الثلاثاء ١١ آب (أغسطس) ٢٠٠٩
بقلم أحمد وليد زيادة

قد كُنْتَ يوماً ما تُريد

يَمُرُّ التُّرابُ فَيَجْذِبُهُ لاشتهاءِ الخديعةِ
كانت أغانيهِ واضِحَةً سَهْلَةً
ليسَ فيها مكانٌ لِغَيْرِ المُرَادِ مِنَ الشَّيءِ
والآنَ يَكْتُبُها في الكنايَةِ
صارَ التُّرابُ يُكَدِّسُ فتنَتَهُ في عُروقِ القَصِيدَةِ
إذ صارَ يُدْرِكُ فيها المَعانِيَ أكْثَرَ
كُلُّ العُروقِ تُرَى مِنْ خِلالِ الزُّجاجِ الرَّقيقِ على سوءةِ الحَرْفِ
يسألُهُ الماءُ:
"ما الماءُ؟
ما الشَّيءُ؟
ما النُّورُ داخِلَ قَبْوٍ مِنَ الوقت؟
مَنْ أنت؟"
قالَ:"احتِضارٌ يُغِيرُ العُرُوقَ لِمَا خَلْفَها مِنْ كِنايَةْ.....!"
***
لِدرويشَ في فَجْوَةِ الحَرْفِ بِنْتٌ يَتِيمَةْ
فقد ماتَ قَبْلَ ولادَةِ آخِرِ حَرفٍ هناكَ
وكانَ مخاضُ القصيدَةِ مُرٌّ
يُطِيلُ الوُقوفَ أمامَ المرايا...
لِتُعْلِنْ رِضَاها عَنِ الزِّينَةِ-الآنَ-تِلكَ المَرايا
لِيولَدَ حَرْفٌ مِنَ المُسْتَحيلْ..
ولكن..مَخاضُ القصيدَةِ مُرٌّ طَوِيلْ
/
تنادي عليهِ سنابِلُها للسَّماءِ:
"تعالَ إلَيَّا..وقُلْ لِي تعالي إلَيَّا..
ودَعنِي أُخَبِّؤُ وجْهَكَ في مُقْلَتَيَّا
أُناجِزُ شهوَتَكَ الآنَ حَدَّ نُخاعِكَ حيثُ تَجِفُّ جداوِلُ جِسْمِكْ...
فإن كانَ حُبٌّ وتِلْكَ القصيدَةْ
ستأمَنُ حرفاً جديداً
وفَصْلُ الحَصادِ بعيدٌ
ويومٌ مِنَ الحُبِّ شيءٌ قليلْ...
ولكن مخاض القصيدَةِ مُرٌّ طويلْ...
(2)
 
لِرُوحٍ مِنَ الأشجانِ عشرونَ سوسنَهْ
وقلبٌ رأى بالدَّمْعِ شِعْراً..فَلَحَّنَهْ
 
لِدَرويشَ أفْقٌ مِنْ سَماءٍ وجَنَّةٍ
وبينَهما جُرْحُ المَسيحِ ومِئْذَنَه
 
وقيثارةٌ تغفو على وهْجِ عَينِهِ
وتصْحُو على وَقْعِ الحروفِ مُدَنْدِنَهْ
 
أَسَرَّتْ لَهُ الأيامُ سِرَّاً بِما رأتْ
وتسألُهُ كَتْماً، فقامَ لِيُعْلِنَهْ
 
(3)
(سأكونُ يوماً ما أُريد)
درويشُ عَزْمٌ مِنْ شُعاعِ الشَّمْسِ يَصْهَرُ دورَةَ العَثَراتِ والآلامِ و الآهاتِ فوقَ جِراحِهِ ويداهُ مِثْلُ حَمَامَتَيْن..
(سأكونُ يوماً ما أُريد)
عَيْنٌ تَرى الدَّربَ القَصيرَ إلى السَّماءِ مِنَ المَمَرِّ اللولَبِيِّ
فَتَحْتَسي آلامَها كأسَيْ نبيذٍ مُتْرَعَينْ..
(سأكونُ يوماً ما أُريد)
حُلمٌ هِيَ الدُّنيا وحُلْمُكَ واقِعٌ تَحياهُ مُذْ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ
أنتَ تَنسِجُهُ وتَحيا كَيفَ شِئتَ..
يَلُومُكَ الماضي المُغَبَّرُ:
"لو رَجَعْتَ..
لو اختَبَرْتَ مَهارتي وتَرَكتَني أهدي لك الأيامَ باسِمَةً
ولم تُزعِجْ أبا تمَّامِ والهُذَلِيَّ والقَيْسِيَّ والشُّعراءَ فيما كانَ"
والأُمُّ البعيدَةُ خَلْفَ مذْبَحَتَيْنِ تبكي:
"عُدْ إلَيَّ ولا تَذَرْني يا بُنَيَّ بِبَابِ مأساتي وصورَتِكَ القديمَةِ في الجدارِ
فَعُدْ إلَيَّ"
وأنتَ تَبْحَثُ عَن وُجودِكَ في السماءِ وفي التُّرابِ..
وفي فنادِقَ قد أعَدَّتْ ليلَها لِدَمِ المسافِرِ كَيْ يَحُكَّ دَمَ الغَريبَةِ...
أنتَ مَنْ مَلَكَ الكواكِبَ ألفَ عامٍ ثُمَّ غازَلَهُ الرَّحيلُ فهاجَهُ
ومضى إلَيْهِ يَشوقُهُ الأبَدِيُّ في كَوْنٍ مَدِيد..
قد كُنْتَ يوماً ما تُريد
ما زالَ فيكَ الحَرْفُ مؤتَلِقاً يَزُفُّ الرُّوحَ للآمالِ
أنتَ الأرضُ..
أنتَ البَحْرُ..عُدْ...(لا تَعْتَذِرْ إلا لأُمِّك)

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى