الاثنين ٢٠ آذار (مارس) ٢٠٠٦
بقلم عائشة الخواجا الرازم

عصافير الوداع

لا أدري ... ؟ هل هي عصافير الوداع أم نحن عصافير الوداع ؟ ولا أدري إن كانت تلك العصافير الجميلة البريئة المغردة، التي يسمو صوتها وحنينها وجمالها عن جعجعة البشر في الأرض، تعرف ما الذي يحاك ضدها على يد هؤلاء البشر الذين يستنزفون زينتها وروعتها باستخفاف واستهتار ؟؟؟ أم أنها قد بلغت درجة الورع والنقاء والشفافية أكثر من بني الإنسان ، فأغدقت علينا معرفتها بنا وبنوايانا وتجاوزت سقطاتنا، لأنها أكبر منا رغم رقة أجسامها الملونة.. وأنها تركتنا نعيث فساداً بأنفسنا حتى نحرم الأرض التي ندوسها من الجمال وبالتالي نحرم أبصارنا وأسماعنا وأحاسيسنا بهاء الوجود ؟

يطلبون مني أن أطلق سبيل العصافير الجميلة التي أحبها وأقتنيها في بيتي ، بحجة الحرص على أسرتي وأبنائي وأحفادي من أنفلونزا الطيور !!! وأعرف أن أخطر أنفلونزا تعيث في الكرة الأرضية هي أنفلونزا الافتراء والكذب وأنفلونزا البورصة التي تدفع المقامرين للابتكارات العصرية ، لبيع سلع اللحوم المكدسة في مزارع التخوم الأمريكية ، وحيث مزارع الأبقار والخنازير فاضت عن الحد ، وغلى سعرها وارتفع ، والأفواه تسترخص لحوم الطيور المسكينة الداجنة !!! وأعرف أن الحرب ضد الطيور تشبه الحرب ضد الأبرياء أصحاب آبار النفط العامرة بالخمول !!! وأن العالم كلما تطور واعتلى منصة الإعلام والانتشار الفضائي، كلما أصبح ببغاء عليهم عليهم... معاهم معاهم ... ! وأعرف أن أفلام الطيور النافقة المريضة هنا وهناك هي نسخة طبق الأصل عن أفلام ألزرقاوي وبن لادن وأبو حميره !!!

فتلك لعمري مكيدة ومؤامرة ضد الطيور ، وأعرف أن صالح القلاب وإبراهيم عز الدين وبعض أصدقائي من ناكري نظرية المؤامرة سيلحقون بي الضرر ، ويضربون كفاً بكف ويقولون يا ويلتاه على عائشة !!!.. فإنها تسقط جميع الأهوال على نظرية المؤامرة !!!
بعض الأصدقاء والجيران والأقارب خنقوا عصافيرهم في الأقفاص ، وبعضهم تركوها حتى ماتت من العطش والجوع ، وبعضهم أشار علي بتركها في القفص تحت البرد أو في الشمس حتى تنفق ، وبعضهم نصحني بأن أبعدها عن أحفادي الملائكة وأمنع أحفادي من اللعب والمناغاة والزغونة حول القفص وهي تغرد ، وبعضهم طلب مني بأسلوب حاسم أن أتخلص من طيور الحب الرائعة الجميلة وسبحان الخالق بالخنق ، وكنت أبدي ممانعتي الشديدة وأطلب عدم الخوض في الموضوع ، وبأنه عيب علينا أن نترك البلاء والظلام يعم العالم والأرض والبشر ، ونترك للمكائد التي تفتي بالقضاء على الطيور وتعلن موت طير هنا وطير هناك ، وتنسينا ذبح الآلاف من الناس والأبرياء واستلاب الأرض ، ونركز بطولاتنا ضد الطيور المحلقة في دنيا الله !!! وتتركنا تلك الأفلام الهوليودية المعتادة ننام ونصحو ونحن نفكر بكيفية الانتقام والتخلص من طيور جميلة ، هي أجمل ما في الكون وأبالغ أكثر وأقول هي أجمل منا جميعا !! وهي أسلم منا جميعاً ومن أجسادنا المتخمة المتعفنة بالجرائم والكذب والسلب والنهب والاقتتال !!

بلغت المعركة أوجها وسمع ضجيجها ، وامتنعت ابنتي من زيارتي بسبب خوفها من انلفونزا الطيور على أطفالها الذين يعشقون اللعب حول أقفاص طيور الحب الرائعة !! ، وابنتي الكبرى طلبت مني برقة ونعومة أن أطلق سراحها ، فقلت لها بأن العصافير هذه لا تتقن الطيران ، وبأنها ستسقط على الأرض ، وتفترسها القطط ، وهنا سوف لن أنجو من عذاب ضميري ، وبدأت أذكرها بقصة الصوص الذي توفي قبل عشر سنوات وبين يديها ، وكيف أنني شاركت في جنازته وأولادي الخمسة يشيعون جسده الطاهر الصغير ويبكون عليه !!! !! وكيف حملوه على نعش من الورد ودفنوه في قبر جميل زينوه بالأعشاب ، ودموعهم تنهمر ، تنهمر حتى أنني بكيت معهم على الصوص ! وأحسست أن سخونة دموعي على الصوص مع أطفالي لا تفرق عن سخونة دموعي على أي فاجعة
وهنا تذكرت ابتني التاريخ المشرف للأسرة وقالت ، غريب ماذا جرى لأحاسيسنا يا أماه ؟؟ لقد تنبلنا وتبلدنا وفقدنا قيمة الشعور بالروح والجمال فعلاً !!

وقامت لتغير الماء والطعام للعصافير، وتناغي مناقير طيور الحب الجميلة ، وهجم الأحفاد يزغردون ويغردون مع أجمل الكائنات !!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى