الخميس ١١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٨
بقلم أحمد فراج العجمي‎

رسالة إلى الحفيد الثالث

يا زماني
هذه الدنيا تدورْ
لا تبالي
كم أبادت من دهورْ
كم أقامت من قبورْ
لا تبالي بالعبادْ
تغرق المحبوبَ
في مُرّ البعادْ
والغريبْ
فوق شوك وبلاءْ
خلف خطو الأنبياءْ
يستجيبْ
حرّر النفس التي تهوى العناءْ
والحروبْ
***
هذه الدنيا تدورْ
لا تبالي كم أبادت من دهورْ
ترشُف الساعاتِ عطشى
تأكل الأزمانَ جوعى
يا زماني هل ستنسى
.. كان لي نبض على هذا الترابْ
كان لي قلب يطوفْ
بالمآذنْ
بالقبابْ
كان لي قلب رهيفْ
همّة تعلو السحابْ
كان لي دمع عميق
عمق فقداني لدَرَّةْ
عندما جادت بروح الطفل ظهرا
حين صار العهر طهرا
واستباحت حرمة الإنسان غدرا
وأذاقت حرقة الشعر العذابْ
***
هذه الدنيا تدور
لا تبالي كم أبادت من دهور
هذه الشمس التي كم شاهدت
من خلف تلك السنواتْ
قوم فرعون الذي استحيى العبادْ
والبلادْ
هذه الشمس التي أخفت زماناً
ليس تسعى في البريةْ
أيّ نفسٍ بشرية ْ
ليس فيه بندقية ْ
ليس فيه القمح يرمى في المحيطْ
وانتزاع الروح من جوع فذا أمر بسيطْ
ليس فيه أيّ حرب نوويّةْ
ليس فيه مسرحيةْ
وطفولات أريقت بفخاخ الهمجيّةْ
ونجوم في وِهاد الضّيق لا تنسى القضيةْ
وذئاب في غياب الأسْد
باعت...ْ
لا تبالي بالقضية
وقضايا في سكون الصمت
نامتْ
وبقايا من ضمير الحرف
ماتتْ
ونسور في سفوح الذلّ
باتتْ
خلف سرب البطّ تزهو في أمان التبعيّةْ
ليس فيه كل هذا يا زماني
ليس فيه عربيّةْ
***
هذه الشمس التي تغفو وتصحو من سنينْ
تسمع الأنَّات تسري في فؤاد العالمينْ
تنظر البسْمات تهوي من ثغور الياسمينْ
كم أراقت من سناها
وأشاعت حسنها
للطّفل يسعى في رُباها
يا زماني بلِّغ الشّمس
التي شقّتْ دروب السائرينْ
كل حبِّي
كل تقديري وشوقي
كل أطياف الحنينْ
فعساها تحفظ البشرى
وتهديها لأبناء السنين القادمينْ
وعساها
سوف يسعى ضوؤها
في وجه أحفادٍ كرامٍ فاتحينْ؟
وترى الأحقاد
تهوي
ظلمة الجبن المفوّهْ
تستكين
وتنمِّي وردةً للعدلِ
تهديها لأطفالٍ يتامى حائرينْ
عندما يأتي زماني
سوف يسري
صوتنا: الله أكبرْ
يمنح الأيام أصداء السنينْ
يلمح الأحلام تصحو في يد الحق المبينْ
زمرة الأيام تسعى في سماء الآمنينْ
وسيقرأْ
في جبين الأرض نحن المسلمين؟
***
يا سماء العز هذي دعوتي
للشمس
للروح الأبيهْ
للسنينْ
للعلا
للحب
للعدل المدمّى
للحنينْ
فابعثيها لحفيدي يا سماء العزِّ في العصر الأمينْ
اسمه عبدٌ
ويمضي
في جيوش الفاتحينْ
لا يبالي بثياب
وطعامِ
لا يلينْ
يعرف الأسحار
يسعى في رياض الصالحينْ
يحفظ القرآنَ
نور العلم فيهِ يستبينْ
***
...: يا حفيدي
جدك المقبور في جوف السنينْ
صار جزءا من لسان الغابرينْ
يحكم التاريخ فيه
صالح أم فاسد
أم بائع أم شاهد؟
لا..
يا حفيدي
لست إلا صامتاً
في زمن الصّمت المهينْ
لست إلا صابراً
أرداه ظلم الظالمينْ
وخياري السّلم
لكن في زماني السّلم تنفيه سيوف القاتلينْ
في زماني يا حفيدي
إخوتي قد أسلموني
حاصروني
صمتهم ينفخ في بوق الأعادي...
ورحاهم لا تدورْ
وبكاء الغيث لا يهنأ إلا في حياض الآثمينْ
في رياض المالكين الآمرينْ
هل تراني يا حفيدي بائعاً
أم شاهداً
أم صامتاً
أم صابراً
... يا ويح أمّ الصامتين الهاربينْ
يا حفيدي
لست أرضى أن تراني أستكينْ
وحكايا العار فينا تحرق التاريخ تغتال الشبابْ
والأماني خلف وهم وسرابْ
ليس ترضى الأسد ما تقضيه في الشاة الذئابْ
ليس يرضى النسر أن يحيا شتيتاً في الشعابْ
يا حفيدي
لا أبالي
كل شيء لذهابْ
سوف أمضي في ظلال النصر أعصي كل شكٍّ وارتيابْ
ليس يبقى غير وجه الله
دعني أنتهي في ذا الترابْ
في ثياب العزِّ
في هَدْي الكتابْ
وليحلّقْ فوق قبري
كلُّ نسر
كل باز وعُقابْ
ليس للحرِّ بقاء في فضاءات الكلابْ
يا حفيدي
سوف أمضي لا أبالي
كل حيٍّ للترابْ
ولقائي بك في يوم الحسابْ
 
انتهت الرسالة
التوقيع: جدك الثالث.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى