أم الطريق المعبد لتحقيق البطولة؟ لقد وفر العرب فرصاً ذهبية مكنت جنرالات إسرائيل أمثال " أهود براك" ليصروا أبطالاً بلا بطولة! وعندما انفلتت الفرصة من بين أيديهم، وانتهى زمن الانتصارات الوهمية، والعمليات الخارقة مضمونة النتائج، انكشفت عوراتهم العسكرية، صار الشجاع جباناً، وصار " أهود أولمرت" المتعصب ليهودية دولة إسرائيل التوراتية، والذي عمل على أن تكون القدس " أورشليم" عاصمة أبدية، وموحدة للدولة العبرية، وشجع الاستيطان، صار من دعاة السلام، والاعتراف بحق الفلسطينيين في دولة، بل يقر ضمنياً بفشل المشروع الصهيوني، وهو يقول: أنفقنا مالاً، وضيعنا 40 عاما عبثاً في بناء مستوطنات الضفة الغربية، وقد اتضح مع مرور الوقت بان الضفة الغربية ليست ملكا لنا.

لم تأت الحكمة والنزاهة للمتطرف " أهود أولمرت" فجأة، وهو يغادر مقعد رئاسة الوزراء، ليبرئ ذمته السياسية، ويكشف عن زيف الإدعاء اليهودي بأرض إسرائيل الكاملة، ولم تكن قضايا الفساد هي السبب الرئيس، ولم تكن التهديدات الفلسطينية عن ثنائية الدولة هي السبب المخيف لإسرائيل، ولا الزيادة السكانية الفلسطينية المزعجة لليهود كانت السبب، فكل ذلك كان معروفاً لإسرائيل وهي تواصل أحلامها، وكان مطروحاً للنقاش في إسرائيل من سنين، وكان قائماً قبل قيام الدولة العبرية، التي لم تغير خططها، وأطماعها حتى الأمس القريب، إن الجديد الذي دفع رئيس وزراء دولة اعتمدت القوة، والعنف، والبطش بكل أشكاله، وأتقنت القتل بدم بارد؛ هو انتصار إرادة المقاومة لدي العرب، وإثباتهم لقدراتهم القتالية في الميدان، واستعدادهم للتضحية سواء في فلسطين، أو لبنان، وهذا ما أدركه "أهود أولمرت" من خلال التقارير، والمعلومات الدقيقة التي وصلت مكتبة عن نفسية الجندي الإسرائيلي، ومدى استعداده للمواجه، وعن نفسية المقاتل الفلسطيني، واللبناني، ومدى استعداده للتضحية، وهذا ما يزعزع ثقة وزير الدفاع الإسرائيلي بجيشه الخائف، فيضطر لأن يكون جباناً، ولاسيما أن الدولة العبرية تعرف تأثير الخوف، وهي التي عمدت بدهاء إلى تسويقه بين الفلسطينيين عندما قامت عصاباتها بالمجازر الجماعية، والذبح بلا شفقة بدءاً من مجزرة دير ياسين سنة 1948، وحتى مجزرة بيت حانون سنة 2008، لقد قامت إسرائيل بترويج الخوف، وعمدت إلى زرع أشجاره قبل كل معركة مع بلاد العرب، وقطفت الثمار نصراً ميسراً، إلى أن نجح هذا الجيل العربي الجديد في معرفة السر، وفك اللغز الذي أضاع فلسطين، إنه الخوف، الخوف الذي ترعرع في بلاد العرب من بطش الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، قد جاء وقت حصاده، وتغليفه بإرادة المقاومة التي طورت صناعته، ونجحت في إعادة تصديره إلى بلد المنشأ.

إذن لم تتنزل الحكمة، والجبن على أبطال إسرائيل "أهود أولمرت" و "أهود براك" من السماء ليعدلا من مواقفهما التي جعلتهما يتقدمان الصفوف لسنوات خلت، وإنما معرفتهما بالواقع، ودرايتهما بالحقيقة التي يعجز بعض العرب عن تصديقها حتى اليوم، وهم يرون بأعينهم الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر؛ يقف عاجزاً أمام حفنه من المقاومين في الجنوب الفلسطيني، وفي الجنوب اللبناني، ويقبل بالتهدئة على مضض مع الفلسطينيين على الحدود الجنوبية، ويبدي استعداده للانسحاب من مزارع "شبعا" مقابل الأمن على الحدود الشمالية.

إن ما يلاحظ من تغيير في العقلية العسكرية والسياسية في إسرائيل هو نتاج التطورات الميدانية، دون تجاهل المتغيرات الدولية، والمستجدات الإقليمية المرعبة، ولكن السؤال: كيف سيكون حال الدولة العبرية لو أوقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس المفاوضات العبثية مع إسرائيل، أو لو غضبت الدول العربية قليلاً من إسرائيل، هل كانت تتجرأ على عرض " اتفاقية الرف" المهينة على الفلسطينيين؟ أم كانت ستوافق على مبادرة السلام العربية التي رفضتها؟ وهل كانت ستطالب بتطبيق قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة سنة 1947، في حالة انضمام دولة عربية واحدة إلى المقاومة؟ أم كانت إسرائيل ستعرض على العرب أكثر من ذلك بكثير إذا عقد جميعهم العزم على المقاومة؟

بالمناسبة، قبل أيام احتفلت إسرائيل ممثلة برئيس وزرائها بقدوم عدد 350 يهودي من "جورجيا"، وفرحوا بهذا العدد المستورد من اليهود، غنوا، ورقصوا، وهللوا، وكانت المفاجأة من نساء غزة، لقد ولدت النسوة في تلك الليلة ما يزيد عن 400 طفل عربي؟

بقلم: فايز أبو شمالة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى