الأحد ٧ نيسان (أبريل) ٢٠٢٤

فِي البُرْج

حمزة محمد حمزة العزوني

وقد شَرِبَ اللَّيْلُ تَبْغَ النَّهَارِ،
وَأَطْفَأَ أَعَقَابَهُ فِي رَمَادِ السَّمَاءْ
صَعَدْتُ إِلَى البُرْجِ وَحْدِيَ مُرْتَعِشًا
يَتَدَلْدَقُ مِنْ بَيْنِ جَنْبَيَّ قَلْبِي
وَحَوْلِيَ مَا زَفَرَتْ رِئَةُ اللَّيْلِ مِنْ دَخْنَةٍ وَعُوَاءْ
سَلَالِمُهُ مِزَقٌ مِنْ جُلُودِ البِيَادَاتِ سَائِحَةٌ فِى الدِّمَاءْ
حِجَارَتُهُ ذِكْرَيَاتُ الَّذِينَ بِهِ انْصَهَرُوا،
وَرَأَوْا بِعُيُونِ نَوَافِذِهِ خَيْلَ أَعْمَارِهِمْ وَهْيَ تَهْرُبُ تَهْرُبُ
يَتْبَعُهَا دَمْعُهُمْ فِي الفَضَاءْ
أُحِسُّ أَيَادِيَهُمْ فِي يَدِي،
أَتَنَفَّسُ مِنْ دِفْءِ أَنْفَاسِهِمْ،
وَأَرَى صُوَرًا لِحَبِيبَاتِهِمْ
طَبَعَتْهَا خَيَالَاتُهُمْ قُبَلًا فَوْقَ خَدِّ الهَوَاءْ
هُنَاكَ الزَّمَانُ سَلَاحِفُ مَقْطُوعَةُ الرِّجْلِ زَاحِفَةٌ لِلْوَرَاءْ
هُنَاكَ أُعَلِّقُ حَبْلَ اكْتِئَابِيَ مشْنَقَةً
تَتَعَشَّى عَلَى عُنُقِي قَضْمَةً قَضْمَةً فِي هُدُوءٍ،
وَفَوْقَ كَرَاسِي بُكَائِيَ أَنْصِبُ مَنْدَبَةً لِلْعَزَاءْ
هُنَاكَ الْتَقَيْتُ بِهِ..
بِأَنَايَ الَّذِي صَارَ صَاحِبِيَ الفَرْدَ
نَسْهَرُ وَحْدِيَ.. نَلْعَبُ سِيجَةَ أَقْدَارِنَا
وَنَخِيطُ مَلَابِسَ أَحْلَامِنَا مِنْ حَرِيرِ العَرَاءْ
أُنَاجِيكَ يَا صَاحِبِي الفَرْدَ..
يَا مَنْ تَصَلْصَلْتَ مِنْ حَمَأٍ فِي خَيَالِي فَصِرْتَ أَنَا،
وَأَنَا صِرْتُ إِيَّاكَ مُنْصَهِرَيْنِ عَلَى مَوْقِدِ الوَحْشَةِ الحَامِيَةْ
وَأَصْنَعُ مِنْ ذِكْرَيَاتِي فشَارًا لِأَجْلِكَ كَيْ نَتَسَلَّى مَعًا،
وَأُقَشِّرُ قَلْبِيَ مَوْزًا لِأَجْلِ عُيُونِكَ يَا صَاحِبِي
لِنُزَحْلِقَ رِجْلَ الزَّمَانِ عَلَى سُلَّمِ العَتْمَةِ العَالِيَةْ
وَحِينَ يُذَوِّبُنَا اليَأْسُ فِي شَايِهِ اللَّانِهَائِيِّ
مُتَّكِئًا تَحْتَ خَيْمَتِهِ اللَّانِهَائِيَّةِ المُسْدَلَةْ
يُلَاعِبُنِي صَاحِبِي لُعْبَةَ الأَسْئِلَةْ
يُدِيرُ الزُّجَاجَةَ دَائِرَةً كَامِلَةْ
فَتُطْلِقُ نَحْوِيَ أُصْبعَهَا المُشْعَلَةْ
يُدِيرُ الزُّجَاجَةَ ثَانِيَةً، فَتُشِيرُ إِلَيَّ أَنَا وَأَنَا،
فَأَنَا وَأَنَا مَنْ نُشَكِّلُ وَحْدِيَ دَوْرَتَهَا المُقْفَلَةْ
فَيَسْأَلُ:
 مَاذَا عَنِ اللهِ تَعْرِفُ؟
 أَنِّي إِذَا متُّ أَدْخُلُ مِنْ لُطْفِهِ جَنَّةً
مَلْأَكَتْهَا بِرَحْمَتِهِ يَدُهُ الحَانِيَةْ
 وَمَاذَا عَنِ المَوْتِ تَعْرِفُ؟
 إِيَّايَ وَاللَّيْلَ أَعْرِفُ
 مَاذَا عَنِ اللَّيْلِ تَعْرِفُ؟
 إِيَّاكَ وَالحُبَّ أَعْرِفُ
 مَاذَا عَنِ الحُبِّ تَعْرِفُ؟
 لَا شَيْءَ أَعْرِفُهُ مُطْلَقًا غَيْرَ جُثَّتِيَ البَالِيَةْ
وَأَنِّي أُحِبُّ الحَيَاةَ كَثِيرًا كَثِيرًا
لِأَنَّ الحَيَاةَ طَرِيقِي الوَحِيدُ إِلَى المَوْتِ فَرْحَتِيَ الصَّافِيَةْ
وَأَنِّي غَدِي سَأُحِبُّ إِذَا لَمْ يَجِئْنِي غَدِي مَرَّةً ثَانِيَةْ
 وَمَاذَا عَنِ الغَدِ تَعْرِفُ؟
 أَعْرِفُ أَنَّ ضَبَابًا كَثِيفًا سَيَلْقَمُنِي، ثُمَّ يَمْضُغُنِي عِلْكَةً،
ثُمَّ يَتْفُلُنِي بَعْدَ أَنْ عَاصَنِي بَلْغَمُ المَوْتِ فِي سَلَّةِ المُهْلَكَاتْ
يُسَمُّونَهَا القَبْرَ لَكِنَّنِي لَنْ أُسَمِّيَهَا غَيْرَ مُعْجِزَةٍ لِانْتِشَالِ الرُّفَاتْ
 وَمَاذَا...
يَا بُرْج
عَنِ ال...
ياااااا برج
 ابْدَأْ
 انْزِلْ
أُوَدِّعُ مُبْتَسِمًا صَاحِبِي،
ثُمَّ أَنْزِلُ وَحْدِي مِنَ البُرْجِ مُنْتَعِشًا
يَتَرَاقَصُ قَلْبِي كَعُصْفُورَةٍ رِيشُهَا نَغَمٌ وَغِنَاءْ

حمزة محمد حمزة العزوني

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى