الخميس ٣٠ نيسان (أبريل) ٢٠٠٩
بقلم توفيق الحاج

كلاب..وقطط.. وبني آدمين

في لحظة من لحظات طفولتي التعيسة تمنيت لو كنت كلبا، والقصة باختصار.. أن جارنا الموظف في وكالة الغوث كان يعتبر ملكا غير متوج في مخيم لاجئين،يعاني فقرا شديدا، ولا نملك فيه إلا حكايات الجدات على كانون قشر اللوز عن أيام العز و الحصيدة..!! وحصة تموين شهرية تبيع المرحومة أمي نصفها لتستعين بالقروش القليلة على المصروف..!!

بينما الأستاذ،وكلبه يتمرغان في بحبوحة عشرين جنيها مصريا،في حبن كان والدي رحمه الله يغادرنا حاملا صندوق العدة لإصلاح بوابير الكاز في الصباح الباكر،ويعود في المساء عابسا..منهكا،و مشحبرا،وفي يده بالكاد عشرة قروش يضعها أمام اسرة جائعة من خمسة أفراد.!!

كان جارنا لا يثق بأحد،ويكره أخاه الاكبر الذي حرمه من كليه الطب وهو من أوائل القطاع في الثانوية العامة،وبالنكاية في كل البشر كان يقاسم كلبه غداءه "علبة بولبيف كاملة" علنا أمام بيته،ونحن الأطفال نتأمل المنظر ورياقنا تجري،ونتلمظ مع تلمظ الكلب المدلل الذي أشبعناه حسدا وضغينة،وتمنينا جميعا لو كنا في مكانه،وفي إحدى المرات صرخت طفولتي : هذا الكلب أحسن منا في ايش.؟!!

آآآ ه...لو أن لي حظوة هذا الكلب المعزوز لكنت طرت بنصف العلبة فرحا،وقسمتها بالتساوي بيني،وبين إخوتي الذين لم يجدوا ما يفطرون به سوى نصف رغيف ناشف مع شربة ماء..!!

لا أنسى هذه الحادثة التي دفعها إلى سطح الذاكرة المتوهجة..خبر تبني السيد أوباما كما وعد في حملته الانتخابية لكلب ملون من اسرة عريقة،وقد قامت بالواجب مشكورة عائلة كنيدي..!!

الكلب.. وهو كلب في أمريكا يساوي أكثر من نصف شعب..!!

فما بالكم إذا كان كلب الرئيس..؟!!

أكيد سيكون الأغلى والاهم والأشهر من بعد الرئيس،وأكيد سيكون له مكتبه الخاص وحرسه الخاص واكله الخاص وعالمه الخاص.نياله..!!

تصوروا كم من رئيس،وأمير،وملك سوف يسعون للتقرب من كلب الرئيس بالهدايا التذكارية والماسية والتودد له بالأوسمة،والنياشين،والرشاوى من أجل التوسط لحل مشكلة انخفاض أسعار البترول،أو التعجيل بعقد صفقة سلاح خردة من أجل العرض العسكري السنوى لإمارة طزستان..!!

وتصوروا كم من فضائية ستتابع موتمراته الصحفية وخطاباته التاريخية بترجمة فورية فالجزيرة مثلا ستخصص ثلثي برامجها لتحليل ايماءاته وعلاقة ذلك بحماس وإيران، بينما العربية ستهتم غالبا بمدى دعمه لمحور الاعتدال.!!

عندنا يقول المثل البدوي كلب الشيخ شيخ..!!

،وبالتالي لا يستبعد أن يستقبل كلب أوباما الروساء،والملوك في البيت الأبيض بمفرده نيابة عن الرئيس لانشغال المذكور بعمل عجة بيض مع المدام في المطبخ الوردي،ومن الطبيعي أن يستقبل كلب الرئيس رسميا في عواصم الدول وخاصة العربية منها بحفاوة بالغة لا تخلو من قبل زوجات المستقبلين الحارة،واستعراض حرس الشرف على البساط الاحمر مع 21 طلقة..
الكلاب اليوم في عز ما بعده عز فكل رئيس أو ملك أ و أمير له كلب أو مجموعة كلاب..تأمر وتنهي وتنهب..!!
وخاصة إذا كان الكلب سعيد الحظ ابن حسب ونسب ومن سلالة أصيلة..!!

في أوروبا - ليست مزحة -يدخل الكلب مدرسة خاصة ليتعلم الاتيكيت وأدب الحوار وقيادة العميان و...و....
وفي أوروبا أيضا للكلب جواز سفر..!! وحق أصيل في النزهة مرتين أسبوعيا..!!

نعم للكلب احترام وتقدير في الغرب لم يرقى إليه بعد أي إنسان في العالم الثالث..!!

ولكني بالمناسبة لازلت لا أفهم مفارقة انسانية مضمونها أن أمريكا رقيقة جدا مع كلابها،وفي نفس الوقت قاسية جدا مع الشعوب التي لا تسير في فلكها..!!
من هنا عرفت لم يباع الكلب النادر وصفه هذه الأيام بعشرات الآلاف من الدولارات،بل ربما المئات.. "لانه كلب مربى"..!!
في حين أن مئات الأسر الفلسطينية في غزة لا تستحق ربع هذه القيمة في نظر المجتمع الدولي..!!

إن شعبي الفلسطيني كله مع اعتزازي بالانتماء اليه هو الآن في المنظور الإسرائيلي والأمريكي والتواطؤ العالمي أشبه بمجموعة من الكلاب الشقية الضالة النابحة،منها المسعور،ومنها المقهور،وكلها كان يجمعها حراس البلدية كل فترة في عربة خاصة ويعدمونها بالرصاص دون رحمة..!!

والآن اعرف لم تتمسك السيدة البريطانية الحسناء بكلبها دون زوجها لأنه أكثر وفاءا وعطاء
و الآن أعرف لماذا أوصت العجوز الأمريكية بكل ثروتها التي تبلغ عشرة ملايين دولار إلى كلبها الوحيد.!!

كلب مليونير..،ولا نجوم هوليود،أو بوليود..!!

اللهم لا حسد..!!

وتمشيا مع النسق الكلابي انزلق بالقراء إلى عالم القطط السيامي منها والكانيش،وهنا في غزة..!!
لقد أدهشني حقا رواج تجارة القطط في بلد يقتات نصف أطفاله على المزابل..!!

قطة سيامية ناعمة لا انف لها تقريبا تشبه إلى حد ما نانسي عجرم بيعت بمبلغ عشرة آلاف دولار عدا ونقدا..!!

وقط غريب الشكل أشبه بفلافيو "لاعب النادي الاهلي" أجره صاحبه لمدة أسبوع بمبلغ 4000 شيكل.!!

هذا وذاك يذكرني برجل معرفة.. وجدته يبكي بحرقة عقب نكسة حزيران،فحاولت أن اسري عنه،واخفف ألمه لاعتقادي أن ذلك من فرط حزنه على مادفنا من أطفال ونساء ورجال شهداء،ولكني فوجئت به يبحث ملتاعا عن طبيب بيطري لينقذ عصفوره الأثير من ضعف شهية مفاجئ و هزال ألم به.!!

ضحكت..

واضحك الآن بمرارة..

على زمن الكلاب والقطط والعصافير..

ولا عزاء للبني آدمين..!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى