الاثنين ١٩ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٢
بقلم إبتسام أبو شرار

سيزيف يمتطي السّحاب

في ذكرى الشّهيد (أبي عمّار)

يا ذا الرّاحل التّموزيّ،
ماذا دهاك؟
أيّ ناب من أنياب الدّيسم بالسّمّ براك؟
أيّ قوس ضالّ خؤون، في ليل أقوس صبًّا، سدمًا، مقروح الجفن رماك؟
ألقم وحش الغاب مهجتك الغضّةَ؛ إذ ألقمته شهدًا من نهار صباك.
وخطوت بإصرار خطوتك الحلالا،
مذ حملت الصّخرة ترفع أنصابه فوقها،
وذرعت جبال الشّقاء بخطو الواثقِ،
لا تثنيك براثن غدّار.
وثنيت هواجسه،
ونكيت دسائسه،
وفضضت مجالسه،
وسكنت الذّرى، واعتليت التّلالا،
تحمل شعلة مجدك.
واحترقت ضياء؛ لتشرق شمس لواك،
وانصهرت سخاء؛ لتسطع شمس لواك،
وامتددت فداء؛ ليزهو وهج الفتح المبين فلسطينيًّا، يتسقّى الدّم من ينبوع نداك.
وانتصبت وثوقًا يا عنقاء الرّمادِ،
وسمّرت الصّخرةَ،
والعالم يرنو إليكَ،
وعشّاق الأرض يرنّمون الوعد الدّاميَ خلف نشيدكْ.
يعِدون بجرحهم النّازفِ،
وبأرواحهم المكلومةِ،
بسواعدهم ينبت منها النّخلُ،
ويتفجّر فيها الطّلعُ،
براحاتهم تنثر في الكون رصاص الدّمعْ.
يهبونك أرواحهم، وتضمّ إليها روحًا، هي روحك الأسطوريّة.
تتقدّمها، وتقدّمها للّهِ،
والوطنِ،
هبة دمويّةْ.
وتشيد بطول عنانك أسمى سماك.
 
ويرنّم عشّاق الأرض لحن البقاءِ:
سيزيف تمهّل... سيزيف تمهّل... سيزيف تمهّل...
سيزيف ترجّل... سيزيف ترجّل... سيزيف ترجّل...
سيزيف تعجّل... سيزيف تعجّل... سيزيف تعجّل...
والصّدى يرتدّ: تقدّم... تقدّم... تقدّم...
وأبيت إلاّ أن تسمو في هواك،
وأبيت وما شئت إلاّ أن تكبر في مناك،
وأبيت وما شئت إلاّ أن تعلو في سماك.
 
وعرجت إلى الذّروة،
والصّخرة تستلّ أنفاسها من صدركْ،
وأنت تسلّ زفيرك من جوف إرادتكْ،
والقمم الشّماء تزغرد، وتبارك وهج خطاك.
والسّفح يناجيكَ، والرّيح تعوي،
وتغقّ صقور الوادي،
والأفاعي تفحّ، وتلفظ أنفاسها المسمومة في كلّ مفعاةٍ،
 
وتسمّر جسمكَ، وامتدّت يمناكَ؛ لتطلق طلقتها الأولى من أحشاء كانونَ في عيد التّكوينِ، وأشجارهُ رقصت جذلا في ساحات عرس الثّورة، عاصفة تعصف عصفًا بسناب عداك.
في يسراك ترنّح غصن الزّيتونِ،
ولفّ العالم أنظاره صوبك،
وفلسطين الولهى صارت باسمك الجبليّ تجوب الكونَ،
وتسعى، وأنت متيّمها نحو مسعاك.
والعالم يشرق من نوركَ،
والشّمس خبا نورها مذ أضاء سناك.
وصبوت إلى العلياء،
وعدوّك للدّركةْ،
ونسجت حروف المجد فلسطين كوفيّة،
ترمق الأفق بعيدًا، وتراه قريبًا، وترى الوطن قطوفه
دانية، وجناه خصيبا.
وتلوّح للقدس فجرًا يضيء محيّاكَ.
وبقيت مخلّصها تدفع عنها المعتدي في كلّ عراك.
 
ورحلت،
وامتطيت السّحابْ،
وظللت تحلّق فوق الذّرى،
والطّير انفضّت أسرابها،
والعصافير صارت تندب،
والأشجار تشقّ عقائلها،
والخيول تباري فرسانها،
والبنادق تقذف أهوالها،
وتئزّ أزيز العاشق،
تطوي مشوار الأملِ؛
إذ رحلت وصيّرت الدّمع بحر ظلام،
وتعالى النّوح، وحلّ في مغناك.
 
يا ذا الرّاحل السّرمديّ،
في الأكوان ضلّت مراكب، واسمك كان منجّيها.
في الأكوان تاهت لنا أرض، واسمك كان هاديها.
ولركب قدته أمسى حاديها.
ولدرب ردته أطفأ نار الهجر، وصارت مواكبه جنّة الخلدِ؛
إذ أعطى الله القوس باريها.
 
في الأكوان علت أسماء، واسمك ظلّ عاليها.
وفلسطين تجوب الأرض خلف ظلالك قاصيها، قبل دانيها؛
إذ كنت الغلاّب، فلسطين تباري خطاكَ.
 
وكنت الكدح، وكنت الصّرح، وكنت الغدو، وكنت الرّوح، وكنت الصّدح، وكنت الدّوح،... ، وكنت...
وكنت...، وكنت... الفتح، وظلّ الموطن يعلو، ويعلو، وكنت له تصبو من سماء علاكَ.
 
وكنت الصّبير، تروّي الأرض، وكانون يسقي غراس الثّورةِ.
كنت الصّبير، وما هزّتك رياح،
والذّرى تتنسّم طلّ الفجر المزهر من ريّاكَ.
 
وكنت الصّبير، تزفّ الأرض لك الشّعب فوق روابيها.
كنت اللّيث، تردّ الضّيم، وتزأر في وجه أعاديها.
 
في يمينك تنتصب البندقيّةْ،
فينبت غصن الزّيتون مع كلّ رصاصةٍ،
فيضيء الفجر سماء نواحيها.
وتحطّ الحمائم صادحة، والدّمع يقرّحْ
مآقيها.
وحبوب سنابل حلّت في بيدر بزّتك الزّيتيّة،
تذروها الرّياح، فتنبت آلافًا، وتبرعم أيّامنا المجدبة العجاف، وتزهرْ
صحاريها.
 
أيّها الصّقر المتعلّق في أجفان الفضاءْ،
انثر الدرّ رصاصًا يحيي العهد في أكناف مرابيها.
أيّها الصّقر المتعلّق في أجفان الفضاءْ،
نم قرير العين، صريع الهوى، والذّكر سيبقى يحييها.
وفلسطين على خطوك تمشي،
ويمتدّ الغضب الآتي،
يمتدّ، ويشتدّ...
يشتدّ، ويمتدّ...
ويشتدّ، ويشتدّ، ويشتدّ...
يمتدّ، ويمتدّ، ويمتدّ...
في وجه باغيها.
وفلسطين ترعى الحلم وترمقه ،
وتربّي الورد، وتحرسه بدموع أمانيها ،
نم قرير العين، صريع الهوى، والذّكر سيبقى يحييها.
-

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى