الثلاثاء ٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨
في حوار مع المخرج فيصل الزعبي:
بقلم لطيفة اغبارية

مخرجون فلسطينيون قدموا أفلاما ذات معنى

من المخرجين العرب والأردنيين القلائل المتميزين على ساحة العمل الإخراجي، فتألقت أعماله في مسلسلات عربية ضخمة شهيرة، أبرزها، "المتنبي"، "سر النوار"، "غاردينيا "، "وحدها"، ومن الأفلام الدرامية التلفزيونية،"الحياة أولا "، "ديك الأحلام"، "الحب والموت "، "جميلة"، ومن الأفلام السينمائية "الحرباء"، "وليس كذلك تماما".

يحمل أفكارا تقدمية تحررية، فاختار دراسة موضوع الإخراج السينمائي، والخوض في غمار تجارب فريدة ومتنوعة في أعماله، معتبرا أن الفن الرسالة الإنسانية الاولى. والمساحة العربية الواسعة لتحرير ونقد ونقض الواقع بآلامه وألامه وبمشاكله الكثيرة، فبرز ذلك في انتقاده لظواهر منتشرة في المجتمعات العربية من ضمنها قضية القتل على شرف العائلة .

يحب الحياة البسيطة ويقبلها كيفما هي وبكل ظروفها،يتمتع ببشاشة وابتسامة دائمة لا تفارق وجنتيه، متواضع وشخصية اجتماعية من الدرجة الأولى .

حائز على جائزة أحسن فيلم تلفزيوني عربي القاهرة (الحياة أولاً)،1998 ذات الجائزة تونس 2007، وعلى جائزة مهرجان القاهرة عام 1999 عن " ديك الأحلام"، وعن "الحب والموت" دبي.

في العقد الرابع من العمر، من مواليد إربد، متزوج من الممثلة والمخرجة السورية نجوى قندقجي. لا يقبل الخوض في أعمال إخراجية كثيرة من مبدأ الكيف لا الكم، حاصل على ماجستير في السينما والإخراج التلفزيوني، أنهى دراسته في الجامعات الروسية، وحاصل على دبلوم عالي في عام 1993 في كتابة السيناريو .يعمل مديرا عاما لكلية فنون التلفزيون والسينما الأردنية ـ arttechacdemy،ومؤسس أكاديمية للمهن الفنية المساعدة .

 حدثنا عن الأكاديمية التي أسستها وتقودها الآن ؟
 هي أكاديمية للمهن الفنية المساعدة، فيها سبع تخصصات، فن التمثيل، فن كتابة السيناريو، فن الإخراج التلفزيوني، فن المونتاج التلفزيوني، فن الصوت والمكساج، فن إدارة الإنتاج، التصوير الفوتغرافي والتلفزيوني .
تقدم هذه التخصصات بدورتين منفصلين مستوى أول ومستوى ثاني، مدة كل كورس ستة أشهر، مقرها الرئيسي عمان، فيها دروس نظرية وتطبيقات عملية مع كبار المخرجين الأردنيين والسوريين، من خلال المشاركة والتطبيق في الأفلام والمسلسلات السورية والأردنية.

 كيف تعلل أسباب عدم تطور الدراما الأردنية والفلسطينية وعلاقة التلفزيون الحكومي بذلك ؟}}

 التلفزيون الأردني في بلادنا لا زال حكوميا، فهذا الجهاز لا يوجه في سياسته أي شيء يخص المثقفين، بيروقراطية الدولة لا تعي أن الثقافة والفنون هي إحدى ركائز مشروعية الدولة وأحيانا أتساءل بالنسبة للحكام، ألا يريدون أن يحكموا أناسا واعين مثقفين مصقولي الشخصية، ربما يكون سؤلاً أبلهاً بالنسبة إليهم، المحطات التلفزية التي تحكمها أدوات حكومية عاجزة عن الوصول إلى الناس وعاجزة عن إستخدام الجمال كطريقة مثلى للتنمية البشرية .
أما مشاكل الدراما الفلسطينية لن تكون معزولة عن الدراما العربية وأسبابها متعددة وفي فلسطين ستكون اكثر تعقيدا لأسباب ما فوق إحتلالية،وهي التراكم التاريخي المتخلف مع الفنون وعدم وجود هيكليات إجتماعية قادرة على إنتاج فنانين أو مثقفين أو مبدعين بشكل عام،هنا يكمن جوهر المشكلة بالطبع،سيلحق ذلك أسباب على رأسها النقص المعرفي بطبيعة الفنون التلفزيونية والدرامية بشكل عام، سينما،مسرح،إذاعة، عند صاحب القرار وصاحب الحرفة الفنية وهذا لا يجعلنا أن ننظر إلى إستثناءات وطاقات فردية تعطي صورة مشرفة عن الشعب الفلسطيني، خارطة فلسطين في حضورها العالمي ليست فقط بسبب عدالة القضية وإنما بوجود أفذاذ أمثال محمود درويش، إميل حبيبي، وآخرين.

 هل من أمل بوجود مسلسل أو فيلم فلسطيني في خارطة الدراما العربية ولو في الوقت المنظور؟}}

 بالتأكيد ممكن ولكن هذا يتطلب خطوات من عدة جهات وعلى رأسها "البزنس مان" الفلسطيني الذي تواجد في أماكن كثيرة من العالم العربي والذي موَّل الكثير من الأعمال الساذجة، ولو أدرك رجل الاعمال الفلسطيني أن الدراما التلفزيونية تقدم له ربحا عدا قيمتها الجمالية والإنسانية لأقدم على ذلك،أما بما يتعلق في السينما فهناك عدة مخرجين معتبرين من فلسطين،وقد قدموا أفلاما محترمة ذات قيمة ومعنى .

 لماذا اخترت شخصية المتنبي لتجسدها في مسلسل ضخم ؟}}

 لأن المتنبي شخصية مهمة فهو مؤسس في الثقافة العربية وشاعر على مستوى كوني وتاريخ حياته تدعم الحكاية و البناء الدرامي للعمل .
فشخصية المتنبي وجدت في أذهان الناس بما يتم تناقله عبر الكتب المدرسية والأحاديث العامة، أما المثقف فهو يعتقد أنه يعرف المتنبي في حين أنه يعرف عن المتنبي، والأمر الثالث هو كيف تم تُناول المتنبي من خلال الفن، فهو شاعر تاريخي رُصدت شخصيته من منظور كاتب العمل، ومن ثم تأتي الرؤية الإخراجية لي كمخرج، والتعامل ضمن هذه المستويات هو أشبه بارتكاب حماقة، والخروج منها بأن ترضي عامة الناس، والمثقف الأكثر اعتقاداً بأنه يعرف المتنبي. والنقطة الأخرى هي كيف يتم تناول قضية الشعر وقضية الشاعر، ضمن سرد روائي تلفزيوني، ضمن هذه الإشكاليات تعاملنا مع المتنبي في هذا المسلسل، الذي لم يكن بعيداً عن موقعه التاريخي، لكنه برؤية وقراءة جديدة.

 بعد عملك الضخم الذي تمحور حول "المتنبي" عام 2003،ما هي آخر اعمالك ؟}}

 أحضر الآن لمسلسل "إبن خلدون" ومن يعمل "المتنبي" يتحكم عليه أن يعمل مسلسل ذات قيمة في المستوى الفكري والموضوعي والفني، إضافة إلى مسلسل الرئيس الفلسطيني الراحل الشهيد ياسر عرفات.

 حدثنا عن فيلمك الاخير "جميلة" وهو أول عمل درامي أردني عالج قضية القتل على شرف العائلة؟}}

 قمت شخصيا بكتابة تفاصيل الفيلم، واستغرق ذلك لمدة خمس سنوات، ومدته ستون دقيقة، ويتحدث فيلم "جميلة"عن قضايا القتل على خلفية ما يسمى (بقتل الشرف)، وقد عُرض الفيلم في عمان وسويسرا وتونس وواشنطن والشارقة.
وقد ناقش هذا الفيلم قضية في غاية الأهمية والخطورة والحساسية بعدما قمت ببحث موسع حول ما يسمى قتل الشرف وهي الجريمة التي ترتكب باسم الشرف عندما تلاحق فتاة عشقت شابا وهذه الجرائم يديرها العقل الاجتماعي، كان فيلم جميلة صرخة مدوية ضد التآمر الاجتماعي على كينونة المرأة في الشرق العربي وفي الأردن بالذات، والفيلم شكل ضربة في صميم عقل المشرعين القانونيين الذين لا يفعلون شيئاً إزاء هذه الجرائم القرن وسطية، ويمثل الفيلم صيغة فنية لمحاكمة عقل اجتماعي متخلف، مصاب بنوبات الخوف من العار، والعار مؤسس بناء على تراكم تاريخي من العادات البالية .
ويشرح المركب الاجتماعي وتكويناته التفكيرية المتأخرة والمتخلفة حتى عنهم أنفسهم .
(إنه قصة موت مجاني، قصة قصف عمر وردة، موت بلا معنى، وأدمغة جيل جديد فيها طوابق مختلفة، وفي هذه الطوابق الفارغة يأتي من يشاء ليضع فيها ما يشاء . قرع جرس العشق، بعدما تأخر الاف من السنين، والأجيال تنتظر على قارعة الخوف من الحياة، على قارعة اللاشيء الذي يضفي الى الموت ..ولاشيء في الكون هو اللاشيء سوى الموت ......).

 ما هي النماذج التي عرضتها في الفيلم؟}}

 إن العنف الموجه ضد النساء آت مما سمّاه الرجال الجوف ذوي العقول المركبة من طابقين، فالرجال في الأردن، وفي الدول العربية أيضا، ربما يبدون أنيقين وحداثيين ويلكنون بلغات أجنبية، لكنهم في طابق آخر من عقولهم محافظون ومتزمتون ومنسحبون باتجاه بداوة سقيمة منزوعة الحداثة.
وفي فيلم (جميلة) نجد نماذج واضحة من هؤلاء الرجال، من خلال شخصية (الدكتور عمر الذي أدى دوره عبد الكريم الجراح) الذي أكمل تعليمه الجامعي العالي في إحدى جامعات أوروبا، ليأتي الى الأردن، وكأن تجربة التعليم الأوروبي ونيله درجة الدكتوراة لم تغيرا في بنيته شيئاً فنراه من أشد المتحمسين للثأر، وغسل العار الذي ألحقته (جميلة) بسمعة القرية وأهلها.

 وكيف كانت نهاية الأحداث الدرامية هذه؟}}

النهاية كانت ذات مغاز حلمية، حيث يتراءى حصان أبيض تقوده (جميلة) في صعودها الملائكي نحو السماء، في موقف عكس انحيازي لجميلة في صراعها مع قيم مجتمع يرى في الدم خلاصه، وحبل نجاته، وسدرة منتهاه .

 أفكارك التقدمية هذه ألم تجعلك تواجه إنتقادا من قبل المشاهدين؟}}

 بالتأكيد الأفكار تدخل في تصادمات مع العقل الإجتماعي، لكن ما هي وظيفة الفنان إن لم تكن هذه الوظيفة تعرية ومواجهة وكاسرة للمألوف، إن لم تكن كذلك، لن تكون لها مكان في مساحة الفن وبالتالي مساحات الحياة، الفن هو فعل تحرري ساهم مساهمة مباشرة وغير مباشرة في نقد ونقض الواقع،منذ سنوات لم تجد المرأة العربية مدافعين صادقين وأشاوس كما جاء "رفاعة الطهطاوي" في بداية القرن العشرين، المراة ضحيتنا جميعا، فهي ضحية الصامت وضحية من يمارس عنفه عليها،فالمرأة هي كل شيء في المجتمع، الأم والشقيقة والزوجة والحبيبة، ولا معيار لتقدم المجتمعات إذا كانت المرأة فيه عنصراً متخلفا، كيف أستطيع أن اطمئن على أولادي إن لم تكن أمهم حرة وكيف أطمئن على أشقائي إن لم تكن أمي حرة.
وأنا من مناصري قضايا المرأة وحقوقها على طول الخط لأنني كما ذكرت سابقا هي ضحيتنا باعتبارها عنصرا ضعيفا .

 هل كان لدراستك في موسكو تأثيرا على مفهومك التقدمي المتحرر؟}}

 لا أستطيع أن أتذكر ما الذي جعلني أن اكون بهذه الأفكار، ولكن كما ذكرتِ في السؤال فإن دراستي في موسكو لمدة عشر سنوات، وعلاقتي في العمل السياسي وتعلمي لوظيفة الفن مجتمعيا هو الذي يجعل الإنسان حاملا لفكر التغيير، الحياة إن لم تكن متغيرة ومتبدلة بمعنى آخر تسير في حركتها إلى الأمام فهي حياة ميتة وحتى لا تصبح الحياة موتا سرمديا شرطها التعامل مع المتغيرات التي تخدم قطاعات محرومة من الناس.
وتعريفي للحرية أنها اتصال مع العالم، والحرية هي فعل معرفي نكتسبه من خلال الآخرين ومن خلال فكرة التأثر، الذي يعمل في القطاع الفني والثقافي عليه أن يكون قابلا للتأثر والتغير. أما تعريف الحرية الذي أتفق عليه العلماء والمفكرين فهو فعل الضرورة .
وحرية المرأة هي ممارسة ما نملكه من قناعات تؤكد أن حرية المرأة هي تماما كحرية الرجل، ويزعجني السؤال عن الفارق بين المرأة والرجل .

 هل تربطك علاقات صداقة مع عرب من فلسطينيو الداخل؟}}

 كان يعتقد الطلاب في موسكو إنني من فلسطين، وتحديدا من فلسطيني ألـ48، لأنني من محافظة إربد وهي جزء من سهل حوران الذي أسميه أنا توأم مرج ابن عامر، ولولا مجموعة من مناضلين كبار من أمثال توفيق زياد،اميل توما، ايميل حبيبي، وكثيرون يستحقون الذكر لكانت اسرائيل بدون عرب ولحقق اليهود حلمهم بأن تصبح أرض فلسطين التاريخية عبارة عن دولة يهودية خالصة، وسيتذكر اليهود دوما أن بقاء العرب في فلسطين خلصهم من فاشية نوعية ومن طراز جديد لا مثيل لها، ستكون دولة تبحث طوال أمدها عن طريقة مثلى للانتحار، وأظنها الآن تبحث عن ذلك، اليهود في العالم بحاجة إلى إغاثة من طراز جديد لتخليصهم من ذنبهم التاريخي إزاء ما فعلوه بالفلسطينيين،هم يعون جيداً بأنه لا يوجد دولة في العالم خالصة العرق أو خالصة الدين أو حتى خالصة القومية،

فعرب ألـ48 هم هويتنا الأولى وثقافتنا الأولى، وهم ما اندرج عليه المثقفون العرب في تمثل نضالاتهم وعنفوانهم، لقد علمونا الرومانسية والدم يسيل من مآقيهم، علمونا الابتسامة المنتصرة ونحن نتأبط هزائمنا .

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى