الثلاثاء ٢٤ آذار (مارس) ٢٠٠٩
بقلم محمود فهمي عامر

شاعرية نجيب محفوظ في رواية (حضرة المحترم)

لعل (أصداء السيرة الذاتية) لنجيب محفوظ تبوح للقارئ المتذوق بإشارات كثيرة إلى أجوائها الشاعرية، وفي (الحرافيش) ما يدعم هذه الحقيقة، ولكن رواية (حضرة المحترم) من صفحتها الأولى تؤكد شاعرية نجيب محفوظ بامتياز، تلك الشاعرية التي قال فيها سيد قطب في مقالة نقدية عن رواية (كفاح طيبة) الصادرة عام 1944 (هي ملحمة وإن لم تكن شعرا ولا أسطورة بما تفضيه في الشعر إلى الملحمة) هذه الإشارة القديمة من جملة ما قاله هذا الناقد المتميز الذي اكتشف عبقرية نجيب محفوظ الرؤاية وأظهرت شاعريته المبكرة دون قصد، لم تجد صدى عند الكتاب أو أهل الأدب والثقافة الذين ما تركوا جهدا في عبقرية هذا الروائي، أو ربما عدوه نوعا من العبث الكتابي أو النقدي أن نقول : إن نجيب محفوظ شاعر بالفطرة في رواياته المنشورة والمتاحة للجميع، وهو على الرغم من دفاعه عن فن الرواية العربية خلال مسيرته الأدبية، ومشروعية وجودها وتفوقها في وقت خفت فيه نجم الشعر، إلا أنه وسمها بـ (شعر الدنيا الجديدة)، وهذه التسمية تكشف عن بوحه الشعري الذي لازم أعماله الروائية، ولم يلتفت إليها جمهور من المتابعين لهذه الظاهرة الشعرية الفريدة في كتاباته الروائية، وهو على ما هو عليه، إن صح التعبير، من عالمية حصد خلالها جائزة نوبل.

ومما يؤكد هذه الشاعرية ذلك الهوى والشغف الفلسفي البراجماتي والشك الديكارتي الذي رافق روايات نجيب محفوظ منذ إطلالتها الأولى، كما أشار سيد قطب، ولا يخفى على أحد اهتمام نجيب محفوظ الأكاديمي للفلسفة، والفلسفة وإن كانت أم الفنون كما صنفها الكثير من المثقفين، إلا أنها باعتقادي رفيقة الشعر خلال مسيرته التاريخية بشواهدها الحية في نصوصنا القديمة والجديدة، وهذه الفلسفة كانت المثير الفطري عند نجيب محفوظ لشاعريته الروائية، واعترافه من جانب آخر بريادة الشعر ووجوده القصري مع الأديب العربي أينما غرف من فنونه الأدبية، ولا

عجب في ذلك، ونحن حسب التصنيفات الرياضية أمة اكثرها شعراء قد غاب عنها الدور النقدي البناء والموضوعي.
إن هذه الإشارات ليست وحدها التي تدل على شاعرية نجيب محفوظ، ولكن الدليل المادي هو أقوى البراهين والحجج على تلك الشاعرية، وهي شاعرية ليست مخفية أو تحتاج لخبير في كشفها، بل هي في رواية (حضرة المحترم) واضحة وضوح الشعر نفسه.

ولا أعود بهذه المقالة النقدية إلى عهد السرقات الأدبية أو مفهوم القرصنة المعاصرة التي تحتاج منا إلى وقفة، ولكنني أقول : إنني أستطيع أن أكتب قصيدة

نثرية طويلة على غرار الأدونيسية الشعرية، أو ربما تسير على تفعيلة نازك الملائكة في بحورها الصافية من رواية « حضرة المحترم » دون الإشارة إلى المصدر، وهذا ما يحدث عند بعض الكتاب المشهورين في عالم الشعر، والطبيعي هنا أن لا يجرؤ مغمور مثلي أو ناقد صديق لهؤلاء في مافيتهم أن يقول لأحدهم : إن نصك الشعري هو نص هذا الكاتب الروائي أو ذاك، ولست هنا مع توارد الخواطر التي تحملت الكثير جراء الاعتداء عليها.

ولضمان الجودة النقدية فلا بد من تقديم الأمثلة المحفوظية على شاعريته المستغلة استغلالا مجحفا صادر هويتها من قبل بعضهم ؛ حتى أنكر وجودها، أو تجاهل من حاول الخوض فيها ؛ لأنه بذلك ربما سينكر وجوده الفني على الساحة الأدبية، أو يفقد عضويته في ناديها.

وهذه نماذج من شاعرية نجيب محفوظ في روايته (حضرة المحترم) مرتبة حسب عدد الصفحات كما نشرتها « دار الشرق » في طبعتها الثانية 2007 م، وآثرت أن تكون بشكلها الشعري التالي ؛ لتبدو أكثر وضوحا على ما سعت له هذه الدراسة النقدية في إثبات شاعرية نجيب محفوظ :

(1) يقول نجيب محفوظ بشاعرية وموسيقا عالية مبتدئا من السطر الأول في الرواية ص5 :

تراءت دنيا من المعاني والمثيرات
لا مكانا محدودا منطويا في شتى التفاصيل
آمن بأنها تلتهم القادمين وتذيبهم
اشتعل وجدانه وغرق في انبهار سحري
فقد أول ما فقد تركيزه
نسي ما تاقت النفس لرؤيته
الأرض
والجدران
والأسقف
دعاه نداء القوة للسجود
ولكنه سلك مع الآخرين سلوك التقوى والابتهال

(2) ومن الصفحة الأولى ذات القطع الصغير في حجمه يتابع الشاعر نجيب محفوظ بموسيقا متناغمة مع أجوائه النفسية ص5،6:

مر ضوء عينيه على الوجوه
فجال بخاطره أنه دخل تاريخ الحكومة
وأنه يحظى بالمثول في الحضرة
وخيل له أنه يسمع همهمة
لعله يسمعها وحده
ولعله صوت القدر نفسه
ولما استوفت الفراسة امتحانها الوئيد
تكلم صاحب السعادة

هذان نموذجان من الصفحة الأولى وبداية السطر الأول من الصفحة الثانية يظهران بوضوح هذه الشاعرية الكامنة والمتوقدة في نجيب محفوظ، التي قد تتحول معها هذه الرواية إلى قصيدة تفوق التوقعات أو ربما دخلت إلى فتح جديد في اكتشافها.

ولتأكيد ما ورد جليا نتابع بعض النماذج الشعرية الواردة في هذه الرواية، وأترك البقية لمتذوقي الشعر، ومحبي نجيب محفوظ، والغيورين على أدبنا العربي من تلك الأيدي التي تغرف منه دون الإشارة إليه :

(3) وهذا نموذج تواردت فيه الخواطر ص7:

إني أشتعل يا ربي
النار ترعى روحه من جذورها حتى هامتها المحلقة في الأحلام
وقد تراءت له الدنيا من خلال نظرة ملهمة واحدة
كمجموعة من نور باهر
فاحتواها بقلبه وشد عليه بجنون
كان دائما
يحلم
ويرغب
ويريد
ولكنه في هذه المرة اشتعل
وعلى ضوء النار المقدسة لمح معنى الحياة

(4) ويتابع قصيدته ص 10 بقوله :

إنه يشتعل
يخيل إليه أن النار المتقدة في صدره
هي التي تضيء النجوم في أفلاكها
نحن أسرار
لا يطلع على خباياها إلا خالقها

بهذه الفلسفة الوجودية، التي أكدت عليها في مطلع مقالتي المرافقة للشعر، هي التي أملت على نجيب كتابة الشعر في روايته المذكورة دون قصد، وهي التي يسير خلالها في نماذجه التالية :

(5) وفي سيرة حضرة المحترم عثمان بطل روايته يقول ص 10، 11 :

من نافذته الصغيرة يرى وطنه
حارة الحسيني
كأنها امتداد لروحه وجسده
حارة طويلة
ذات منحنى حاد
لا تعرف الهمس أو النجوى
متوترة بين الحكمة والبدائية
ويقول متابعا ص 11 :
ألا يحق له أن يحلم ؟
إنه يحلم بفضل الشعلة المقدسة التي تتقد في صدره...
وألف أحلامه كما يألف
الفراش، والكنبة، والسحارة، والحصيرة
وكما ألف الأصوات الحادة والمنغومة
التي تند عن حنجرته
فتردد أصداءها الجدران الراسخة القاتمة

بهذه الأنفاس الشعرية الملتزمة بالقافية أو بالسجعة المتناغمة غير الملزمة لشعراء التفعيلة، وبزخرفتها اللفظية يتابع نجيب محفوظ ص14:

(6) هناك عند مشارف الصحراء يقوم السبيل لاأثري المهجور

على أدنى سلمة
يجلسان جنبا إلى جنب في احضان الأصيل اللامتناهية
تترامى الصحراء أمامهما حتى سفح الجبل
ويغني الصمت بلغته المجهولة

إن حديث الذات أو الصراع الداخلي هو عامل آخر ساهم في شاعرية نجيب محفوظ في رواية حضرة المحترم، هذه الذات التي أحبت الشعر بفطرتها الإلهية، ولكنها لم تترجمه في قصيدة أو ديوان شعر، وتركت لنا أن التأمل في عبقريتها.

(7) ويتابع نجيب محفوظ سيرة بطله ص17، 18 :

وقف على قبر والديه الضائع بين قبور لا حصر لها
وقرأ الفاتحة
ثم قال :
يرحمكما الله رحمة واسعة
ويتابع ص 19 :
عرف التاريخ من أقدم العصور حتى قبيل الحرب العظمى
عرف الثورات
ولكنه لم يعشها
ولم يستجب
وقد رأى وسمع ولكنه انعزل وتعجب
لم يحظ بعاطفة واحدة تشده إلى الميدان
ما أعجب اقتتال رجال الدولة الكبار واتباعهم !
انحصر في الحارة بهمومها المجهولة من الجميع
الوحشية القاسية المتلاحقة
واليوم يعرف لنفسه هدفا دنيويا وإلهيا في آن
لا علاقة له في تصوره بالأحداث العجيبة
التي تجري باسم السياسة
قال :
إن حياة الإنسان الحقيقية
هي حياته الخاصة التي ينبض بها قلبه في كل لحظة
التي تستأديه الجهد والإخلاص والإبداع
إنها مقدسة ودينية
بها تتحقق ذاته في خدمة الجهاز المقدس المسمى
بالحكومة أو الدولة
بها يتحقق جلال الإنسان على الأرض
فتتحقق به كلمة الله العليا

بهذا النموذج الأخير ومن هذا المقاطع الستة كما صنفها نجيب محفوظ، أضع بين يدي القارئ خلاصة دراستي النقدية في رواية نجيب محفوظ الشعرية، التي أرجو أن تكون فاتحة لدراسة لا تنكر فضل من كتب فيها حرفا، وقديما قال شوقي ضيف رحمه الله لطلبته في الدراسات العليا : من دراسة واحدة أو مقالة أو تركيب تناثر في الكتب نؤلف الكثير من الدراسات الجامعية.


مشاركة منتدى

  • نجيب محفوظ ورواية (الطريق)

    هي (طريق) البحث عن السعادة و الطمأنينة....

    يسلكها (صابر) مبتدئا بالاسكندرية التي لم تسعفه طرقها في العثور على مبتغاة فيقرر البحث في القاهرة. وهناك يدأب بحثا واستقصاء بلا طائل فتقترب نقوده القليلة من النفاذ وهو يقيم في فندق شعبي يتعرف فيه على "كريمة " التي تشكل امتدادا لأمه (بسيمة) التي دفنها المشيعون بعد خروجها من السجن فتقرر البوح له بسرّ أبيه فيفاجأ بأنه حيّ وأنه – كما أخبرته – من الأعيان الذي سيوفر له استمرار حياة اللهو وعدم الإنتاج والتبطل..
    تسوقه الظروف بينما هو ينشر إعلانا بحثا عن أبيه (سيد سيد الرحيمي) للتعرف على (إلهام) الفتاة العصامية الواعية التي تفهم الحياة بتعقديداتها وتعمل على بناء مستقبل منشود لها فيتحابان بعدما يخبرها كاذبا بقصة اختلقها يبرر فيها وجوده و حبه .
    أما (كريمة) زوجة صاحب الفندق ومالكه فإنها تفاجئه في غرفته ذات ليلة وهي تقنعه بأنه تحبه لكنها تخطط للتخلص من زوجها الهرم الذي (اشتراها) بماله ولم يوفر لها احتياجاتها الإنسانية، ليكون الزوج العجوز (خليل أبو النجا) ضحية قتل بشع بتآمر منها وتنفيذ من (صابر) الباحث عن المال والراحة والحب بمفهومه الخاص.
    الظروف المحيطة تعمل ضدهما كما كانا أساسا ضحية لظروف نشأتهما وبيئتهما ومجتمعهما، فيقع (صابر) في يد الشرطة التي تنصب له شباكها وتراقبه ليجد نفسه في السجن وكأنه في رحم.
    السجن هنا ذو دلالة كما الرحم الذي يسجن الإنسان قبل أن يخرج إلى الحياة، وكأن الكاتب يقارن بين حالي السجن والرحم اللذين لا يد للإنسان فيهما، فالرحم يحوي الإنسان بلا رغبة ولا اختيار، بينما السجن يحتويه باختياره الخائب بعيدا عن الصبر والصواب.
    خرج (صابر) من الإسكندرية باحثا عن سعادة وسلام وطمأنينة وظل ينتظر أن تأتيه حتى وهو على أعتاب حبل المشنقة، ولم يأته أحد ينقذه ولن يأتيه.
    يقول في حواره الأخير مع المحامي العجوز: "يبدو أنه لا جدوى من الاعتماد على الغير" فيجيبه المحامي: " بل هناك جدوى فيما هو معقول" فيهزّ منكبيه قائلا: "فليكن ما يكون".
    يستسلم (صابر) أخيرا لقدره بلا اكتراث بعدما ضل الطريق بحثا عن أمل وخلاص معتمدا على خرافة (سيد سيد الرحيمي).
    هل كان (صابر) ضحية الأم؟ أم الأب المتخلّي غير معروف مكان الإقامة؟
    (بسيمة) الأم المنحرفة الساخطة التي امتهنت الرقص والدعارة والغيرة فقتلت وسجنت ثم ماتت لتضع ابنها (صابر) أمام تحديات العمل في البلطجة أو العثور على والده في القاهرة، ربما... وهي التي أحاطته برعايتها وعاطفتها فدلّلته إلى الحد الذي لم يعد معه يجيد أي عمل سوى البلطجة والقتل!
    في القاهرة يجد الحب والمرأة بوجهيها؛ وجه أمه المتواصل ب (كريمة) ووجه العاطفة والعقل في (إلهام). وهو يميل إلى (إلهام) لصفاتها العاقلة علاوة على جمالها وطيبتها ، ولما وجد فيها لاحقا تشابها مع حاله، فهي بلا أب يعترف بها وتعيش في كنفه.
    كلاهما بلا أب (إلهام وصابر). فهل (الأب) رمز هنا؟ لكن أباها لا يحمل اسما دالّا كما هو حال أبي صابر(سيّد سيّد الرحيمي).
    وهل المرأة العاهرة رمز؟ وكذا كل شخصية من شخصيات الرواية المثقلة بالرموز والشخصيات والأحداث والمونولوج والفلاش باك....هل أراد الكاتب أن يقول: إن المجتمع هو الذي يدفع أمثال هؤلاء النسوة إلى بيع أجسادهن فهو الملام بالتالي؟
    (الطريق) في رواية الطريق له أكثر من معنى ودلالة، ومثلها المرأة، والرجل، والمجتمع، والدجل...
    الرؤية الفلسفية الوجودية المتسائلة بحيرة بحثا عن خلاص الإنسان ومصيره وحياته هي ما تتجلى في هذه الرواية الفلسفية ذات الأبعاد الرمزية .
    الكاتب هنا يركّز على اللغة وينوّع في الأساليب ويشوّق قارئه وهو يمسك بيده وفكره وعاطفته وكأنه يقول له: هيا بنا نبحث عن مصيرنا البشري! أو السياسي! أو الديني- الاعتقادي!... أو هذه المصائر جميعها معا.
    امتاز أدب نجيب محفوظ بالعمق في المضمون وفي تناول قضايا فلسفية باحثة عن حقيقة الوجود، وحقيقة التغيرات الاجتماعية والسياسية.
    هل وجد (صابر) أباه ذا الاسم الدالّ (سيد سيد الرحيمي)؟
    الكاتب لم ينف وجود (الأب) المقصود بالبحث، لكنه انتقد أسلوب البحث عنه، وإن أشار إلى شيء من صفاته الرحيمة في بعض شخصياته.
    من هنا اكتسب أدب الكاتب بقاءه لأنه يناقش قضايا كبيرة بأساليب فنية متباينة.
    (صابر) في (طريق) نجيب محفوظ لم يصبر
    تبرز شخصية (صابر) بروزا لافتا في رواية الطريق. إنه الشخصية المركزية التي تدور الأحداث حولها ومعها وبها؛ إنه (الإنسان) في رمزه الكلي؛ في حياته التي جاء إليها دون إرادة منه ليستقبل واقعه بلا إرادة ولا اختيار. ثم يكون عليه أن يختار لكن الفرصة المواتية قد تضيع غالبا نتيجة تسرّع الاختيار والسعي للوصول إلى النهايات.
    إنسان حائر فيه من الشر الكثير، ومن عنصر الخير القليل المرشح لينمو ويكثر لكن الواقع يحاصره فيتغلب الشر أخيرا.
    (صابر) يتعجل النهايات ولا يهمه المصير المحتوم حين يسلك طريق الشر والانحراف والقتل والعبث. يحمل في داخله ومزاجه النفسي والثقافي العام ظروفه الأسرية والبيئية التي كوّنت شخصيته وفهمه العام ورؤيته للحياة والناس.
    و(الأب) الغامض الغائب (سيد سيد الرحيمي) رمز الخلاص الوهمي هو خرافة؛ ليس واقعا. لن يحضر ليخلّص هذا الضائع الحائر الباحث عن خلاص خارجي لمأساته ومشكلاته. و(صابر) لم يصبر. تعجّل الوصول إلى (خلاصه) بيد عبثه وقتله فاختار القتل طريقا للحب والثروة لتنفتح أمامه طريق أخرى لم يحسب لها حسابا من عدم الراحة المنشودة التي صوّرها له خياله المريض بصحبة (كريمة) التي كانت بدورها ضحية لواقعها.
    شخصيات رواية الطريق محكومة بمصائرها التي قادتها إليها ظروف البيئة والمجتمع بقوانينه الظالمة التي تبعد طريق السلام والمحبة والطمأنينة... طريق القلق والحيرة والأسئلة بلا إجابات هي طريق هذه الشخصيات، لذا كان القتل والسجن والاتهام والموت نهاية منطقية لها.
    ويظل (سيد سيد الرحيمي) بعيدا يراقب هذا العالم الحائر مكتفيا بممارسة هوايته في الحب، تاركا (أبناءه) يبحثون عن مصائرهم بطرقهم الخاصة.
    الشخصيات في رواية الطريق تحمل دلالات رمزية في المجتمع وإن تعدد تحليل هذه الرموز، وهذا عنصر نجاح للكاتب الذي فهم الكتابة الروائية على أنها إنارة لوعي القارئ وحث على التفكير والتغيير إضافة إلى المتعة الفنية المتحصلة من سير الحدث والتشويق والوصف. من هنا يمكن الوقوف على رمز الشحاذ ذي الصوت الشجي وهو يواصل ترديد لازمته (محمد يا حبيبي....). رجل كفيف النظر دميم الخلقة يلحّ بلا يأس طالبا الخلاص والدعم، ويحضر شخصه أو صوته حضورا ذا دلالة في وعي الكاتب. لم يكن شخصية عابرة بل هويكمل رؤية الكاتب لفهم طريق الخلاص.
    (الطريق) في هذه الرواية كانت (طرقا) متعددة... وجميعها لم توصل إلى غاياتها المريحة. الطريق (طريق الحياة) تحمل يأسها وأسئلتها في انتظار سلام وطمأنينة ما زالتا غائبتين....

    صدرت الرواية عام 1964م

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى