الثلاثاء ١٦ نيسان (أبريل) ٢٠٢٤

كَأَنَّهَا هِي

مبروك بن صالح السياري

الحُسْنُ أَنْتَ
وَمَا سِوَاكَ تَشَبُّهٌ
بِجَمَالِكَ الـمَنْثُورِ فِي المِرْآةِ
حَيْثُ الْتَفَتُّ رَأَيْتُ مِنْكَ عَلَامَةً
وَإِذَا اغْتَرَبْتُ
وَجَدْتُ عِنْدَكَ ذَاتِي
وَلِأَنَّكَ النُّورُ الّذي آنَسْتُهُ
وَنَسِيتُ أَنَّ النُّورَ
مِنْ مِشْكَاةِ
فَلِأَنَّكَ النُّورُ الّذي آنَسْتُهُ
كُنْتُ اهْتَدَيْتُ إِلَيْكَ
فِي ظُلُمَاتِي!
لَيْلًا.. وَقَدْ طَرَقَ الرَّجَاءُ فَمِي
أَتَيْتُكَ شَاعِرًا
أَمْشِي عَلَى كَلِمَاتِي
لَيْلًا..
أُهَرِّبُ فِي دَمِي شَمْسِي
وَأَقْنَعُ، زَاهِدًا، بِتَوَهُّجِ الجَمَرَاتِ
وَأُرِيقُ مِنْ عِنَبٍ
وَمِنْ نَجْوَى
وَأَحْنُو مِثْلَ صُوفِيٍّ عَلَى كَاسَاتِي
لَيْلًا..
وَثَمَّةَ هُدْهُدٌ فِي الرُّوحِ
قَدْ أَلْقَى عَلَى بَلْقِيسَ مِنْ نَفَحَاتِي
فَأَتَتْ.. تَمِيسُ عُرُوشُهَا
وَتُسِرُّ لِي:
إِنِّي القَصِيدَةُ فَاغْتَنِمْ لَذَّاتِي
كُنَّا أَنَا وَالنَّايُ
نَشْرَحُ حُزْنَنَا.. تَرَفًا
وَمَوْقِدُ جِنَّةٍ بِفَلَاةِ
كُنَّا.. وَقَدْ أَذَّنْتُ:
"حَيَّ عَلَى السَّلَامِ"
وَبَارَكَتْ رُسْلُ الحَمَامِ صَلَاتِي
وَتَكَشَّفَتْ أَسْرَارُهَا الأَكْوَانُ
قُلْتُ: كَأَنَّهَا هِيَ
مَنْ حَوَتْ مِرْآتِي
لَكَأَنَّهَا عُكَّازَتِي فِي التِّيهِ
أَوْ أَمَّارَتِي بِالذِّكْرِ
فِي الخَلَوَاتِ
لَمْ أَدْرِ كَيْفَ سَأُوقِفُ الطُّوفَانَ
فِي أَحْدَاقِهَا
وَالدَّمْعَ مِنْ نَايَاتِي
فَأَنَا عَلَى أَعْتَابِهَا
لَمَّا أَزَلْ طِفْلًا
أُلَاعِبُ وَالدُّمَى كُجَّاتِي
وَأُحَاصِرُ الظِّلَّ الــ
تَفَلَّتَ ثَوْبُهُ
فَالظِّلُّ مَجْبُولٌ عَلَى الإِفْلَاتِ
طِفْلٌ بِعُمْرِ الـمَاءِ
شَاخَ مَقَالُهُ
لَكِنَّ لَثْغَتَهُ مِنَ الثَّوْرَاتِ
طِفْلٌ بِعُمْرِ الـمَاءِ
لَوَّنَ لَيْلَهُ
وَاللَّيْلُ أَنْكَرَ رِعْشَةَ الفُرْشَاةِ!
وَمَضَى يُبَعْثِرُ مَا تُرَتِّبُهُ يَدَايَ
وَيَشْطُبُ الأَسْمَاءَ
مِنْ لَوْحَاتِي
مِنْ أَيْنَ جَاءَ؟
تَسَاءَلَتْ عَرَّافَتِي
مِنْ جُبِّ يُوسُفَ أَمْ جُيُوبِ اللَّاتِ *
فِي كُلِّ طَارِقَةٍ
يُعِدُّ مِسَاحَةً لِلْحُلْمِ
جُودِيًّا.. وَطَوْقَ نَجَاةِ
وَمَتَى اسْتَحَالَ الـمَوْجُ
صَرْخَةَ طَائِرٍ
أَمْسَى دُعَاءً فِي فَمِ المِرْسَاةِ!
حَيْثُ انْكِسَارُ الـمَاءِ
مَحْضُ خُرَافَةٍ
وَاللَّفْظُ أَضْيَقُ مِنْ أَنِينِ حَصَاةِ
حَيْثُ الأُنُوثَةُ
رَغْوَةٌ مَجْنُونَةٌ
تَمْشِي عَلَى سَاقَيْنِ مِنْ شَهَوَاتِ!
وَالرِّيحُ حَافِيَةً
تَعَضُّ يَدَ الخَلَاصِ
وَتَنْحَنِي لِقِيَامَةِ الكَلِمَاتِ
الآنَ
مُطْفَأَةٌ بِلَا سَبَبٍ "نَعَمْ"
وَمُضَاءَةٌ بِعِنَادِهَا "لَاءَاتِي"
حَفْلُ النِّهَايَةِ
كُلُّ عُصْفُورٍ
يُعَلِّقُ صَوْتَهُ الفِضِّيَّ فِي الغَيْمَاتِ
يَعِدُ الخَرَابَ بِنَهْرِ مُوسِيقَى
وَيَعْزِفُ لِلْغَدِ الوَرْدِيِّ
لَحْنَ حَيَاةِ
وَعَلَى القَمِيصِ
يَسِيلُ جُرْحُ قَصِيدَةٍ
كَانَتْ تُرَبِّي مِصْعَدًا فِي الذَّاتِ
طَوَّفْتُ فِي لَيْلِ الحَنِينِ بِبَابِهَا
وَرَفَعْتُ فَوْقَ قِبَابِهَا
رَايَاتِي
حَتَّى كَأَنِّيَ وَالحُرُوفَ
حَجِيجُهَا
وَكَأَنَّهَا، شَوْقًا، حِمَى عَرَفَاتِ *
قَدْ قِيلَ: جُنَّ بِهَا
تَذَكَّرَتِ القَصَائِدُ
وَالتَّذَكُّرُ حُجَّةُ السَّنَوَاتِ!
قَدْ قِيلَ مَاتَ بِسِحْرِهَا
وَحُرُوفُهُ السَّمْرَاءُ
شَامَاتٌ عَلَى وَجْنَاتِ
لَكِنَّنِي مِنْ أَلْفِ عَامٍ
وَاقِفٌ
وَالجِنُّ تَحْرُسُ، خِيفَةً، مِنْسَاتِي! *

هوامش:

*اللَّات: أحد الأصنام المشهورة التي كانت تُعبد في الجاهليّة، "أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالعُزَّى"، قرآن كريم.
*عرفات: جبل معروف في مكّة، تُقام عنده أهمّ مناسك الحجّ في اليوم التّاسع من ذي الحجّة والـمُسمّى يوم عرفة.
*منساة: أصلها "مِنْسَأَةٌ" وقد خُفّفت للضّرورة الشعريّة بأن تمّ حذف همزتها، "مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ"، قرآن كريم.

مبروك بن صالح السياري

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى