الأربعاء ٢٣ نيسان (أبريل) ٢٠٠٨
في حوارمع الكاتب البناني علي دهيني

ليس هناك مفكّر خليجي وغير خليجي

حوار: منال رمّال

 المرأة نـدٌ للرجل وليست مجرّد تتمة
 المتلقي العربي يتعرض لأعنف عملية إبادة لثقافته
 للثقافة العربية جذور واحدة

علي دهيني كاتب لبناني، تحدث وكتب في العديد من الموضوعات الثقافية والاجتماعية.. والسياسية، وهو اليوم يشغل منصب مدير تحرير مجلة " دليل الكتاب" التي تصدر عن ديوان الكتاب للثقافة والنشر في بيروت. التقته مندوبة "مشهد الفكر الأحسائي" في بيروت، في حديث تناول الموضوعات التي تصدى لها الكاتب وتقييمه ورأيه لما يجري على الساحة الثقافية العربية اليوم. ودور ومكانة المرأة العربية والخليجية.

رأي من منظور ثقافي *

- ما هي نظرتك للمشهد الثقافي والحركة الثقافية في العالم العربي وتقييمك له؟
 يتخذ المشهد الثقافي حالتان هامتان:
الحالة الأولى في المشهد الثقافي اليوم أنه يبدو أكثر شمولية على مستوى الشارع العربي بوجه عام. وفي الخطوط العريضة. في المشهد الثاني أنه بدأ حالة من التجاذب فرضت نفسها بنتيجة التنوع الثقافي الذي يأخذ وجوها متعددة المصادر لجهة الروافد التي يعود إليها الكثيرين من المتعاطين في الشأن الثقافي كمراجع أو مرجعيات ثقافية لها دورها بشكل عام.

- ماذا تقصد بالمشهدين.؟
 يظهر شبه نزاع صامت ما بين المشهد الثقافي المرتبط في جذوره العقائدية أو التراثية، وبين المشهد الثقافي التغريبي الذي نراه في هذه الفترة. وهذا الأخير، يحاول أن يثبت وجوده من خلال مفهوم الانفتاح على الآخر، فيُغرق المنابر المتوفرة له، بنقل ما حمله من منقولات هذا الغرب. وللأسف نرى أن كِلا المشهدين، بات يحاول تجاوز الآخر دون أن يلتفتا إلى الضرر الذي يشكلانه على المتلقي من الأجيال الشابة، حيث أنهما يساهمان في تشتيت العقل الناشيء ويفقدانه المرجعية الصالحة في بناء شخصيته الثقافية.
إذن، هناك مشهد ثقافي يتماهى مع الثقافة الموروثة. وهناك مشهد ثقافي يحاول أن يتجانس مع المكتسب الثقافي الحديث.
بوجه عام، الحركة الثقافية في العالم العربي اليوم هي حركة نشطة وبدأت تأخذ دورها بشكل فاعل ومؤثر بدليل استجابة المتلقي والمتابع في شتّى المنابر الثقافية أكان المنبر مقروءً أو مسموعاً أو مرئيا.
في إعتقادي أن المشهد الثقافي العام اليوم، هو أفضل بكثير مما كان عليه قبل عقدين.

- تصف المشهد الثقافي بالأفضل رغم ما يقال عن تراجع مستواه لناحية المضمون، وإن كان يشهد حالياً زيادة في الكم؟
 للأسف، المضمون الثقافي العام مشكوٌ منه الآن على ألسنة الكثيرين وبأن هناك كمّ لا نوع. المتساءلون محقون لهذه الجهة. بمعنى أن هناك الكثير من الطروحات الثقافية المبتذلة إذا جاز التعبير، تتعاطى في العموميات والقشور دون التصدي للمضامين الثقافية الهامة في البناء الاجتماعي. لذا نجد أن الكثير من المنابر الثقافية المرئية بشكل خاص، تركز على بعض الشكليات المكتسبة من ثقافات ومجتمعات أخرى وتطرحها أمام المشاهد عيناً وسمعاً بما يشكل حالة القصد منها خلق نمطية جديدة في سلوكيات الأفراد، مما لا يمكن معه الربط بين الموروث الثقافي الذي علينا أن نطوره ليتكيّف مع العصر الحاضر، وبين فرض حالة نمطية معينة تخدم ثقافات مستوردة وغالبا ما قد تتناقض مع موروثنا الثقافي.
من هنا يمكن تأييد الرأي القائل بأن الكم غلب النوع في هذا المجال.

- أين المتلقي العربي في وسط هذا التجاذب.؟
 في اعتقادي أن المتلقي العربي اليوم يتعرض لأعنف عملية غزو ثقافي تحاول ان تمحي ذاكرته التراثية وتجعل بينه وبين روافده ومناهله الثقافية حاجزاً نفسياً، إغرائياً ومعيشياً، من خلال هذا الوجه التغريبي. وبدأنا نرى ونلمس تأثير هذا الغزو من خلال نقل نمطية التفكير الغربي إلى ممارساتنا اليومية. وليس بالضرورة ان يكون هذا الغز عبارة عن محاضرة أو دراسة، فلو كان الأمر يتعلق بالدراسة والبحث، لكان تبادلاً ثقافيا وليس غزواً، ولكان تطويراً للثقافة وليس تبديلا لها. الذي يحصل أن هناك غزو من نوع آخر يتسلل من خلال الفيلم السينمائي والمشهد والمسلسل التفزيوني بحيث نلحظ ان جميع هذه الأفلام والمسلسلات لا تقدم أية موضوعات جدلية حقيقية في العلاقات الإجتماعية التي تهم حياة الإنسان، إنما تتناول بطريقة خبيثة إظهار نمط الحياة في تلك البلاد وطريقة التفكير وكيفية الحصول على المراد بأي ثمن. وأخطر من هذا كله هو العلاقة مع الآخر بمفهومها المادي والعنيف، هذا العنف يفقدها أهم ما ترتكز عليه ثقافتنا المستمدة من العقائد السماوية، وهي الأخلاق. ونرى كيف انهم يقدمون لنا حتى العلاقة الزوجية على أنها عقد شراكة مادي وليس رباطاً مقدساً يقوم على الإحترام المبني على الأخلاق. والأخلاق في ثقافتنا هي الأساس وهي المنطلق لأنها تنبعث من الضمير العقائدي وتعود إليه.

- ماذا عن نظرتك للحركة الفكرية في الخليج تحديداً؟
 لا شك أن الحركة الفكرية حركة ناشطة جداً وفاعلة في آن، لكن الثقافة العربية بشكل خاص ذات جذور واحدة، لا يجوز لنا أن نفككها جغرافياً بحيث نتحدّث عن النشاط الفكري أو التفاعل الثقافي بالخليج دون مناطق العالم العربي الأخرى. ومع ذلك إرضاءً للسؤال، شخصياً أبدي إعجاباً كبيراً بالجيل الصاعد الجديد من شباب هذه المنطقة الذين يؤكدون متانة التزامهم في ثقافتهم وبذات الوقت درجة الإنفتاح الكبيرة على الثقافات الأخرى كإكتساب معرفي. وأعتقد أنهم من خلال استعمالهم المنبر "الالكتروني" (الانترنت) حديثاً، تمكنوا أن يخلقوا مساحة ثقافية أوسع ونشاطاً تبادلياً مهماً وفاعلاً في كل المجلات الثقافية، وبخاصة الأدبيات من الشعر والنثر.. وصولاً إلى الترجمة التي لها أهمية كبرى في المكتسب الثقافي، من والى لغات أخرى، ومن يتابع هذه الأعمال سوف يجد متعة كبرى على هذا المستوى.

- ما مدى تأثير هذه الوسائط الالكترونية وأهميتها؟
 أهميتها أنها خلقت حالة من التواصل الهام جداً بين كافة الشباب العربي، كعلاقات على المستوى الشخصي، أو التبادل الثقافي، وفي كثير من الأحيان، حفّزت التواصل على صعيد التنقل بين هذه الأقطار، والأهم أنها فتحت بينهم آفاقا معرفية يتبادلون فيها الآراء. أنا شخصياً تواصلت مع كثيرين عبر هذه المنابر، وأصبحت بيننا صلات مهمة على مساحة الوطن العربي كله مغربه ومشرقه. واستفدت من الآراء التي نتبادلها كثيرا. أيضاً العديد من الزملاء الإعلاميين بدأوا يولون هذا المنبر الاهتمام الكبير لأنه أتاح مساحة أوسع للحوار والاطلاع، وأصبح لهم مدوّنات يمكن العودة إليها بأي وقت. وخير دليل هذا المنبر الذي نطل منه على كثير من الزائرين له.

- هل التفكيكية هي في المجال الثقافي فقط؟
 أبدا، هي تطال كل مجالات حياتنا ومجتمعاتنا بروافدها العربية الأصيلة، منذ الحكم العثماني التركي الى اليوم، من الكيانات الجغرافية، حتى في العلاقات بين الفئات داخل الكيانات. أنظري الى ما يجري مثلاً في العراق وفي فلسطين وفي لبنان وفي كل الأقطار العربية. مثلاً الكيان أو الدولة التي يمكن التسلل لها عبر العرقية تجدين أن الغزاة يذرون قرنهم في استفزاز العرقيات، وفي آخر من خلال تحفيز العنصر الطائفي، وكذا في غيره من خلال التنوع المذهبي، وحتى من خلال استفزاز الأنظمة بمواجهة بعضها بعضاً.. وصولاً إلى التأثير في العادات والتقاليد. وأعطيك مثلاً من نفس المملكة العربية السعودية ذات النظام الواحد مع تنوع المذاهب فيها، فمثلاً في الموروث الإجتماعي والديني يتم غرس مفهوم التمييز والتفكيك عبر أمور يصعب تصديقها، على أساس أنها تبدو غير ذات اهتمام، فعلى سبيل المثال وجبة "الكبسة" يتم تحضيرها بمجموعة مطيّبات في جنوب المملكة غير ما يستعمل في شرقي المملكة، وهكذا يأتي العقل المفكك، فيستغل مثل هذه الوقائع ليعمل عليها، يغذيها ويظهرها الى الألسن تندراً كي تتداولها، لأنها بحسب مخططه، تضمن له وجود حالة نفسية جاهزة من التنافر والتنابذ المكبوت، والذي سرعان ما سوف يظهر في أي مجال آخرنتيجة خلق أرضية فهمية له، لأن القصد هو تغذية الذهنية التفكيكية. وقيسي عبر ذلك على أمور كثيرة.

- لكن هناك تقييم ورؤيا لا بدّ منها عن الانتاج الفكري الخليجي؟
 أشرت في السؤال السابق إلى أن المنطق التفكيكي الذي يتم غرسه في العقل العربي يعمل بأن يكون هناك مفكر خليجي أو غير خليجي لنفهم فيما بعد أنه يعني هناك ثقافة في الخليج غيرها في بلد عربي، هذه من الموبقات التي استحكمت في ذهن القارئ – المتلقي العربي. بحيث نقبِل فيها كمنطق طبيعي: " نحن" و "أنتم".. والسبب ما ذكرته قبلا بأن عقلية التفكيك أدخلت في كل شيء، هذه النمطية من التفكك باتت تطال العديد من مرافقنا الثقافية وغير الثقافية في عالمنا العربي مع الأسف. وعليه، رداً على سؤالك، في ذات السياق، فالمفكر الخليجي هو الآن موجود على مساحة الوطن العربي بكامله كأي مفكر عربي آخر، له إبداعاته وبصماته ويشكل دون أدنى شك، رافداً مهما في تزويد المتلقي بمناهل مهمة في موضوعات مختلفة، وإن كان من تمييز، فأنا أميّزه بأصالته، بالتزامه بتراثه الحقيقي وهذا في منتهى التقدير والتثمين لنتاجه. ولن أدخل في الأسماء حتى لا تخون الذاكرة إسما.

- المنطق ليس تمييز، فالجغرافيا أوالبيئة تنعكس على نفس الكاتب وما يكتب من بلد لآخر (الخليج، مصر، لبنان...)؟
 ربما.. لكن البيئة هي تفصيل في مجال النتاج الفكري أو موضوع من موضوعات عدة، وعند مناقشتها قد ندخل في توصيف بعض الحالات ونسلط الضوء عليها بغية توحيدها في الاطار الثقافي العام، بغرض جمعها وإعادة لحمتها. أما إذا أخذنا البيئات العربية لدراستها وتحليلها لا شك ان الباحث والمفكر والناشط في أي بيئة هو أكثر قدرة على محاكاة هذه البيئة.

- الاعتراض على اللفظ إذاً؟
 اللفظ مهم .. فهو يحدد اتجاه التفكير. مثلا في اللغة الانكليزية تلفظين المذكر والمونث في ذات الكلمة، الذي يفرق بينهما المضمون الآتي من التثنية أو الإشارة. هذه الإشكالية يحكمها المصطلح لأن المصطلح ـ أي مصطلح ـ يحمل في طياته الكثير من التوجّه الفكري، حيث أنه يتم البناء عليه من خلال مضامينه. الإنسان مثلا مصطلح، فكم يحمل من مضامين؟. فإذا كان هذا المصطلح فئوياً أو مناطقياً، عندئذ لا بد للفكر أن يتأطر داخل هذا المصطلح. بمعنى لو فكرت كسعودي أو مصري... في هذه الحال لا بد أن يكون تفكيري وحديثي منحصراً في هذه البيئة الجغرافية أو الحيز الثقافي.!! أنا أفهم الثقافة العربية كلّ متكامل لأن الفرد العربي هو واحد حيثما كان من خلال لغته وروافده الثقافية.

حول المرأة *

- كتبت الكثير عن المرأة في الفترات الماضية وكان الصدى قوياً، لماذا توقفت عن معالجة الموضوعات الاجتماعية والخاصة بالمرأة والأسرة.؟
 أنا واحد من كثيرين غيري يؤمنون بالمرأة، وإيماني بها ينطلق من قناعاتي لدورها الرسالي الحقيقي، بدءً من كونها الطريق الى الحياة وصولاً إلى أنها المؤسس المتجدد للمجتمعات. وللأسف هي في بعض الكيانات الجغرافية او بعض البيئات في مجتمعنا العربي بخاصة والإسلامي عموماً، تعامل على أنها تتمة بينما هي بالوقع ندّ بكل ما في الكلمة من معنى، والإسلام في حقيقته أعطاها هذه الندّية. إن التعامل معها بقسوة وشدة وتقييد حركة مطلقة أمور غير مبررة بالمنطق الإنساني، وهذه في الحقيقة من العادات والتقاليد القديمة والجاهلية وهي التي ندعو إلى تطويرها. ولا أنكر هنا الدور الهام للرجل، بالعكس، أنا أؤكد أن الرجل الحامل في عقله وعياً ثقافياً أياً كان مصدره عقائدي أو فلسفي، على المستوى الفردي، يعرف أن المرأة ندٌ له وشريك، ويتعامل معها من خلال القيم الإنسانية، لكن حين أتحدث عن الإفتئات استحضر واقع التمييز الإنساني على مستوى القوانين المرعية.

- آلا تتحمل المرأة مسؤولية في هذا؟
 وأيضا أحمل المرأة مسؤولية لكن بحدود ما يتاح لها من فرص التحرك، وتوفّر إمكانات النضال وأدواته التي أولها تلقي العلم ونهل المعرفة، لأنها عليها مسؤوليات أساسية، فهي مسؤولة عن تنشئة الأجيال لما تمثله من دور رسالي أفعل في الحياة الاجتماعية، ونضالها ومسؤوليتها لا يجب أن تقتصر على تحقيق مطالبها، بل عليها أن تبدا كذلك من بيتها من خلال غرس مفهوم الحرية والندّية، وهذا أكبر إنجاز يمكن أن تقوم به، لأن ألأجيال في عمر التاريخ لحظات، فلو عملت من خلال هذا الوعي وربت أولادها على مفهوم الحرية والندّية، لتبدّلت الأحوال في أقل من ثلاثة أجيال. ولست مع المرأة التي أغدقت أو افرطت في تقديم الشكوى، لأن الشكوى أحيانا تظهر الضعف، وتظهر حالة من الإستجداء تزيد في تعنت المستجدى ونرجسيته، وهذا خطأ كبير. الكمال الإنساني يوجب لها التمتع بما يتمتع به الرجل أيضاً. ولا أرى أن الرجل أكثر منها تحملاً لمسؤولياتها على المستوى الشخصي أو الحصانة الإجتماعية إذا توفرت القوانين الحافظة للحقوق.

- هذا دورها في الأسرة، وماذا عن المجالات الأخرى؟
 علينا أن نستفيد من جهدها في البناء الأسري كأم وفي المجال الإجتماعي كقوة وقدرة على المساهمة في مجالات كثيرة في الحياة العامة التي يمكن أن تكون فاعلة فيها أكثر من الرجل. في التربية ، في الصحة، في الإدارة.. فلو أتاح القيمون على أنظمة الحكم الفرصة لها في المشاركة الفعيلة واستفادوا من الوقت الذي تصرفه في سبيل المراجعة والمتابعة كي تحصل على موافقة من نظام البلد الذي تعيش فيه على أبسط حقوقها المدنية، لعرفوا حقيقة ما يملك هذا الشريك في الانسانية من قدرات.
أجمل ما في الشراكة هو ان يقوم كل واحد بما هو مؤهل له طبيعياً ووظيفياً في الحياة الخاصة، لكن في المجتمع فالمسؤولية على الإثنين معاً. ولهذا يجب ان يتمتعا بذات الحقوق.

- كيف ترى وتقيّم حراك المرأة الخليجية لناحية العمل والانتاج الثقافي؟
 حكايتي مع المرأة والرجل لا تختلف في المفهوم والرؤية. وكما أسلفت سابقاً أولاً أنا مع التمييز الإنساني بالنوع ولست أبداً مع التمييز العنصري أو الجنسي (الناعم – الخشن). هذا يعني أنني لا أؤمن عطفاً على ما سبق أنه هناك إمرأة خليجية أو غير خليجية. ربما هناك إمكانات أتيحت للمرأة العربية غير التي تعيش في الخليج، أتاحت لها الخروج لممارسة بعض الأدوار قبلها، لكن في المعطى الحقيقي المرأة العربية هي ذاتها حيثما كانت في داخل هذا الوطن.

- لكن أليست الحرية المعطاة لها في مجتمعها أضيق من تلك التي تتمتع بها المرأة في غير الخليج؟
 نعم.. أؤمن أن هناك إمكانات توفرت للمرأة العربية خارج الخليج العربي لم تتوفر الى فترة قريبة داخل الخليج العربي وبخاصة في مجال التحصيل العلمي. من هنا لو توفرت هذه الروافد والإمكانات للمرأة الخليجية في ذات الوقت، لوجدنا أنها لا تتفاوت مع المرأة في أي مجتمع أو بيئة عربية أخرى، ولانتفت أي إشكالية. لذا أنا ضدّ التصنيف بين إمرأة خليجية وغيرها. أو أن اقول أن المرأة في الخليج اليوم تطورت، بل أقول أن بعض الحقوق المغتصبة لها، استردتها وها هي تنطلق مثلها مثل الباقيات في العالم العربي، عطاءً ووعياً ومسؤولية.

وسياقاً مع السؤال إذا كان القصد إنتاج المرأة الخليجية، ففي الفترة الأخيرة، من الناحية الثقافية، لا شك أننا نلمس الكثير من الإبداعات الفكرية والعطاءات الاجتماعية التي أثْرت وتثري بشكل تصاعدي، حالات النمّو الاجتماعي والثقافي في هذه البيئات الاجتماعية الخاصة بها. والأمثلة كثيرة اذا ما نظرنا في عناوين الكتب، وبخاصة في مجال الأبحاث والدراسات العلمية وفي مجالات الأدب، رواية، شعر، فنون. وهي تملأ واجهات المكتبات وكذلك برامج ونشاطات النوادي الأدبية والمراكز الثقافية.

- هل يمكن تحديد أسماء ناشطات خليجيات؟
 الافضل ألاّ ندخل في الأسماء، بل لنأخذ بعض الموضوعات في سياق السؤال لأقول أن العطاءات الثقافية التي تقدمها المرأة اليوم العربية هي من العلامات البارزة جداً في الحقل الثقافي بدليل أن الرواية العربية الآن تتصدر قائمتها المرأة، إضافة الى النشاطات الثقافية الاخرى كالشعر والنثر وبخاصة في المجال الإعلامي. أيضاً مساهماتها في الحقل الاجتماعي بارزة جداً من حيث إنشاء او تفعيل جمعيات التأهيل المدني ـ التوعية المدنية ـ وما يتعلق بهذا الجانب من نشاطات. ولي تواصل مع مبدعات من الخليج وخاصة من المملكة العربية السعودية، أعمالهم فعلاً تبهج النفس نسبة للأوضاع التي يعيشون فيها في بعض البيئات، وما يسعدني هو أنني في ذات الوقت اتواصل مع ناشطات من المغرب العربي عموما، نتحدث في نفس اللغة ونتبادل ذات الموضوعات في النقاش والتحليل، وهذا يثبت ما أشرت إليه لجهة عدم التفرقة.

- تقصد الأدب النسائي كما يسمونه؟
 إطلاقاً، قلت واكرر دائما في كل مناسبة، أنا لا أميز بين المرأة والرجل في أي مجال خارج الإطار الطبيعي التكويني فقط، وما تبقى لا تمييز فيه. هل الكلمة عند المرأة غيرها عند الرجل في الرواية أو القصة أو القصيدة أو البحث؟ فلو حذفنا اسم المؤلف عن أي عمل، فهل يمكننا التمييز بين كاتب وكاتبة. تاء التأنيث ونون النسوة لها مكانها في ألفاظ الخطاب وأحرف النداء فقط.

- كيف ترى دور المراة في الأسرة العربية اليوم، لناحية تطوره وفاعليته؟
 دورها في الأسرة كما هو عبر التاريخ. هو الدور المحوري الأول لما تمثله في حياة الأسرة والمجتمع عموماً.
في أي حديث عن الأسرة يعني مباشرة الحديث عن المرأة: الأم، الأخت.. عن العنصر الأنثوي بشكل عام داخل الأسرة. موروثنا الثقافي يعتبر إنّ الأخلاق هي المكون الاوّل لشخصية الإنسان، والأم الواعية المثقفة هي التي تصقل بوجودها شخصية أفراد أسرتها وتجعلها شخصية متكاملة وفاعلة، وذلك عبر موروثها الثقافي الذي يقوم على الأخلاق. إذن من يزرع هذه القيم في الذات الإنسانية هي الأم: المرأة. لهذه الناحية نجد أنّ المكون الأوّل للأخلاقيات هو الرباط العاطفي. وهو نواة العلاقة الأولى مع الآخر التي هي الأم عند الثغاء الأول. وهذا الرباط العاطفي تمثله المرأة في داخل الأسرة والمجتمع. والعاطفة كإسم تجريدي، ليست بين الزوجين أو بين أفراد الأسرة، وكما هي في علاقة الحب. بل هي المنطلق وهي التوأم للأخلاق التي هي التهذيب في المعاملة والعلاقة مع الآخر.

أتذكر الآن مشهدا من فيلم يحكي مرحلة عن الحرب العالية الثانية، في آخر مشهد من الفيلم يخاطب أحدهم السائر إلى جانبه بالقول: أتحب زوجتك؟.. إذا كنت تحبها لا تنظر إليها بوجه مقطّب وأحضر الحطب (القصد أي حاجة للبيت) للبيت قبل أن تطلب منك، وحين تعود من الحقل أحضر لها معك وردة. وهذا يختصر الكثير من المواقف الجدلية في مفهوم العلاقة بين عمادي الأسرة. المرأة الأم هي الركيزة الأساس في بناء الأسرة والرجل هو الدرع الذي يقيها. بقدر سعادتهما يسعد المجتمع.

- هل هناك حدود لتناقل المعرفة عربياً؟ وما هي معوقات التواصل المعرفي بين شعوب العالم العربي؟
 المعوقات هي من أخطر ما يواجهه المجتمع العربي اليوم. السبب في ذلك اختلاف الأنظمة السياسية القائمة ضمن الحدود الجغرافية التي تقسّم العالم العربي الى مجتمعات متعددة أو بيئات متنوعة.

وهذه المعوقات أدواتها سياسية بالدرجة الأولى، لأنّ الأدوات التي تستعمل لوضع فواصل وقواطع ومنع المشترك الثقافي تقتل هذا التواصل وتمنعه. تحديداً أذكر منها الرقابة وأجهزتها على كل روافد ومناهل الفكر التي يجب أن تكون مفتوحة ومنفتحة على كل البيئات العربية مشرقاً ومغرباً. لانه من حق الفرد العربي أن يتواصل مع إبن ثقافته حيثما وجد، فيما أدوات الرقابة تقطع التواصل وتمنع العقل العربي من التنامي الموحّد والتفاعل المطلوب.

ولكن استدرك هنا لأقول أن الوسائل الحديثة لنقل المعلومات عبر المنابر الألكترونية تجاوزت إلى حد ما هذا البتر وبدت حالة التواصل أشمل وأفعل.

حوار: منال رمّال

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى