الخميس ٢٨ آذار (مارس) ٢٠٢٤

غزّةٌ بينَ شاعرٍ ويراعٍ

منور عشيش

دَعَوْتُ اليَرَاعَ فَقُلْتُ: أَجِبْ
وَلَا تَخْذُلَنّيِ يَرَاعِي اقْتَرِبْ
فَأَنْتَ أَنِيسِي بِجُنْحِ اللَّيَالِي
إِذَا ضَاقَ صَدْرِي وَقَلْبِي اكْتَأَبْ
أَجَابَ اليَرَاعُ: فَدَيْتُكَ خِلِّي
عَلِمْتَ وَفَائِي فمُرْنِي أُجِبْ
فَقُلْتُ لَهُ: غَزَّةٌ يَا يَرَاعِي
أَنِينُهَا فِي أُذُنِي لَمْ يَغِبْ
أَطَارَ الكَرَى وَأَطَالَ الدُّجَى
أَبِيتُ مَعَ النَّجْمِ أُحْصِي الشُّهُبْ
وَهَلْ يَنْظُمُ الشِّعْرَ فِيمَنْ سِوَاهَا
بِأَيَّامِنَا غَيْرَ قَلْبٍ خَرِبْ؟
فَقَالَ اليَرَاعُ: هَدَدْتَ كَيَانِي
وَهَيَّجْتَ جُرْحًا أَرَاهُ انْثَعَبْ
فَهَاكَ قَصِيدًا إِلَى يَعْرُبٍ
لَعَلَّهُ يُحْيِي قُلُوبَ العَرَبْ
عَجِبْتُ لِيَعْرُبَ فِي صَمْتِهِمْ
أَمَّا ثَمَّ قَلْبٌ لَهُمْ يَضْطَرِبْ؟
هَنِيئًا لَكُمْ يَا بَنِي يَعْرُبٍ
بَلَغْتُمْ مِنَ الذُّلِّ أَسْمَى الرُّتَبْ
هَنِيئًا لَكُمْ سَبْقُ فَقْعٍ بِقَاعٍ
يُدَنَّسُ أَوْ وَتدٍ مِنْ حَطَبْ(1)
هُمَا مَثَلَانِ لَكُمْ ضُرِبَا
عَلَى الذُّلِّ مِنْ سَالِفَاتِ الحِقَبْ
وَأَنْتُمْ بِلَا شَكَّ أَهْلٌ لِهَذَا
أَحَقُّ الوَرَى بِالَّذِي قَدْ ضُرِبْ
غَدَا العَرَبِيُّ يُنَكِّسُ رَأْسًا
وَيَخْجَلُ إِنْ سَأَلُوهُ انْتَسِبْ
وَقدْ كَانَ أَجْدَادُهُ لَهْفَ نَفْسِي
إِذَا انْتَسَبُوا فِي شُمُوخِ السُّحُبْ
أَعُمْيٌ فَلَمْ تُبْصِرُوا مَا جَرَى؟
أَصُمٌّ فَأَسْمَاعُكُمْ فِي عَطَبْ؟
أَلَمْ تُبْصِرُوا الغَاصِبَ المُعْتَدِي؟
أَلَمْ تَسْمَعُوا صَرْخَةَ المُغْتَصَبْ؟
أَلَمْ تُبْصِرُوا فِي قِمَاطٍ رَضِيعًا
وَأُمُّهُ مِنْ ثُكْلِهَا تَنْتَحِبْ؟
وَتُلْقِمُهُ الثَّدْيَ تَرْجُو لَهُ
حَيَاةً تَهُزُّهُ لَمْ يَسْتَجِبْ
وَمَا ضَرَّهَا فَقْدُ زَوْجٍ شَهِيدًا
فَذَلِكَ أَدْرَكَ مَا قَدْ طَلَبْ
وَلَكِنْ أَضَرَّ بِهَا الطِّفْلُ لَمَّا
تَرَحَّلَ مِنْ حُضْنِهَا وَاسْتُلِبْ
وَتَبْحَثُ عَنْ أُخْتِهِ بَعْدَ يَأْسٍ
مِنَ الطِّفْلِ نَادَتْ فَلَمَّا تُجِبْ
وَغَيْرَ بَعِيدٍ تَرَى جُثَّةً
مُمَزَّقَةً بَيْنَ تِلْكَ اللُّعَبْ
فَتَرْفَعُ نَحْوَ السَّمَاءِ يَدَيْهَا
إِلَى الله تَشْكُو جَمِيعَ العَرَبْ
أَلَمْ تُبْصِرُوا الطِّفْلَ فِي غَزَّةٍ
يَقُمُّ القُمَامَةَ يَشْكُو السَّغَبْ؟
لَعَلَّهُ يَلْقَى بِهَا كِسْرَةً
يَسُدُّ بِهَا جُوعَهُ المُلْتَهِبْ
أَلَمْ تُبْصِرُوهُ عَلَى كَفِّهِ
بِحِبْرٍ يَخُطُّ اسْمَهُ وَاللَّقَبْ؟
لَعَلَّهُ إِنْ مَاتَ فِي غَارَةٍ
سَتَعْرِفُهُ الأمُّ مِمَّا كَتَبْ
أَلَمْ تُبْصِرُوا شَاهِقَاتِ المَبَانِي
تُسَوَّى -أَيَا وَيْحَكُمْ- بِالتُّرَبْ؟
مَشَافٍ وَمَا سَلِمَتْ مِنْهُمُ
إِلَيْهَا أَوَى النَّازِحُ المُرْتَقِبْ
فَكَمْ قَدْ قَضَى مِنْ طَبيبٍ بِهَا
وَكَمْ مِنْ مَرِيضٍ أَتَى يَسْتَطِبّْ
أَلَمْ تُبْصِرُوا مَسْجِدًا قَدْ هَوَى
إِلَى الأرْضِ دَكًّا فلَمْ يُجْتَنَبْ؟
فَكَمْ أُلْقِيَتْ مِنْ دُرُوسٍ بِهِ
وَكَمْ وَعَظَ النَّاسَ شَيْخٌ ذَرِبْ
أَلَمْ تُبْصِرُوهُمْ بِغَزَّةَ عَطْشَى؟
فَذُو الحَظِّ فِي غَزَّةٍ مَنْ شَرِبْ
لَقَدْ صَارَ حُلْمُ الجَمِيعِ بِهَا
إِذَا أَغْمَضُوا كُوبَ مَاءٍ سُكِبْ
أَلَمْ تُبْصِرُوا لَيْلَهُمْ صَارَ لَيْلًا
ظَلَامًا تَرَاكَمَ مِثْلَ السُّحُبْ؟
فَقَدْ قَطَعُوا النُّورَ عَنْهُمْ وَصَبُّوا
عَلَى الطِّفْلِ فُسْفُورَهُمْ كَالشُّهُبْ
أَلَمْ تُبْصِرُوا حَامِلًا قُتِلَتْ؟
جَنِينُهَا فِي بَطْنِهَا يَضْطَرِبْ
يُنَادِي عَلَيْكُمْ : أَلَا أَخْرِجُونِي
لَعَلِّيَ أَغْسِلُ عَارَ العَرَبْ
رَأَيْنَا أَيَا أُمَّتِي عَجَبًا
وَلَمَّا نَعِشْ بَعْدُ شَهْرَ رَجَبْ
أَذَلَّ اليَهُودُ بَنِي يَعْرُبٍ
جَمِيعًا مِنَ الرَّأْسِ حَتَّى الذَّنَبْ
كَذَلِكَ يَنْتَفِشُ الهِرُّ زَهْوًا
إِذَا غَابَ لَيْثُ الشَّرَى وَانْقَلَبْ
لَقَدْ عَلِمُوا لَيْسَ ثَمَّ صَلَاحٌ
بِحطِّينَ فِي عَادِيَاتٍ نُجُبْ
وَلَيْسَ هُنَالِكَ مُعْتَصِمٌ
يُلَبِّي العَذَارَى الَّتِي تَنْتَحِبْ
وَمَا ثَمَّ فِي أُمَّتِي عُمَرٌ
يَنَالُ المَفَاتِيحَ دُونَ حَرَبْ
لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّكُمْ عَرَبٌ
تُحِبُّونَ فِي النَّائِبَاتِ الخُطَبْ
فَيَا لَهْفَ نَفْسِي عَلَى قِمَّةٍ
تُسَوِّي مَعَ الغَاصِبِ المُغْتَصَبْ
تَلُومُ الضَّعِيفَ : أَلَا إِنَّنَا
لَفِي غُنْيَةٍ وَيْحَكُمْ عَنْ شَغَبْ
فَكُفُّوا وَلَا تُزْعِجُونَا وَإِلَّا
فَسِيرُوا إِلَى البَدْوِ حَيْثُ النَّقَبْ
فَنَحْنُ نُحِبُّ السَّلَامَ وَهُمْ
وَمَنْ لِسَلَامِ العِدَى لَا يُحِبّْ
يَهُودٌ بَنُو عَمِّنَا عَهْدُهُمْ
إِذَا عَاهَدُوا صَادِقٌ لَا كَذِبْ
وَسِرْتُمْ إِلَى مَجْلِسِ لَا يَرَاكُمْ
سِوَى بَقَرٍ رُبَّمَا تَعْتَشِبْ
وَلَكِنَّهَا أُلْهِمَتْ أَلْسُنًا
بِلَا حَافِرٍ خُلِقَتْ أَوْ ذَنَبْ
فَلَا تَسْتَحِقُّونَ عَيْشًا كَريمًا
بِذَلِكَ صَرَّحَ لَمْ يَحْتَجِبْ(2)
فَمَنْ قَتَلَ (الرُّوسُ) يَا أُمَّتِي
بِدَوْلَةِ (أُكْرَانَ) مِنْكُمْ أَحَبّْ(3)
فَلَا تَحْسَبُوا أَنَّكُمْ مِثْلُهُمْ
بَنُو أَصْفَرٍ لَمْ يَكُونُوا عَرَبْ
فَلَا الشَّرْقُ يَنْصُرُكُمْ أُمَّتِي
وَلَا الغَرْبُ نَصْرُهُ قَدْ يُرْتَقَبْ
وَلَا دَوْلَةُ الفُرْسِ فَلْتَحْذَرُوهَا
فَتَحْتَ العَمَائِمِ ثَمَّ العَطَبْ
فَعُودُوا إِلَى شِرْعَةِ المُصْطَفَى
فَفِي شَرْعِهِ عِزُّنَا المُسْتَلَبْ
لَئِنْ تَنْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمُ
بِذَلَكَ صَرَّحَ خَيْرُ الكُتُبْ
فَلَا تُغْفِلُوا الشَّرْطَ وَأْتُوا بِهِ
فَذَلِكَ شَرْطٌ عَلَيْكُمْ وَجَبْ
وَمِنْ بَعْدِهِ فَلْتُعِدُّوا لَهُمْ
رِمَاحًا حِدَادًا وَسُمْرًا قُضُبْ
وَخَيْلًا إِذَا أُسْرِجَتْ حَمْحَمَتْ
تَحِنُّ لِسَاحِ الوَغَى المُلْتَهِبْ
سَيَخْرُجُ مِنْ كُلِّ طِفْلٍ صَلَاحٌ
وَغَزَّةُ حِطِّينُنَا المُرْتَقَبْ
سَنَدْخُلُهَا فَاتِحِينَ قَرِيبًا
وَتَكْبِيرُنَا سَوْفَ يَعْلُو السُّحُبْ
فَلَا تَحْسَبَنَّهُ حُلْمًا جَمِيلًا
بَعِيدًا فَإِنِّي أَرَاهُ اقْتَرَبْ
فَرَتِّلْ بِـ (إِسْرَاءَ) آيَةَ (جَاسُوا
خِلَالَ الدِّيَارِ) وَمَا قَدْ كُتِبْ
دِمَاءُ الرَّضيعِ بِغَزَّةَ تَرْوِي
ثَرَاهَا فَيَخْضَرُّ مِنْهَا الخَشَبْ
وَصَرْخَةُ أُمٍّ هُنَالِكَ ثَكْلَى
سَتُسْمِعُ مُعْتَصِمًا فَيَهُبّْ
سَيَدْحَرُهُمْ سَيْلُنَا جِيَفًا
إِلَى البَحْرِ نَتْنَى بِلَا مُنْقَلَبْ
فَلَا تَيأَسَنَّ مِنَ النَّصْرِ خِلِّي
فَلَا بُدَّ يَوْمًا سَيَحْيَا العَرَبْ
وَبَلِّغْ قَصِيدِي إِلَى يَعْرُبٍ
وَعُذْرًا أَطَلْتُ وَلَمْ أَقْتَضِبْ
أَخَذْتُ اليَرَاعَ وَقَبَّلْتُهُ
عَلَى جَبْهَةٍ لَمَعَتْ كَالذَّهَبْ
وَقُلْتُ: أَزَلْتَ مِنَ الصَّدْرِ هَمًّا
وَأَذْهَبْتَ يَأْسًا بِهِ قَدْ نَشَبْ
وَلَا لَمْ تُخَيِّبْ بِكَ الظَّنَّ خِلِّي
وَمَنْ كُنْتَ خِلًّا لَهُ لَمْ يَخِبْ

(1) تضرب العرب مثلا للذّلّ فتقول: أذلّ من فقع بقاع، وتقول أيضا: أذلّ من وتد.
(2) فقد قال قائلهم: نحن نواجه حيوانات بشريّة.
(3) في هذا الموضع إشارة إلى مجلس الأمن ونفاقه السّياسيّ المكشوف، وكيله بمكيالين، ففرق واسع وبون شاسع بين موقفه وقراراته، حينما تعلّق الأمر بدولة أكرانيا وشعبها، وبين موقفه وقراراته تجاه العرب والمسلمين في غزّة.

منور عشيش

منور عشيش، الجزائر


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى