الخميس ١ حزيران (يونيو) ٢٠٠٦
بقلم محمد الإحسايني

لوركا

لوركا :

ومضة النور الأبدي.أنى حللتَ بالجزيرة ، يسبقك أريج الياسمين، دعابةُ نسيم بحٍر ، يهب على نافورات غرناطة.
همساتُ غصن، وشايات ِغربان، دعابات ...أنتَ ، تنبذ الحذر ، تألو إلا أن تصمد في مهب الوشايات والأحزان.

في مناجاة الريح:

أيا ريح الجنوب،

يا سمراء ، يا مضطرمة

حلّي في جسمي...

لا شيئ هناك ، تعرت الخرائب!

بقايا من حوافر خيل "لودريغو "

هزؤات، لاتستمريها أرض الفلاحين البسطاء . ..وتمر الريح في غير رغبتك، عكس المنازل والأ فلا ك.

تعوي في أحد مساءات أيار .

كيف تنفذ إليك ؟

طواحين هواء، نير يربط الأعناق ، العضلات قوية،

عرق يتصبب ، د م يخضب جد ران غرناطة ، تعاويذ، رسوم بدائية ، أصوات غجرية...

لوركا ، ايها القيثار الذهبي !

هل بللت الريح زهر البرتقال؟

أيها الريح اهتم بي...والقلب يدور ويدور...

لوركا ، إيقاع ، رددتْ أصداءه شبه الجزيرة.

ملتبساً يهموم الريح،لاطير يفتتح ذاك الصباح ، بوشاية هزيع الليل ، ولا أثر لوسوسة أسورة الغيد، وفحيح الصنوبرات.

آهٍ ياغرناطة!

من أين تأتي ريح الشمال وُد ّبها الأبيض ؟

كلما حل شهرأيار، قطعت الخطاطيف المهاجرة أسوار غرناطة، وسعى إليك النسيم يلف أطرافك في رداء مرابطي.

ياريح الشمال، أسري في جوانحه!

غرناطة ! تنهيدة الكمان ، وشكوى الزمان !

لوركا ، وردة مهربة من ويلات المغول ، مد سوسة بين حاملات النهود، شربة ماء زلال، كلمة تحت جنح الليل .

المجد للشعر!

ياريح الشمال حلي فيه ! درْ أيها القلب ...

المجد لكلماتك التي هزت صروح لودريغو...

وساد ظلام تلك الجنان وأنت شمسها.

لاحت فينوس في فجرها، و فجورها المشاغب، تخطف من إشعا عك قبل تباشيرذلك الصباح ، غارت من لونك القمحي.

ياريح الشمال ، أسري في لحمه ليرتعش ، ليرتعش من سياط قطبية!

آهٍ غرنطةَ!..ياتنهيدة الكمان ، وشكوى ذاك الزمان !

لوركا : وردة مهربة مد سوسة بين حاملات النهود، شربة ماء زلال.

لا شيئ بعد ذ لك سوى كلمة ، كلمة تحتضنها أجنحة ملائكية ، وبقايا كأس معتقة متباد لة.

المجد لشعرك!

أيا ريح الشمال : ُهّبي شيئاً من عنايتك : دُ ر أيها القلب، دُ رْ أيها القلب ...

المجد لكلماتك !...

ساد لودريغو، ساد الظلام...

انطفأت فينوس في قمة الجبل،

اياريح الجنوب : اجعلي القمر أحمر بخيال لوركاوي،

غارت منه وعليه فينوس، نداء تلونداء...

يناجي في الأعماق ، إيقاعات الناي الشرقي ، ُيمد د إمارات فضائه شعراً.

في غسق صباحي، تنبثق تباشيره في قعر الكأس.

ارتمِ في حضن عمر الخيام ، في الروض الشرقي المكتنف بالأسرا ر، وانسج قصيد الحلم، الحلم المشّبع بليالي شبقية، وفاتنات الشرق العتيق!...انعم بالقبلا ت والدعابات ، ملفوفاً بقماش العشق والمنمنمات الفارسية.

أيها القيثار الذهبي!

تغنيتَ بأوجاع وورود علـى جسدها؛ عيناها هي الموت ، والبحر الذي تحب، وأطرافها الأخرى ...

ذاك ظل ُعمرخياٍم في سالف الأزمان!

أيها القيثار الذهبي !

يامعطراً حلمه بأ قمشة الجزائر ودمشق، هاتها لحناً سرمدياً من تخوم ونجود هوًى عظيم !

أيها القيثار الذهبي !

الأشجار أورقت ذلك الصيف في ربوع الأندلس ، والزيتون في حجم عين فرعونية، والعنب يفوق الحصر.
غرناطة في حجم كوكب سماوي .

يا ألله!

كم ترهقنا هذه الكلمات، كم يرهقنا السفر عبر الظلال!

لوركا : ياكبد الشعراء ...

وتبيت ليلتك غير مرتعب،

ولو أن النبوءات اللا معة خطرت ، ولو أن تضايقاً ما ، حل بالقلب...

من الطارق ؟
مند يل معطر ، تحية مكتوبة بطريقة سرية ، بمد اد سحري يستعصي على هولاكو .

... ويمتد بك العبير القدسي، ترّد :" لماذا البعد والتناسي، وأضغا ث الأحلام ؟أيتها الزنبقة البرية المنبثقة بين الحواشي والطفيليات، كوني لي! لن تصل إليك الجرذان ".

... ويمضي ردك مع النسيم محلقاً فوق نجمة الفجر. " ماشأن الناس في مدريد ، قرطبة ، فلنسية ، ألمورسية ، وقاديس ؟" لاشك أنهم مشغولون بالحب الجسدي ، يتبادلون التعازي والتهاننئ، يلفون يومهم بضحكات صفراء .وسيأتي بيكاسو ليهجر قصور التفاهة ، وضواحي وشايات الغربان، وتخوفات السحرة، ورعاية الكاريزمات .

" وقسّ الفرية ؟"

" هادئ القسمات ".

ولكنك بعدُ ، رقم في سجلاتهم ، شبح كان يصيح فوق الخشبة :الأرض للفلاحين!

كان شبه الجزيرة سيبقى بلا فنانين ، ولا شعراء، ولارسامين ولا نحاتين.

وتبيت ليلك غير مرتعب ، ولكنك ترتقب طارقاً مجهولاً...

 من بالباب ؟

صديق عزيز : كم انت سعيد غارثيا، إذا أنشدت ، وإذا تنهدتَ!

لاتُغلق الباب ، الطرْقات كثيرة. لقد حشروا شراذمهم في مكان ما، يعبرون الآن أرباض غرناظة . منذ ايام تدور الوغى، يتكئون على جثث ، يدوسون ، يركلون ، يقذفون ، يقتلون ، يقطعون الأشلاء...

المجد لشعرك !

ليحفظ الرب شرفنا :هكذا كانت توسلاتهم ، صهيل خيل عربي ،أنفة أندلسية ، وشكاسة سمراء تسري في الشرايين، عطر شرقي مغمد في الأنفاس . وتتسع حدقات العيون ، يتجلى ذلك في جدران غرناطة وقبابها

وأبنيتها.

يأتي العسس ، يتعرى صد ر المدينة .يبحثون عنك : وردة بين نهود العذارى ، في عبير ضفائرهن ، القرنفلية ، في الأرض ، في مظاهر الكتب العتيقة.

كان لوركا...

مضى عبيرَ آخر يوم ربيعي...

ها أنت يا حبيب الشعراء تمشي متوجاً فوق خوذاتهم الصد ئة، مزهواً في عرش الشعر : " تحيا إسبانيا ، يحيا لوركا


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى