الأربعاء ٢٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٠
بقلم محمد أبو عبيد

حَرَمُه.. كريمتُه..المُحْزِنُ في المُفرِح

تَحْمل بطاقات الأفراح فرحاً، لكن بعضها يبث للبعض أسَفاً عندما يُعبّر نسيج مضمونها الواهن عن العقلية التي ما انفكت تسوس صاحبها مثل الديكتاتور الذي لا يريد أن يُغيّر أو يتغيّر. المعضلة أنّ ثمة مَن انتهج درباً لا انتساب له إلى الدين، ولا انتماء له للعقل والمنطق، وكلّه جفاء للإنسانية.

"الأنثى" في مجتمعاتنا المشرقية، والمحرومة أشياء جمّة ينعم ويتلذذ بها "الذّكَر"، هي محرومة أيضاً ذِكْرَ اسمها على بطاقات الأفراح المباحة لذِكْر اسم الذّكَر.صحيح أن الظاهرة، التي تخص العرب أجمعين، قلّتْ عما كانت عليه في السابق، لكننا نفرح لهذا الإقلال، في وقت علينا أن لا نفرح ما دامت موجودة ولو بالنِسَب المضمحلّة،فلا يُعقل أنْ يكون البشر قد ولجوا في الألفية الزمنية الثالثة، بكل ما تحْملها من ثورات تكنولوجية وصناعية، ومِنَ المشرقيين ثلّة ما انفكت تنظر إلى ذِكْر اسم البنت على أنه من الموبيقات ومسٌ بعِرض العائلة، ومجلبةٌ لسوء السمعة.

إنّ بطاقات الأفراح هي بعضُ انعكاس للطريقة التي تعتنقها هذه الثلة المقصودة، والتي ترى أن كيان العائلة سيهتز بذكر اسم "انثى" من إناثها، لذلك تَصْدر البطاقة إلى العلن بالصيغة التي توجع إنسانياً وتؤلم فكرياً، حتى تتبدد فرحةُ الحدث أمام "قرحة" الحديث: حرم السيد فلان وحرم السيد علان تدعوانكنّ...وفي حالة الدعوة الذكورية: السيد فلان والسيد علان يدعوانكم لحفلة زفاف ابنه علنتان و"كريمته"... بمقدور المرء أن يتخيل حجم الإجحاف من كلمة "كريمته" التي تمر مرور الكرام على الكثير من الأعين والعقول المشرقية. وتكمن فداحة هذا الإجحاف في حرمان البنت،التي ستصبح امرأة، حقَها في ذِكْر اسمها.

لعل البعض يقول،في معرض تفسير هذه الظاهرة، إن هذا ناشىء عن منظومة ثقافية مكوناتها العادات والتقاليد، لكن مفردتيْ "منظومة ثقافية " تتجافى مع مثل هذا السلوك الاعتباطي لأنهما ببساطة مفردتان إيجابيتان لا يمكن أن ينشأ عنهما ما هو منتسبٌ إلى الوثنية الفكرية، فالمنظومة من النّظْم والنظام، ولا يجوز أنْ نسمي الفوضى السلوكية وشريعة الغاب الذكورية نظاماً،وأن عناصرها منظومة، تماماً، مثلما أن الثقافة،،وإنْ ما زال الإختلاف قائماً على أصلها، تحمل معنى التهذيب والتقويم، وهي نظيرة المدنيّة، وإذا كانت قد استُخدِمت قديماً في سياق تثقيف الرمح،أي تقويم عِوجه،فهي،إذنْ، لتقويم العِوج السلوكي.

لم تشهد الدول المتقدمة ثورات صناعية إلا مِنْ بعد أنْ شهدت ثورات اجتماعية. وفي مشرقنا ستقتصر "ثُويْراتنا" شبه الصناعية، في أحسن الأحوال إنْ وُجدتْ، على تصنيع فراشي الأسنان، وأبر الخياطة وأواني الطبخ ما دمنا أسرى زنازين العادات والتقاليد التي ما أنزل الله بها من سلطان،وما دُمْنا نخشى سياط القمع الاجتماعي. وإحدى أَمارات الثورة الاجتماعية المطلوبة هي أنْ تتزيّن بطاقة الفرح بأسماء والدتَيْ المُقترنيْن والعروس نفسها، مثلما سيأخذْن،كمُنْتميات إلى البشر، زينتَهن ّ في الحفلة.


مشاركة منتدى

  • عزيزي
    حتي العالم المتحضر الذي تتحامي فيه
    لا يذكر اسم المرأة بل يذكر مَس فلان حتي الاآن

  • يعني اذا قلنا فلانه بنت فلان بنخترع صاروخ ونصنع دبابه.
    دعك من بعثرة الدجاج في مزابل العادات والتقاليد وابحث عن ما هو اهم من ذلك كيف توجد امه تخترع وتبني وتحافظ على مجتمعها من الانقسام والغوغائية.
    تخلص من ضغائن النفس على كل هذه وتلك الموروثات وتطلع للاسمى وعندها ستجد ان كل شيء يتغير ويتبدل.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى