الاثنين ١٢ أيار (مايو) ٢٠٠٨
في ذكرى النكبة

حوار التناظر مع الأديب عمر حمّش

بقلم: مازن حمدونة

صرّة المؤن
كانت تأتي من البعيد، تعبر القارات إلى مخيمنا الصغير!
تستلقي سمينة في بطون السفن، وخزائن الطائرات!
وربما في مقصورات القطر الجاريات!
كانت صندوق العجب، خاتم سليمان، المقدوح في جحيم الانتظار!
تقول أمي الصّبية


 هذه المرة نبيع الصرة
 فنصرخ في صحن الدار
 لا والله ما نبيعها
 ونتعلق بفم والدنا، فيسعفنا:
 أمّكم تمزح يا أولاد
 هيه هيه
وليلتها المخيم لا ينام
يظل ينتفض بانتظار بنطال العيد
وقميص العيد
وحذاء العيد
وفي النّهار لا يُستقبَل المعلمون الصغار
فهم يحلقون بعيدا، وفي الزحام يجّنون، فيختفون بين أرجل الكبار،
وتتدحرج عبر الباب الصّرر كعرائس، منتفخة لي فوق الرؤوس
صفراء
وحمراء
وخضراء
وأنا عن أمي أضيع
في رائحة الزيت والنفط المكرر أضيع
ويندلق على وجهي بعض طحين
فاركض في المدخل البعيد، لألاحق العربة التي يجرها حمار
 أين صرتنا يا أمي؟
وتشير إليها، فأنبشها بعقلي لأفرز حصتي من هدايا الانجليز والأمريكان!
ألهث خلفها، وأقرصها مستكشفا، وفي صحن الدار نبطحها، لندور حولها كأنها اله!
ندور طائرين، وعند فتحها نتجهم!
ثوان ونتجهم!
ويصيح والداي:
 يا ليتنا بعناها.
وفي أوج الفزع يراجعان المحتويات
ويلبسان جسدي
فأصيح:
 هذا جاكيت ستاتي!
 فيأمراني:
 البس
 وتضيف أمّي
 اتق البرد ولو بالجرد!
وتنتعل قدماي ويلبسان قدميّ ؟؟
فأصيح:
 هذا حذاء عجوز ميتة!
فيصرخان:
 البس
فألبس كعب الغزال!
ومع الجاكيت أسير ديكا منتفخا مثيرا للقشعريرة!!
حوار التناظر د. مازن حمدونة
جادت علينا بلاد الكرم دوما بصرر ؛ كما جادت بالأمس القريب على أعدائنا بكرم استباحة شعب ووطن !!. انتزعت موطننا وأرادت أن تمنحنا حق اللجوء السياسي مبعثرين في أنحاء المعمورة .. فحملت إلى ما تبقى من شعب يرقد في زنازين الخيام وغرف من القرميد، بصرر تمددت كجسد فيل لفظ أنفاسه الأخيرة .. ترى من فتحات الصرة ذراع من قماش تدلى على رأس جدتي ، أو أمي في أحيان أخرى .. كنت اخشي أن تباع الصرة قبل أن تفتح أبوابها الحسناء ، و تغيب عنا بهجتها قبل أن تضحك لنا ..

رائحة ممرات المخازن تعج بالزيت، والدقيق ، وفي مداخلها تجد عمالاً ، وقد تغيرت ملامحهم وقد احكم طلائها ذرا وعفره الدقيق ( غير واضح ) .. وجوه سمراء ملفحة ببياض عجيب .. يلهث الطفل الصغير في تلابيب أمه .. جدته حتى تلتقط حصتها من صرة رابضة أكواما متكللة في مخزن شاهق كبير .. تتموضع الصرة على عربة حمار كملك نجول من حوله .. يدفعنا الخيال الخصب ونحن نجرى وراء خطوات العربة.. ماذا سنحصل عليه من داخل الصرة؟؟

تساؤلات عديدة تدور ، تسقط عليها كل ما في النفوس من أماني داخل أحشاء الحيوان الممدد على العربة.. تصل الدار .. تلقى من على الرؤوس في صحن الدار .. يزف الأطفال بهجتهم ، يدورون من حولها برقصات براءة لا تتقاطع مع براءة الأمريكان والانجليز من جرائم التاريخ بحق متلقي الصرر !!

نفتح الصرة ونقف من حولها .. نغوص في أحشائها .. نتلقف قميص من ذاك الطرف وأخرى في بطن الصرة تجد جاكيتاً من قماش مبطن مخمل ، صنعت في بلاد الاسكيمو .. وترى ملبس "شرط" لا تستطيع تمييزه فيما لو صنع للذكور أم الإناث .. ترى قميصاً ابيض فاقع الاصفرار .. مشهده لا تعرف كيف تحكم أزرته ، مظهرة أكثر إثارة للضحك بعد الارتداء .. تتبعثر الصرة و تكتشف انك كنت في زوبعة لها بداية وبلا نهاية .. وفي ختام الفرحة ترتدي بنطالا وقميصًا في مظهر خصام ما بين النصفين من أعلى الصدر حتى أخمص القدمين !!

تقول الجدة البس الثوب والجاكت تقيك من البرد القارص .. وتجد حذاء لا تعرف شكله سوى انك انتعلت حذاء تمدد بمساحة يتراقص القدم بداخلها .. تقول الجدة: طوله أفضل من قصره ينفعك حتى لعامك القادم .. قل كان ينفع لأعوام... وأعوام !. ودون وجود مرآة في البيت .. تصبح عيون الأم والجدة مرآة ..والأخوة والأخوات في همة يصارعون الزمن ينبشون الصرة بحثا عن بقية ملبسهم .. وتشعر كأنك فزت بحلة العيد .. وفي ختام المشهد .. ترى انك كنت على مسرح بلا متفرجين ولا رواد!!

تضحك الأم والجدة .. تهمهمان وتقولان : كم هي جميلة عليك .. مثل "أبو اللون" ؟

هو رجل المخيم المعروف لدى أهل المخيم .. كان طوله قد تجاوز المترين ، وكان حين يتجول في أزقة المخيم ترى رأسه من أعلى سور الدار، وقد حناه صوب الأرض، حتى لا يكشف من بداخل البيوت وهو ماش ٍكالزرافة
هذه هي الصرة التي حملت في أحشائها المكورة كل ما هو جدير لشطب آلام الرحيل .. يريدون تسويق مذبحتك بصرة ، وشوال دقيق ، وببعض فسيخ مملح .. وكيل من الفول والحليب المجفف !!

تنبيه : على كل رب أسرة أن يجلب معه بطاقة إغاثة الإعاشة حتى يتسنى لنا تسليم الصرة لأصحابها وإلا سنضطر آسفين لمصادرة الصرة وما فيها ... وتم بحمد الله تعالى توزيع كميات كبيرة من الصرر من خيرة الصرر الدولية ..ومعا وسويا حتى تنتهي محنة اللاجئين في القريب العاجل ...!!!

وها نحن وانقطعت كل سبل الإعاشة والإغاثة ، وتبخرت صرر وكالة الأمم ، ومازال الحال على ما هو عليه .

بقلم: مازن حمدونة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى