الثلاثاء ١٣ أيار (مايو) ٢٠٠٨
بقلم نضير الخزرجي

مشاهدة منقوصة من الشارع العراقي الجديد

تأخذ النصوص كأي نصوص مقدسة كانت أو غير مقدسة، سماوية أو وضعية، بعدها الحقيقي على أرض الواقع من خلال تطبيق الناس لها، وإلا فان النصوص مفردات صماء، يستنطقها من يؤمن بها، وتكون معلومة للآخرين من خلال فعل المؤمنين بها والتفاعل معها.

لكن البعض يأخذ من النصوص جانبا ويترك آخراً، حتى وان كانت في محصلتها تقع في ضرره أو ضرر الآخرين، فعلى سبيل المثال، استقلت سيارة أجرة وأنا في طريقي من وسط مدينة النجف الأشرف إلى حي الزهراء للقاء زعيم حزب الفضيلة الشيخ محمد اليعقوبي في 23/3/2008، وبعد فترة من الزمن انتبهت إلى السائق وهو يخلع حزام الأمان، فاستغربت مرتين، مرة لأنني لم ألحظ حزامه، لأن الأصل في مثل بلداننا العالم ثالثية هو عدم التحزّم والتمنطق، ومرة ثانية لأنه خلعه ولمّا نصل بعد إلى مبتغانا، فسألته مرتين، مرة عن سبب خلعه ومرة عن سبب عدم تنبيهي لذلك ما دامت قوانين المرور صارت بهذا الحزم في التطبيق، فعن الأولى، أجابني بأننا الآن خارج إطار مراقبة شرطة المرور فلا غرامة مالية ولا هم يحزنون، وعن الثانية، أجاب بان الغرامة تفرض على السائق وليس على الراكب.

شدّني الفضول الصحافي إلى الاسترسال معه، فقلت له: انك إذن تتمنطق بحزام الأمان تحاشيا من الغرامة المالية، لا لأنك تريد حماية نفسك وسيارتك والراكبين معك من أي حادث أو توقف طارئ وإلا لطلبت مني أن أتمنطق بحزام الأمان أيضا؟

وكان الرجل صريحا، فأجاب بنعم، إنني أخشى الغرامة، وبما أنني أقع الآن خارج دائرة المراقبة المرورية فلا حاجة لحزام الأمان.

قلت له: وماذا عني أو غيري من الراكبين؟

فقال: إن القانون يؤاخذني ولا يؤاخذك.

قلت له: ماذا لو توقفت فجأة لحادث أو تجنبا لوقوع حادث، أو اصطدمت بسيارة أخرى، فماذا سيحل بك وماذا سيحل بي، أو ليس نحن أمانة في عنقك؟

توقف برهة، فقال: وماذا تعني؟

قلت: هل سيصيبك مكروه؟

قال ربما، والأقدار بيد الله.

قلت: وماذا عنّي أنا؟ ألا سيصطدم رأسي بالزجاج الأمامي أو ربما اقفز من الزجاج الأمامي سريعا إلى مقبرة وادي السلام!

ابتسم السائق وقال: ربما، ولكن هذه قوانين المرور عندنا، فالسائق هو المعني بحزام الأمان وليس الراكب.

ما استشفه من هذه الحوارية أن السائق ربما فهم القانون خطأ، لان على السائق تنبيه الراكب إلى حزام الأمان إذا ما نسيه أو تجاهله، بل لا يحرك عجلة السيارة إلا بعد أن يتمنطقان كلاهما بحزام الأمان، ثم إن الغرامة تقع على السائق والراكب معاً إذا تخليا عن الحزام، كما أن الغرامة تقع على الراكب أيضا إذا تجاهل حزام الأمان، فهذا ما تقول به قوانين المرور.

وبالطبع فان ارتداء حزام الأمان، هي خطوة متقدمة في العراق الجديد، فحينما سقط نظام صدام في 9/4/2003، كان العراقيون العائدون من بلدان اعتاد أهلها على التمنطق بحزام الأمان سائقا أو راكبا، سيارة عامة أو خصوصية، يتخلون عن الحزام لا لأنهم لا يرغبون بها وبخاصة في شوارع العراق التي تزدحم بالسيارات ولا تنقطع آذان الناس عن سماع زعيق السيارات، وإنما لحرصهم على أن لا يُعرفوا أنهم قادمون من خارج العراق، وابتعاداً عن الشبهات وتماهيا مع الشارع العام على طريقة حشر مع الناس عيد، وربما درءا للخطف، لكن هذه المفارقة بدأت تنحصر رقعتها رويدا رويدا مع تطبيق قوانين المرور والتشديد عليها، على أن السائق بشكل عام بحاجة إلى ثقافة مرورية، لأن حياة الإنسان أهم من خردة الحديد، وأعتقد أن هذه الثقافة ستأخذ طريقها إلى عقل العراقي سائقا أو راكبا، عندما تأخذ ثقافة التسامح واحترام القانون طريقها إلى نفوس الناس، فثقافة العنف والدماء والثأر التي زرعها النظام السابق لازالت معششة في نفوس كثيرين، والذين لم يحسن البعض منهم الاستفادة من نعمة التغيير في تغيير حال العراق إلى أحسن الحال، وظلّ يحنّ إلى الماضي الأسود كحنين القط إلى خنّاقه!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى