السبت ١٢ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨
بقلم سامر مسعود

قراءة إنطباعية في فيلم (لاعب الطائرة الورقية)

تقدم دور العرض السينمائية الأمريكية في هذه الأيام فلم "لاعب الطائرة الورقية". وهو من إخراج الأمريكى مارك فورستر، وأحداث الفلم مأخوذة عن رواية الكاتب الأمريكي خالد حسيني التي تحمل العنوان نفسه.

تظهر شخصية علي، الشخصية المحورية، في بداية الفلم في شقته في كاليفورنيا وهو على أهبة السفر للعاصمة كابول حيث يجري حوار بينه وبين زوجته. وهذا حقق عنصر التشويق والمتابعة لدى المشاهد. ثم ينتقل الفيلم إلى مشهد يتخذ طابع التذكر من خلال استرجاع ذكريات علي مع صديقه حسان في مرحلة الطفولة. علي ينتمي إلى أسرة غنية ذات نفوذ سياسي قوي، يرتدي ثيابا انيقة ونظيفة، ويمارس القراءة والكتابة، ويعيش في بيئة هي أقرب إلى الطابع الغربي؛ فالأسرة تحتفل بعيد ميلاده، تلك الحفلة التي يختلط فيها الرجال بالنساء العاريات، يتبادلون كؤوس الخمرة على صدى موسيقا غربية أو غناء أفغاني هو أقرب إلى النمط الغربي. أما حسان فهو طفل فقير يعمل والده خادما في منزل والد علي، ملابسه رثة، ولا يستطيع القراءة.

تجمع بين الطفلين براءة الطفولة ، يمضيان مع بعضهما اوقاتا طويلة يمارسان فيها لعبة تطيير الطائرات الورقية. وتدخل كابول في مسابقة الطائرات الورقية حيث يفوز الطفلان بتلك المسابقة. ولما يدرك الطفل علي ان حسان من قبيلة اخرى يدبر مكيدة لحسان على اثرها يقرر والد حسان ترك العمل في منزل والد علي متجاهلا رغبة الاخير في بقائه.

تضطر أسرة علي إلى مغادرة كابول بعد دخول القوات السوفيتية متجهة إلى أمريكا. وهناك يعمل الوالد في مهن بسيطة، ويتخرج ابنه علي من احدى المعاهد هناك ، ويتعرف إلى فتاة أفغانية فيسارع الوالد إلى تزويجه اياها الذي لم يمهله القدر طويلا فيموت بعد فترة وجيزة. بعد ذلك تصله رسالة من صديق والده من باكستان يخبره فيها بانه مريض، ويرغب برؤيته هناك. في باكستان يعرض علي على صديق والده السفر إلى امريكا للعلاج ولكن الاخير يرفض ذلك. يخبره هذا الرجل بان حسان هو أخوه من علاقة سفاح تمت بين والده وزوجة خادمه(أم حسان)، ويخبره كذلك بضرورة السفر إلى كابول لاخذ ابن حسان، فحسان قتل على ايدي القوات السوفيتيه الغازية. يتوجه علي إلى كابول المسيطر عليها من قبل حكومة طالبان، ويظهر الفلم الدمار الذي حل بمدينته كابول، وسلبيات حكم طالبان. يعود علي إلى امريكا بصحبة ابن اخيه ، ويتبنى الطفل هناك بعد جدال بينه وبين اسرة زوجته الرافضة لمثل هذه الخطوة. وينتهي الفلم بمشهد علي وهو يحاول ان يعلم الصغير تطيير الطائرة الورقية في حديقة جميلة.

تناول الفلم ، ومن قبله الرواية بتفصيلات أكثر، الحياة السياسية الأفغانية ، الاسلام، الحلول. وسأحاول أن أتطرق إلى هذه المحاور بشيء من التفصيل.

الحياة السياسية الافغانية: أظهر الفلم ثلاث مراحل سياسية في افغانستان: فترة ما قبل الاحتلال السوفيتي، الاحتلال السوفيتي، فترة حكم حركة طالبان:

أ) فترة ما قبل الاحتلال السوفيتي: يغلب عليها الطابع الغربي بشكل واضح من خلال مظاهر البذخ والتحرر التي تحياها اسرة علي. كما ان البلاد تتمتع باستقرار سياسي جعل الناس في كابول يحتفون
بمسابقة الطائرات الورقية. كما اظهر الفلم العصبية القبلية المتغلغلة في المجتمع الافغاني في ذلك الوقت.

ب) الاحتلال السوفيتي: أظهر الفلم هذه الفترة من خلال مشهدين: المشهد الاول يصور الدبابات السوفيتية وهي تدمر وتحرق البيوت، ومشهد اخر عندما يبتز جندي سوفيتي على احدى نقاط التفتيش الحدودية، الافغان النازحين بممارسة الجنس مع احدى الاقغانيات مقابل السماح لهم بالمرور، ولكن يأتي ضابط سوفيتي في الوقت المناسب فلا يتمكن الجندي من تحقيق ابتزازه.

ج) فترة حكم طالبان: تأخذ هذه الفترة حيزا أكبر من مدة الفلم. فهي فترة كارثية ودمار شامل يلحق بالبلاد، حيث تشاهد عصابات المسلحين من حركة طالبان منتشرين عبر الطرقات، ويحكمون البلاد حكما بوليسيا متشددا، وكل من يعارضهم مصيره الموت المؤكد. ويظهر الفلم المشهد الذي تداولته وسائل الاعلام العالمية عندما يتم قتل امرأة رجما بالحجار لقيامها بالزنا في ملعب لكرة القدم أمام حشد كبير من المتفرجين.

الاسلام: أظهر الفلم صورة علي وهو دامي الوجه يبحث عن ابن اخيه حسان الذي فر من البيت في باكستان. تقوده رحلة بحثه إلى مسجد كبير فيدخله بحذائه وهو متوتر وقلق على ابن اخيه الفار، فينبهه أحد المصلين بضرورة خلع الحذاء خارج المسجد، فيقوم بذلك ويعود للمسجد ليصلي، وبعد انتهاء الصلاة تبدو علامات السكينة على وجه علي ووجوه المصلين المغادرين. في نهاية المشهد يجد علي ابن اخيه ينتظره في البيت.

الحلول: يحاول الفلم منذ الدقيقة الأولى حتى النهاية بتفنيد كل البدائل السياسية المطروحة على الساحة السياسية الأفغانية ليتفرد بالحل الأمريكي (النمط الغربي في الحكم).ففترة الاحتلال السوفيتي فترة دموية دمرت البلاد وشردت الأهالي وأذلتهم. ولا يختلف الحال كثيرا في فترة حكم طالبان التي جلبت الحرب الاهلية وقمعت كل من يخالفهم في الراي. أما الحل الذي روج له هذا الفلم فيظهر من خلال شخصية علي؛ فهذه الشخصية المعادل الموضوعي للحل. فعلي الطفل يتمتع بحياة هادئة مرفهة، قادرعلى القراءة والكتابة واحراز الفوز في المسابقات. وعلي الشاب هو الوحيد الذي يملك القدرة على مساعدة صديق والده للعلاج في أمريكا، وهو الذي تمكن من انقاذ ابن حسان وتوفير حياة امنة له أمريكا.

ولم يغفل الفلم من توجيه رسالة للذين يؤمنون بشعارالاسلام هو الحل؛ فالاسلام يمتلك قوة روحية كبيرة، حسب ما أظهره الفلم، ولكن اذا ما تجاوزت هذه القوة حدود المساجد فستصبح قوة مدمرة .


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى