الاثنين ١٩ نيسان (أبريل) ١٩٩٩
بقلم كوكب دياب

شمسٌ وإن غابتْ

.
لــم أمـلـكْ سـيـفًا يـحميني
فـسـلاحُ الـحـقّ سـيَـكفيني

أخــتــاه أراك بــــلا ســبــبٍ
وأنـــــا أهـــــواكِ تُـعـاديـنـي

لــلّـهِ قَــرُبْـتُ وقــد أضـحـى
فـــي الله بــعـادُكِ يـؤذيـنـي

وَرفـعتِ سلاحَكِ في وجهي
وجَـهَـزتِ عـلـى مـا يُـدْنيني

فـرحلْتُ وجـرْحيَ فـي قلبي
وحَـيـاتـيَ فــي يَــدِ مـلـعون

وَرَمَـيتِ بـقلبيَ داخـلَ فَـكَّيْ
تــــمـــســـاح أو تِـــنّـــيـــنِ

فــدعـوتُ عـلـيكِ بــلا قـلـبٍ
لِــيُـجـيـبَ الــكــونُ بــآمـيـنِ

مـــا كـنـتُ بـإنـسانٍ مُـلـغًى
أو سِــقْـطٍ مِــنْـكِ فَـتَـرْميني

أخـلـقتِ بِـسِـمْط مِــن نُـور؟
وخـلقتُ وَغـيريَ مِـن طِـين؟

مَـــن غــربـلَ نـاسًـا يـنـخلهُ
نـــاسٌ كـالـحَـبِّ الـمـطـحون

مـا كـنتُ كـمثلِكِ في شيءٍ
فــلَــحَــقٌّ أن تـسـتـثـنـيني

فــأنـا لـــم أُغْـلـقْ مـدرسـة
كــي أفـتحَها بـاسمِ الـدين!

وأتـــاجــرَ بــالـنّـاسِ الــبُــرآءِ
وبـالـسـاهـي والـمـسـكـينِ

ربّــــانُ سـفـيـنِـك خـارجَـهـا
قــــد أغــرقَـهـا بـالإسـفـيـنِ

وَبَـنَـيْـتِ لـــهُ مـنـهـا سـجْـنًا
يـا ويـلَ الـباغي الـمسجون!

وأراك وأنـــتِ عــلـى جُـــرُفٍ
لــنـجـاة الــرّكْــب تـنـاديـني

فــنـزلـتُ بــبَـحْـرِكِ مُــنْـقِـذَةً
وإذا بــي أسْـبَـحُ مــن نــون

فـضَـربْـتِ بـقـلـبيَ إسْـفـيـنًا
ومــيـاه الـمـوجـةِ تَـطـويـني

آذيــتُ الـنـفسَ بـقـرْبِكِ لـي
مـــــا كــــان اللهُ لـيـؤذيـنـي

فـكـفـانـي أعــــداءٌ عــمْــيٌ
حـمقى مـن نسلِ شياطين

فـي نور الشمس هُمُو ضلّوا
ولـــو اسـطـاعـوا ﻷضـلّـونـي

أظـنـنتِ وأنــت عـلـى وهْـم
بـالـمـال أبــاع وتَـشـريني؟!

مـا كُنتُ أَعيْ أنْ ليس لديكِ
ســوى ديـنـارِكِ مِــن ديــن!

قـــد يـفـعـلُ ديــنُـكِ أفــعـالاً
ويــظــنُّ الــتُّــرْبَ يُــواريـنـي

أذكَـــــــــرْتِ اللهَ كــــجــــزّار
تــعْــتـزُّ يــــداه بـسـكّـيـن؟ّ!

وذبـحتِ فـؤاديَ فـي صـدري
وبـسـلخٍ جـئـتِ تَـعـودِيني؟!

لـــن يـؤلـمَـني سَـلْـخ أبــدًا
فــالـذبـح يــكــاد يُـنـسّـيني

هـا أنـتِ جَـثوتِ عـلى قلبي
وقـطـعـتِ جــذورَ شـرايـيني

ووضـعـتِ دمـائـيَ فــي نــارٍ
ورمــيـتِ بـهـا فــوق الـطـين

حـتى عـادت صـخرًا أقـسى
مـن قـلبِ الـطاغي الـملعون

فـالـويـلُ لــمـنْ يَــدُه خَــزَفٌ
وأصــــرّ بــهــا أن يُـدْمـيـنـي

كــم كـنتُ أخـافُ بـذا مـوتي
فــغـدا مَــوتـي يـسـتهويني

باللهِ عــلـيـكِ مــتـى كــانـت
أوراقُ حــيــاتــيَ تَـعـنـيـنـي

لــم يَـبْـقَ مـن الـعمر الآتـي
مــقــدار حــيــاةِ الـمـطـعونِ

لــلّـهِ جــنـودٌ مِـــن عَــسـلٍ
فـاسقيني الـسّمَّ تُـريحيني

مـــا عـــادَ دواؤكِ مـعـتَـمَدي
فـعـسـى بـالـسمِّ تُـداويـني

ولَــمَـوتٌ فـــي عِـــزٍّ أحـلـى
مـن شَـهْدِ العَيشِ مع الهُونِ

لا يــجـمـعُ غِــمْـدٌ سـيْـفَـيْنا
فـدعـيـنـي أُلْـــقِ مَـوازيـنـي

فـالـسـيـل عَــــلا لِـروابـيـنـا
والــصـبـحُ كــلـيـل مــجـنـون

فــأعـدّي سَــيـلاً مِـــنْ نـــارٍ
إن رُمْـــتِ جـهـنَّـمَ تُـصـليني

سَـتـريـنَ سـيـولَـكِ ألْـسِـنةً
تـتـلو لــيَ سـورةَ "يـاسين"

قـــدْ كــنـتِ عَــلـيَّ مُـمَـكَّنَةً
لـــــوْ مَـــــنَّ اللهُ بـتـمـكـيـنِ

لــكـنّ خـداعَـكِ قــدْ أعـمـاكِ
وكـمْ تَـسْـعَـيْنَ لِـتُـعْـميني!

أخْـرَجْـتِ يـدًا لـكِ مـن جـيب
بــيـضـاءَ الــلــونِ لـتُـغْـويـني

فـخـدعْتِ الـنـاسَ بـهـا طــرًّا
وخـداعـي كــان إلــى حـين

مـــا إن أَلـفـيتُكِ فــي بِـيـضٍ
حـتـى أَلـفـيتُكِ فــي الـجُونِ

فــالــحُـلّـةُ حُـــلّــةُ حِـــربــاءٍ
كـــم أكْـــرهُ فـــنّ الـتـلـوين!

ولـسـانُـك دومًـــا مـعـسـولٌ
والــقـلـبُ يُــعِــدُّ لِـتُـرديـنـي

كـلـمـاتٌ عِـنْـدَكِ تَـسْـحَرُني
ومَــواعِــدُ عــرقــوبٍ دونـــي

مــطـرٌ لـــو كـــان لــهُ بَــرْقٌ
لـــكــنَّ الــغــيـثَ بــكــانـون

لـــو كـــانَ لَــدى بُــومٍ خـيـرٌ
مــا غــاضَ الـبَحرُ لـمِسكينِ

قـدْ مـاتَ ضـميرُكِ فـي تـمّوزَ
فـــلــن تُـحـيـيـهِ بـتـشـريـن

مـا كـنتُ سَـأرْجُو مِـن أفعى
نَـفَثَتْ فـي جُـحْرٍ مسكونِ؟!

لا يُـسْـقَـى الْـمُـؤْمِـنُ ثـانِـيَةً
ســمًّـا مــن نــابٍ مـسـنونِ
***
ونَـظـرْتُ ﻷمْــركِ فــي الـدّنيا
فـعَـجبْتُ ﻷمْــركِ فـي الـدّين

لـــم أحــسَـبْ أنّــكِ داعـيـةٌ
لــطــواغـيـتٍ وشــيــاطـيـنِ

تُـعـطـيـنَ دروسًـــا خـاطـئـة
لــضـحـايـا ثَــــمَّ مـسـاكـيـن

فـظـننْتِ الـنّـورَ يـكادُ يَـسيلُ
سَــنًــا مـــن حَــبَّـةِ زيــتـون

وخـلـطتِ وأنــتِ عـلى عـلْمٍ
مـــا بــيـنَ الـتُّـوتـةِ والـتِّـيـنِ

وجـهـلتِ لـسـانًا مــن عـرب
ولــحــنْـتِ بــكــافٍ أو نُــــونِ

عَــيْــنـاءُ ولـــكــنْ عــامِــهَـةٌ
أوَلـستِ مـنَ الـحُور الـعِينِ؟!

عَـمِيَتْ عـيناكِ عـن الـمعنَى
فَـضَـلـلْتِ وَرُمْـــتِ تُـضـلّيني

فَــخُـذي عـيـنيَّ، ولا بــأسٌ،
مـشـكـاةُ الــحـقِّ تُـضَـوّيـني

فـعَـسـى مــا أكـرَهُـهُ خـيـر
وعـسـى ضـالٌّ أن يَـهْديْني!

لــو جـئتِ إلـى دَرْبـي عَـمْيَا
لَــرَجَــعْـتِ بـــنــور مــكـنـونِ

أخــتـاه ارتـاحـي مِــن عـلْـمٍ
أو فـابغي عـلمًا فـي الـصّين

تَـدْعِـيـنَ ولــسـتِ بـفـاهمَةٍ
لِـتَميزي الـجِيمَ مِـنَ الـسينِ

لا دعــــوة إلا فــــي عــمـل
لا فـــــي قــــولٍ أو تـلـقـيـن

وعــلـيـكِ بــجـنّـةِ فِــــرْدَوس
فـجـهـنّمُ ضــمْـنَ الـمـضمونِ

فــإلامَ، بَـعـوضُكِ يُـزْعِـجني،
وبــصـوتِ الـغَـدْرِ تُـثـيريني؟!

ذكَّـرْتِ فؤاديْ الطعنَ ولسْتُ
بِـــذاكِــرةٍ مَـــــن يُــؤذيـنـي

أشـربْتِ فـمي ما لمْ يَشربْ
وأنــا عـطْـشَى لــمْ تَـرويني

ونَـسَـجْتِ كـلامَـكِ، إن كـذبًا
أو صـدقًا، كـيفَ سَـتُنسِيني

وبَــسَــطْـتِ يَــدَيــكِ بــأمْــرٍ
أبـيـضُـهُ كـلـيـالي الـمـحزون

فـــيَــدٌ رُطَـــــبٌ ويَــــدٌ ودَّتْ
لــو تـطـعِمُني مـن غِـسْلينِ

فـرَضِيتُ يَـدَيكِ عـلى مَـضَض
وأســــرُّ إذا مــــا تُـصْـلـيـني

خَـلّـصْتُكِ مِــنْ قَـيْـد الـعـاني
فـلـمـاذا قَــيْـدَكِ تُـهـديني؟!

لَـسِـوارُك قـيـدٌ فــي زنــدي
فـخُـذيـهِ وزنـــديَ أعـطـيني

للّـــــهِ فـقـطْ أعـتـقتُ يــدي
مَـن يشفي الداءَ ويَشفيني

سـامحتُكِ أكـثرَ مِـن نفسي
فــضـربـتِ الـعـفـوَ بـسـكّـين

وَسـعـيـتِ لإهـدائـي سـيـفًا
قــد زادَ الـبـلّةَ فــي الـطـينِ

وجُـــزيــتُ جَــــزاءَ سِــنِـمّـارٍ
وبـــــلا شـــــرع أو قـــانــون

وسَـمَـوتُ لأنـهلَ مـن نَـبْعي
فــأصَـبـتِ الــنـبـعَ بـطـاعـونِ

وقـضَـيـتِ الـعـمـرَ مُـجـاهـدةً
تُـحـيـيـني ثــــمَّ تُـمـيـتـيني

أظـنَـنْـتِ بــأنّـكِ لـــيْ بــحـرٌ
عـنْ عَـذْبِ مياهِيَ تَثْنيني؟!

فـأنـا لــمْ أشــربْ مِــن بـحْرٍ
فـالـمـلحُ بـقـلـبيَ يـكـويـني

أو أنــهــلْ مــــاءً مـــن بِــئْـر
أرْمــيـهِ حَــصـىً كـالـمـأفونِ

أو أرجُ دواءً مـــســـمـــومًـــا
أو مــــاءَ الـــذُّلِّ لـتَـسـقيني

أو أبـــغِ شـعـاعـاً مـــن نـــارٍ
بـل أحرفُ شمسيَ تكفيني

لـــنْ أطــلـبَ مــالاً يـقـتلُني
أو أقـــصــدَ بــيـتـاً يــأويـنـي

أو أســـألَ جــاهـاً يـرفـعُـني
فـطـريقُ الـعِـزّةِ مِــنْ ديـنـي

أو أَنــشُــدَ قــوْمَـكِ رضــوانًـا
فــرضـاءُ الـمـولـى يُـرضـيني

فـكـفـاكِ وقــومَـكِ إذْ غــدَروا
بِـرِفـاقـيَ حــيـن يـعُـودونـي

وأضــعــتِ مـحـبَّـتَـهمْ عـبـثًـا
مـــا بـيـن الـقـسوة والـلـين

ونـجـحتِ بـقَـتْلِكِ مـعـظمَهمْ
إن لــــمْ يــأتــوا لِـيُـعـادونـيْ

فـغـصصتُ بـمـاءٍ عــذب، لــو
بـسواهُ غـصصتُ فـتسقيني

لـــن أقـطَـعَ وُصْـلـةَ إنـسـانٍ
لــو فُــزْتِ بِـقـطْعِ شـرايـيني

لــلـبـاطـل جَــولــتُـهُ لــكــنْ
سـيـعـودُ الـحـقُّ فـيَـحميني

لــن تَـسمِي فـوق سـمائي
إنّــكِ فــوق نـجومِكِ تَـرْنِيني

حـتّى لـو كـان الـليلُ سـتارًا
غَـــطّـــاهـــا ويُــغــطّــيـنـي

فالشمسُ وإن غابتْ شمسٌ
والــحـقُّ وإن أفْــنَـى ديـنـي


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى