الثلاثاء ٢٦ آذار (مارس) ٢٠١٣
بقلم رينا ميني

ما بين الثرى والثريا

علّمونا في الصغر أنّ الربيع هو أجمل الفصول، فيه الزهور تتفتح وترتدي الأرض من جديدٍ ثوبها

الأخضر إستعداداً للعيد والبهجة، وفيه تعود أسراب الطيور لتزيّن السماء والأشجار. كبرنا على

هذا الوصف وصدقّناه إلى أن جاءنا ربيعاً مختلفاً بعيداً كلّ البعد عمّ تعلمناه.

في عصر العلم والكنولوجيا الحديثة، في عصر التطّور اللامحدود، زارنا "الربيع العربي". ربيعٌ ما

تفتّح فيه إلاّ أجساد الناس المرمية أشلاؤها هنا وهناك، وما ارتدت فيه الأرض إلاّ ثوبها الأحمر،

أحمر الدماء السائل على الطرقات، وما عاد فضاءنا إلاّ النسور الثاقبة العيون على الجيف.

هو ربيع صاخب، تضجّ فيه أصوات الأنين وصرخات الثكالى ويهدر فيه صمت القتلى. ربيعٌ حزينٌ،

تتساقط فيه العبرات كوابل المطر في ليالي الشتاء الباردة، وتتأوه الدنيا آهات السكارى على

عزف الصراع والقتال. قيل أنّه الثورة على الفساد، والتصّدي للظلم، والوقوف على عتبات زمنٍ

الإصلاح والحريّة. وقيل أنّه هو الحياة الفاضلة التي نادى بها "أفلاطون" و"الفارابي"، وهو الذي

سينشر العدالة في الأديم كلّه من أقصاه إلى أدناه.

بيد أنّ أوّل ما هلّ به هذا الربيع، أسياده. وحدّث ولا حرج عن صانعو هذا الربيع، إن كتبنا فيهم

حقيقةً، ما كفّتنا مجلّدات الدنيا. سلوا التاريخ عنهم، فهو أدرى منّا بهم، هو يعرفهم حقّ

المعرفة، فلطالما سجّل ودوّن أفعالهم ولطالما شهد على نواياهم.

هذا ليس بربيعٍ، هذا خريفٌ مبشّرٌ بأقصى الويلات والمحن. أنظروا جيّداً من حولكم، أترون هؤلاء

الأطفال المشردين هاربين من القذائف والدمار؟ هل ترون فيهم مستقبلاً أنبياءً وقدّيسين، أم

ترون فيهم بشر يملؤهم الحقد ويعميهم الغضب من كثرة ما عانوا وعاينوا؟ هل ترون تلك النسوة

اللواتي فقدن أزواجهن وأولادهن وعائلاتهنّ، أتنتظرون منهن بعد اليوم الزغاريد والضحكات

المجلجلة، أم تنتظرون منهن مزيداً من الحرقة والأسى؟ وعلام تتكلون أن يعلّمن أطفالهن،

أيعلمنهم التسامح والمحبة أم البغض والكراهية؟ وهل ترون أولئك الرجال الذين ما كفتهم

أحمالهم فزادهم الربيع المزعوم أثقالاً تعجز الجبال عن رفعها؟ هل تتخيّلون الأجيال الآتية بعد

هذا الربيع الخادع؟ أترونهم أصحاءً ناعمين بالعافية بعد كل ما يستنشقونه من سمومٍ؟ أم

ترونهم عقلاء تلبسهم الحكمة والرزانة بعد كل ما يشاهدونه من قتل واقتتال؟

هذا ليس بربيعٍ وهذه ليست بثورة، الثورة لا تقتل ولا تدمّر، الثورة تبني وتحيي الإنسان. نعم

للثورة أثمانٌ وضحايا، أصحابها يقدّمون أرواحهم فديةً للوصول إلى الحريّة إنمّا خريفنا أسياده

يقدّمون أرواح الأبرياء ذبائحاً في معابد مصالحهم. سلوا التاريخ عن الثورات، سلوه عن ثورة

السود، عن ثورة الجزائر عن الثورة الفرنسية عن ثورة مصر، وسلوه عن "تشي جيفارا" عن

"ملالا يوسف" وهو يخبركم عن حقيقة الثورات. وسلوه عن الثائر الأعظم "غاندي" الذي فيه

تتجلّى كل معاني الثورة والربيع. وبعد، أحكموا بأنفسكم وكونوا عادلين، أربيع كتب القراءة هو

هو الربيع العربي؟ أم إنّه خريفٌ مدجّى بالطمع والغشّ والغدر؟

ربيعنا فراشات تلوّن الحياة و زقزقة عصافير على الغصون، وربيعهم يفرش الشوارع بالأسود

لصاحب الجلالة، الموت.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى