الأربعاء ١٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٨
بقلم حفيظة مسلك

خريف العمرالباكي

وسط الصقيع تنهدتُ وبقوة فصار بخار الماء يتصاعد في خيلاء محاولاً استفزازي وبلوغ قمة جراحي. كادت دموعي أن تتجمد من شدة بلاغة هذا الموقف وغطرسة هذا الآتي من بلد الأوجاع والآهات.

هي زهرة في عيني وسط عالم ساد فيه الفقر ونجمة غار منها البدر. عندما أبحث في سماء ذكرياتي أجدها مثقلة بنوابغ الهموم. سقطت علامات السكون وتفجر الحرف شتاءً مُعْلِنا بداية نحيبي وزفرات أوراق خريف عمري وهو يلتقط همساتي بغضب مستعر.

أبحث عنها دوما لأجدها بداخلي تتراقص فرحا ولكنها لا تتمتع بالحرية المطلقة ليجتمع شملنا وتسعد أفئدتنا. في عزِّ اشتياقي لها وأنا طفلة تمنيت أن تأخد بيدي وأن لا تتركني ذليلة للمواقف المشبعة بالانكسار. تتملكني الغيرة عندما أسمع أن لفلانة أختاً تلعب معها وتؤنسها وتتقاسم معها الكبيرة والصغيرة. مللت ساعتها أن أكون أميرة بيت لا تتواجد فيه توأمها. حينها تناولت كأس المرارة عبر أروقة الطفولة ولمحت غربة الروح والجسد في خندق واحد. حاولت جاهدة أن أقتفي أثر تلك الأخت عبر عدة دروب فوجدت الطعنات الواحدة َتلو الأخرى من أشباه الأخوات اللواتي اعتقدت أنهن لي سندا ومحبة وصداقة. تسارعت علي النكبات لأرجع الى عشقي الأبدي لتلك الأمنية الدفينة أعاتبها مرارا وتكرارا وأحدثها تحت طائلة الصمت. امتدحتني السنوات لوفائي لها وضحكت مني الأيام لتعلقي بها، وازدادت معها قسوتي على من أتنكر لوجودها مرة وبين حنيني إليها مرات كثيرة. أوقات انصهار روحي على جثمانها ووفاتها قبل مولدها اللامرئي والذي لن يشفع لي لمجرد أنها أمنية وحلم زاجل يأتـي ويختفي وقتما شاء وأراد. صنعت منها بطلة لكل أحلامي وأمنياتي وذرفت دموعا بركانية جمراتها وحممها

استبرقت كل شيء جميل في داخلي. حلمي الباسل تخرج من أكاديمية البحرية كمساعدة لقبطان لا يرسو إلى بر. وكل الأنفاق والأضواء أعمتني بعد كل اشتياق لها. ظاهرا حسبت نفسي نجمةً ولكن الحقيقة وجدت حلمي بوجود نصفي الآخر يمتطي سفينة الغرق وتلوُّنَ الحرباءْ.

كلُّ شيء شائخٌ ومهترئٌ حتى هده اللحظة يا رفيدة.. قد تسمعك ولكنها لا تقدر على الرد لأنك صنعتها بيدك وجعلتِ لها ملامحَ، ووجهها المتغضن سيصبح أكثر شحوبا على بكائك عليها. وستسري لعلعتها كتيارات متدفقة وتتقوس افئدتها مع تقوس خريف العمر الباكي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى