الخميس ٦ نيسان (أبريل) ٢٠٠٦
اعترافات "عميد" النقاد السينمائيين العرب
بقلم أمل الجمل

سمير فريد ومغامرة النقد ..

" الفرصة بنت جميلة راكبة عجلة بدّال.. حلمك لو يوم يلمسها .. تديك أكثر ما بتحلم .. الفرصة بتعرف ناسها واللي بتفوته بيندم .. العاقل لو يلحقها يتبدل بيه الحال.." ترددت في أذني تلك الكلمات من أغنية "محمد منير" وأنا أقرأ حوار "سمير فريد" مع "وائل عبد الفتاح" في كتابه "مغامرة النقد " الذي أصدره المهرجان القومي الحادي عشر للسينما المصرية ".

لا شك أن الناقد والمؤرخ السينمائي " أو كما يحلو للبعض أن يسميه "عميد" النقاد السينمائيين العرب " سمير فريد" سعيد الحظ بدرجة كبيرة .. في الثالثة والعشرين من عمره سافر أول مرة إلى مهرجان " كان" السينمائي الدولي عام 1967.. وقتها من يذهب إلى هذا المهرجان كان يحصل على رتبة في النقد السينمائي على مستوى العالم .. في هذا العام شاهد " أنتونيوني " وتحدث معه بعد عرض فيلم " بلو آب ". وربما لهذا السبب كما يقول "فريد ": "لم تعد الأسماء الكبيرة في عالم السينما بالنسبة إليه مثل آلهة اليونان القدماء."

بسبب حضوره المهرجان انهالت عليه دعوات من مهرجانات سينمائية آخرى في عام 1968.. ساعدته الصدفة في نشر مقالاته الأولى وهو تحت التمرين عام 1964 وكان لا يزال طالب .. رأيته سعيد الحظ أيضاً لأنه تتلمذ على أيدي " يونان لبيب رزق", "محمد مندور, سعيد الحظ لأنه وجد من يُعلمه ويُرشده إلى ما يقرأ, فأستاذه " أنور المعداوي "جعله يقرأ أعمال " نجيب محفوظ " وهو في الثانوية, كما منعه من قراءة بعض الكتاب, مثل يوسف السباعي, وإحسان عبد القدوس, وأنيس منصور, ومصطفى محمود , حتى ينضج وتتكون لديه مناعة فيعرف ماذا يأخذ منهم وماذا يترك. كانت تجمعه الجلسات بأساتذته على المقاهي يتحدث معهم في الأدب والفن والثقافة, هناك تعرف على "رجاء النقاش " الذي أقنعه بضرورة أن يهتم بالسياسة قدر اهتمامه بالأدب والفن .. أما موقفه اليساري فجاء من ممارسة التمرد والمعارض خاصة بعد هزيمة 1967.

والتمرد ملمح واضح في شخصية "فريد" منذ صباه. لكنه تمرد مدروس بدقة شديدة.. هو لا يزال يبث التمرد في نفوس السينمائيين الشباب.. يُشجعهم على التحرر من قيود ونصائح أبناء جيله.. تستهويه الشخصيات المتمردة, الشخصيات التي لا تُؤمن بالآلهة البشرية, وتسعى لتحطيمها. في البداية تمرد على عائلته, وبعد تخرجه تمرد على الصحافة الفنية الموجودة شكلا ومضموناً فأصبح ناقداً مختلفاً.. تمرد على منعه من النشر فكتب باسم مستعار" كامل توفيق " الاسم الأول من التلمساني وصالح .. ربما يكون أول من وصف نفسه بالناقد السينمائي.

في بداية عمله بالنقد السينمائي كانت وجهة النظر السائدة بين الكتاب والمفكرين أن السينما تُوضع في مرتبة أدنى من المسرح.. يقول "سمير فريد ": " لم يكن هناك من اهتم بالسينما غير "محمد حسنين هيكل" على نحو ما .. الوحيد الذي رأى السينما كان " طه حسين " الذي لا يُبصر, لكن كانت لديه "البصيرة الأعمق.

كان حلم "فريد" أن يستقل النقد السينمائي, أن يُصبح مثل نقد الأدب أو المسرح. لهذا جمع مقالاته ونشرها في عام 1966 في كتاب "سينما 65 ", دون النظر إلى أهميتها, لكن ليتساوى مع نقاد الأدب والمسرح .. وحينما دعاه لطفي الخولي للنشر في " الطليعة " طلب أن يتساوى أجر مقال النقد السينمائي مع مقال النقد الأدبي.. بعد صدور كتابه الأول أجمع ثلاثة كتاب منهم " أنيس منصور " و" وحيد النقاش " على وجود ناقد يُفكر في السينما ويرى أنها لغة وأن الفيلم له مؤلف صاحب رؤية.

الحوار مليء بالمشاغبات والاعترافات, اعتراف بالأخطاء وإعادة تقييم بعض المواقف. يعترف "فريد "أنه مسئول عن تسييس السينما ويقصد أنه أعطى قيمة لأعمال أكبر من قيمتها, لأنها لاقت هوى سياسي أو لعبت على أفكار من العيار الثقيل. كما يعترف أنه ساهم في ترويج أفكار عن السينما مثل " سينما المثقفين " التي تلعب على فكرة غامضة هي "المتعة الذهنية ". في ترويج مصطلحات احتقرت متعة الحواس واستسلمت لفكرة تبعية السينما إلى مؤسستي السياسة والفكر.. يعترف أنه بالسياسة ظلم مخرجين مثل حسن الإمام وحسين كمال, أنه بالغ في تقدير قيمة صلاح أبو سيف ويوسف شاهين وتوفيق صالح على حساب مخرجين آخرين عظام مثل هنري بركات وكمال الشيخ . لكنه رغم كل اعترافاته يُردد قول " سارتر" :
" أن الكلمة المطبوعة تدمغ صاحبها إلى الأبد. "

عندما أنظر إلى مشواره أقول لنفسي: ربما عمله بالنقد السينمائي كان وليد الصدفة أو ضربة حظ. لكن المؤكد أنه أصبح مشروع حياته الذي استولى علي عقله وقلبه, فألقى بنفسه فيه بإخلاص شديد.. اتبع منهجاً علمياً في التوثيق, وأسلوباً مغايراً في نقد الأفلام.. استغرقه مشروعه النقدي تطلب سنوات من الجهد والصبر والعمل الدءوب ليُحققه, وليصل إلى مكانته التي أصبح عليها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى