الاثنين ٢٤ أيار (مايو) ٢٠١٠
رحيل المفكر الكبير محمد عابد الجابري
بقلم أحمد مظهر سعدو

غياب لمشروع ثقافي

فقد الوسط الثقافي العربي، وعالم الفكر السياسي الفلسفي رجلاً مهماً من رجالات صناعة هذا الفكر، كان له الباع الأكبر والأهم في رفد المكتبة العربية بحزمة من الإصدارات المتلاحقة التي أمسكت بناصية الفكر الإسلامي العروبي بكل اقتدار، وساهمت في منح الفكر والتفكير العقلاني العربي مساحة امتدادية جد متميزة .. فلقد رحل مؤخراً عن هذا العالم الفاني الباحث والمفكر العربي المغربي الدكتور محمد عابد الجابري.. هذا الرجل الذي تتلمذ الكثير من أهل الثقافة والسياسة على مؤلفاته ومشاريعه الثقافية الإيديولوجية ..لقد بنى الجابري مشروعاً متكاملاً دعم من خلاله التراث الحضاري العربي، فمن ( نحن والتراث) إلى ( نقد العقل العربي ) بأجزائه الثلاثة .. ثم ختم حياته بتفسير جديد للقرآن الكريم .. انطلاقاً من البحث المستفيض فـي أسباب نزول العديد من الآيات .. كما استطاع الجابـري أن يفتح باب النقاش حول قضايا تراثيـة ذات أبعـاد راهنـة .. فانفتح على المشرق العربي على خلاف زملائه المفكرين المغاربة الذين آثروا الانفتاح على الغرب أكثر من الشرق.

وكان هاجسه سؤال النهضة الذي اتخذ له مدخلاً ابستمولوجياً، فهو من يرى (أن لا نهضة دون تحصيل آلة إنتاجها، أي العقل الناهض ولا يمكن تحصيل هذا الفكر القادر على صناعة النهضة، دون نقد العقل العربي،وبحث صيرورته التاريخية، وتحديد المفاهيم المتحكمة في بنيته، من أجل بيان الحاجة إلى عصر تدوين جديد يؤسس للعقل نظاماً معرفياً قادراً على الاستجابة لتحديات الراهن).

وقد وجد الجابري أنه لا بد من أن يستقيل من العمل السياسي حتى يستطيع التفرغ لمشروعه الفكري الثقافي وهكذا فعل منذ عام / 1981/.

كان كتاب (الخطاب العربي المعاصر) لديه، نقداً لهذا الخطاب وتناولاً لماهيته الواقعية والمبتغاة .. كما كتاب كان كتابه (العصبية والدولة : معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي) نقطة تحول في الفكر الفلسفي العربي الحديث، وغوص مؤكد في الخصوصية الفكرية للفكر الخلدوني .. لقد نقد الجابري ابن سينا، ثم راح يدعم ويدفع بفكر ابن رشد عبر إحياء نمط مختلف من التفكير داخل المجتمع العربي في مشرقه ومغربه .. نعم لقد أمسك الجابري عبر (تكوين العقل العربي) و(بنية العقل العربي)ثم (العقل السياسي) وكذلك (العقل الأخلاقي العربي) بناصية الفلسفة العربية السياسية المعاشة وجعلها في متناول الجميع دون نخبوية مفرطة كما يفعل سواه عادةً .. وما كانت تقسيماته للعقل العربي إلى ثلاثة أقسام إلا توضيحاً لملابسات كلِ منها حيث ميز بين : العقل البياني وأصوله العربية، والعقل العرفاني وأصوله الشرقية، وكذلك العقل البرهاني ومصادره الفلسفية العقلانية.

في رحيل الجابري جسداً تتأكد أكثر ملامح مشروعه الفكري المستقبلي، وتبرز للعيان ماهية المعنى المشروعي للثقافة الفلسفية العروبية الإسلامية التي أمسك بتلابيبها، واستطاع بكل اقتدار أن يجعلنا جميعاًً نتتلمذ على يدي وبين ظهراني مشروعة الفكري الكبير لنتعلق بالمغرب العربي، كما تعلقنا بالمشرق قبل ذلك، وكأننا أمام (ابن رشد) جديد وعصري هو الراحل الكبير الدكتور محمد عابد الجابري الذي خسرته الساحة الثقافية الفكرية الفلسفية العربية، كما خسرته المغرب كوطن صغير له، وهو الذي كان على الدوام يمتد بفكره العربي إلى المشرق تراثياً وثقافياً وانتماءً عربياً.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى