الأحد ٢٨ نيسان (أبريل) ٢٠٢٤

شتلات في رحم الكون

محمد إبراهيم السيد عكاشة

1- زهرة القطن

في المهد كان القطن
في البدء كانت الديدان
كان القطن نطفة قذفها رب سماوي عندما استلقت الأرض على سرير السماوات
كان رحم الأرض ساعتها يتضور من الإشتياق
السماء ملبدة بمني الكائنات
يتدافعون بفعل زئير الشياطين
في همة جيوش تبغي القتال
حين كانت الأرض تفتح مسامها
ألقى الله الإنسان من فوق
وألقى الدود على مشارف القرى
وأطلق النحل في الحقول
كان الفلاحون يغزون الحصى بأوتادهم
كأن الأرض أنثى للنهار
كأن الأوتاد المعقوفة ذكورا للقاح
كأن الدود كرات دم ملتهبة في جسد التراب
في وقت مروق السحب
تبتهج النساء وتتراقص الديدان حول السيقان
وتنخل الأرض ترابها
حتى يعتلي الفلاحون خطوط الطين
في حفل مضاجعة جماعية تشهده حشرات الشمس
تقول
الملائكة وهي توزع الأدوار
إذا توهج الصيف تحبل الأرض وتتمدد الأوراق ويهاجر النحل
أما
الديدان يدونون مرور الشمس
في ظلها الأخضر
وتشرئب أعناقها في انتظار الأجساد
وتتشرنق اليرقات ويتزاوج البالغون المدى
ربما تتشابك السيقان والأوراق
حول أجسام الأرامل
حول كساء اليرقات
ربما يدرك الشتاء خرائط الشجر
وينام الصيف على ضوء زهرة القطن
عند هبوب النحل نحو الأشجار
عند لقاح الزهور لتتكور الألياف
عند طقطقة اللوزات في إيقاع كوني مفعم بالأغنيات
صفوف المقاومة تنحني وتقوم في تحد وقوة
عند ناصية النيتروجين تهرع الحشرات
بالقرب من البوتاسيوم تتفتت الشعيرات الساقطة
بتطويحة ذراع يتناثر النترات على الرؤس
الديدان تعيد ترتيب جيوشها
الملائكة تضئ الأشجار بالنوار
تنيرالأوراق بالزغب الأبيض
الشياطين تراوغ
ألياف النسيج
قبل أن يهل السليلوز بجوار القمر
قبل أن يضئ الليل أخضر الحقول
وتحبل أشجار القطن بحرير السماوات
هناك على مقربة من قرص الشمس
يشرق الأبيض فوق أشجاره
يقف الناس ليتدثروا بالزغب
ويتدلى النسيج ليعيد خلق الكائنات

زهرة الكرنب 2

من وهج الأخضر الناصع
يتبدد الألم في جوف الأرض
وتظلل أوراق الكرنب الهزائم السابقة
في أرض كان يحرثها الفلاحون بأصابعهم المدببة كأصابع الديناميت
وكانت الخطوط المدججة بامتدادها الموغل في الضباب
تحمل على ظهرها تلك الخضرة المتراصة بعناية القدر
وكأن أبي الذي شق الأرض بصرخته وقت الحرب
كان يدرك أن للكرنب زهرة تسكن في أحشاء السماء
وأن الضوء الذي بث الأخضر في طمي الجسد
رسم شعيرات الرئتين كشبكة هلامية على رقائق أكسيد الكربون
حتى تحط الفراشات البيضاء من حوله ترتقب النور
ويرفرف الحمام مبتهجا
وأبي يشير بعصاه ناحية الشمس
فترقد ورقة فوق أخرى
ويلوح بعصاه ناحية الغرب
فتنام ورقة أخرى مقابلها
لتتكور الحياة بإيقاع موسيقي راقص
لتخبئ في أحشائها سر الكون
وتنتفخ بطون عذراوات القرى بأجنة كرنبية خضراء
أبي الذى غرس الشتلات على صدر كل واحد منا قبل التحرر
يعلم أن الكرنب كوكب له مدار
يتوهج كمصباح زيتوني وسط حقل معتق بالخضار
تلك العمارة اللونية تحج إليها أسراب الحشرات من كل فج
ليشاهدوا كيف يتفتح الأخضر كوهج الشمس
كيف تتراص العروق من القلب للصدر
كيف تتمدد الرأس بتلفيحتها الزرقاء كلما ابتسمت الأرض
تلك الهندسة الكونية زرعها أبي ورهط من الملائكة
يجلسون أمامها كي يروا الروح وهي تسري بداخله
وهي تلون الجسد بالأخضر الداكن
وهي تزاوج بين ورقتين عاشقتين
وهي تلون أجسادنا بالأخضر الزهري
وتبث بداخل كل منا حمض الكرنب
وتلقح الفتيات في الحقول بمني الضوء
حتى يتمايل المداحون
في حضرته
ويبتهل الجنود لهذا الخضار المتوهج في الفضاء
و داخل كل نفس
وفي كل صباح يشرق عليه كوكب الكرنب

محمد إبراهيم السيد عكاشة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى