السبت ٢٣ آب (أغسطس) ٢٠٠٨
بقلم أحمد مظهر سعدو

في الرحلة أيضاً

هممت في اليوم الأول، وعزمت على لملمة الحاجيات لانطلاقة رحلة جديدة متجددة.. كنت قد فكرت بها بل فكرنا بها منذ فترة ليست بالقصيرة.. ويبدو أن العزم لوحده لا يكفي ليكتمل العمل أو الأمل.. فالقدر والظرف والصدفة تحيل الأمور إلى مسارات أخرى يعجز المرء عن مناولتها ما يريد من همة وهمم.. وبالفعل فقد عوقت الحراك وعكة صحية ألمت بي، وجعلت الضغط نازلاً والطبيب متسائلاً ومتأملاً وكان القرار أن لابد من التأجيل حتى صباح اليوم التالي.

في صباحات تموز الحارة صعدنا المركبة متوجهين إلى ركن الدين لاصطحاب الأحباب، وقد كانوا في الانتظار، أم رؤوم، وقلب حنون، عاركته السنون حتى اكتسب عقلانية مفعمة بحب كبير.. ولينة ونور لا غرو أنهما ليستا أقل عقلانية وعاطفيـة.. وهما من رافقانا في رحلات سابقة.

في الطريق إلى أريحا وبعد اصطحاب الحبيبة مع الحبيبتين الشمعتين والعيون متفائلة بنظرة فرح تطال الدنيا سعادةً وهناءً.. كان الحديث الودادي الهيامي الذي أرخ لمرحلة جديدة في حياة أسرتنا الممتددة متجاوزة الأسرة المحددة.. وكان الطريق طويلاً لامسنا مدى امتداده البديع مع دوام الفرحة والمسرة.. ولم يتخلله إلا كل مسارات الحب والود التي طاولت كل شيء حتى تعرجات الطريق ومطباته الكثيرة في طوله وعرضه.

في مساءات جبل الأربعين كنا كوكبة من الحب والحنان والعواطف لا يمسها إلا كل ماهو في إطار ابتسامات العيون الصادقة في حبها، والعزيزة في دربها، والمتآلفة في عطاءاتها، التي لا مصلحة فيها ولا لها إلا قضاء أيام بنهاراتها ومساراتها المتتابعات بغلالة شفافة من العطاء الهيامي المتدفق الذي حرص الجميع على دوامه.

في لحظات هبوب النسيم العليل.. كنا نعب منه حتى الثمالة، ونملأ الصدور والقلوب خشية أن لا نمسك به بعد ذلك، وفي حالات السمر للمساءات الجميلة كنا نحاور بعضنا بعضاً بشعر تارةً وبأغنيات وموسيقا تارةً أخرى وبقص جميل رحيم يلامس شغاف القلب ويطال المعطى الأساس في تكوينة النفس البشرية التآلفية الحبية.. ففي قصنا كان يتجلى البريق المصداق، وفي نظرات العيون كان يتبدى اللمعان البديع، وفي ضحكات الجميع ينسجم الكل بالكل.. ويضمحل الوجود الثماني فـي الواحد الموحـد، في كينونة لا سابق لها.. ولعل من المفيد الانتباه إلى أن حجم التجلي الحبي تبدى بشكل أكبر بوجود أم ثانية لي.. طالما عرفناها بقلبها الذي يتسع الممتد والممدد.

وعندما تسحب الشمس خصلات شعرها عن المكان وتهرب مختبئة خلف الأشجار بانسحاب بديع.. كانت العيون الجميلة تنشد وراءها رغبة بأن لا تنقطع هذه الأمسيات وهذه الخصلات الذهبية التي أمسكنا بتلابيبها مرة فسجلناها بآلة تصوير حديثة منعت اللحظة من أن تفلت من بين الجوانح.

لكن إشراق العيون في صباحات الأيام الخوالي تلك.. أعطـت للحياة معنـى آخر، وأمسكت بإطلالة شمس الصباح الجميلة التي تسترق النظرة الأولى من خلف الصخور بعد أن اعتلت الجهة الشرقية للإطلالة الجميلة متربعة على محياها.

في الرحلة هذه كان لابد من زيارة الغوالي ومنتجات الغوالي وضحكة هنا ودمعة هناك مع ذكريات لأيام ماضيات وزمن يسير ويتجاوز كل شيء، حتى أن المرء ليعجز عن فهم مكنونات الزمن الماضي والآني، وهو في حالة ديناميكية يقف جوانيتها الثمين والغالي.. ومع أن البعد عن المكان المعهود كان قائماً إلا أن المخيال لم يبرحه الفضل الفضيل وتجلياته،كما لم يبرح المكان الآني إشراقة أخوِّة ما برحت تنهل الحياة من معينها الذي لا ينضب.. ولعل الرحلة وتلافيفها الأنوية المحمدية مجالات رحبة لإنتاج حياة متجددة أكثر إشراقاً.. لا غرو أنها مآل ومبتغى للنفس المؤنسنسة التي تنعم بين ظهرانيها المعطيات الشخصية والعائلية والوطنية وما بعد وطنية.. فالأمة أبداً لا تبرح المخيال المتوقد في ماهيتي العروبية الصرفة التي تدمع العين دائماً مع ملامستها لأوتار حساسة داخل متاهاتي العاطفية والعقلانية أيضاً.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى