الجمعة ٢٦ نيسان (أبريل) ٢٠٢٤

ملحمة نوتردام

محمود حسن عبد التواب إبراهيم

الواقفون هناك في طرف المدينةِ خائفونَ على المدينة والقُرى
والنازحون على بُطُون خاوية
والنائمون على ثلوج مدينة الأقزام يرتجفون حيثُ الدفء في أقصي البلاد النائية
وهناك في باريس عند النهر جسر لم يعد يقوي على حَمْل أقفالِ المحبين الحياري كي نحط أقفالنا الصدئة
في نوتردام صديقتي راحت تشرح لي تفاصيل الكنيسة
أتذكر فيكتور هوجو وأحدب نوتردام
أتذكر كيف كان يقرع جرس الكنيسة
والجميلة الغجرية هناك في بهو ما ترقص لغيره
صديقتي ونحن في أعلى نقطة من باريس
في حرم كنيسة الساكري كور
هناك وضعتُ شمعةً وسط هذا السكون الرهيب
هذا الخشوع الذي لا يماثله إلا خشوع المصلين حول الكعبة في صلاة الجماعة السرية
أتطلع نحو سقف الكنيسة
فأري دافنشي ومايكل أنجلو نائمين على سقالة وظهرهما لي ينظران إلي سماء الكنيسة ويرسمان لوحات الخلود
وأعود من هذا الذهاب إلى الرجوع أشاهد الكلب الذي من شُح ماء النهر يأكل في الثري
ولِحَظِّهِ عَلقت ذراع بين فكيه
ذراع طفلة شقت قنابلهم رأسها نصفين
وتعفن الجسد الضعيف عفونة كالمسك في أنف الشهيد
عفونة الجسد الضعيف كأنها عفن البطون الجائعة قد خرجت مع النَفَسِ الكريه بأفواه الصغار
لكنها عندي خَلُوف فم الصائمين
وهذه الخِرَقُ البالية والأسمال الممزقة على أكتاف الفتيات الجميلات اللائي لم يجدن سواها بعد محرقة درعا وحماة
ودمشق تنظر من بعيد ثاكِلة
هؤلاء الذين تضخمت أفواهم من جانب واحد يعلكون القات بينما صواريخُ شقيقة تقصف الأطفال والشيوخ والضأن في المراعي
وهناك في البلد الحرام يتساقط الصاروخ تدفعه آيات الله وأصحاب العلاقات الحميمة
وأعود من هذا الحضور إلي الغياب هناك في
شارع الشانزلزيه
بينما نحن سائرين وصديقتي ، تبدأ دور المرشدة السياحية ؛ إذا بفتيانٍ وفتياتٍ سود يحملون آلاتِهم الموسيقية ،
وفِي لحظة كل يأخذ موضعه في نسق عجيب
يبدأون الغناء كي تطرب باريس ويكتظ الشانزلزيه بالدوائر البشرية حول هؤلاء
ويقفز إلى ذهني ملعب لوجينكي في موسكو
وماكرون يرقص مثل الفتيان في الشانزلزيه
والوجوه السمر تملأ باريس بالفرح المستحيل
وأعود من هذا الغياب إلي الحضور لطفلة من شُح ماء النهر تنبش في الثري وعظامها مثل الأغصان الناشفة
ولا باريسيُّ واحد تطوَّع أن يقدِّم الفرح المستحيل في شوارعها المظلمة في غابات إفريقيا
ومن هناك من رهبتي في " الساكري كور " إلى هنا والحَجَّاجُ يضرب بيت الله وكعبَتَه بالمنجنيق وبالحجارة
وهؤلاء الذين تَسوَّرا بيت عثمان بن عفان قديما وسور البيت الحرام حديثا
يذبحون إمام الحرم ويقطعون رؤوس الحجيج
ومن هناك إلى خمَّارة في الحي اللاتيني وبيت للدعارة ونساء عاهرات يفوح الويسكي من أفواههن والحراس على بعد ذراع لا يمسسهن السوء
ولا أحد يؤذي عوراتهن الشاردات البارزات
ومن هناك إلى هنا في بئر العبد يسقط شيخ المسجد برصاصٍ وجدوا في المعمل الجنائي لحيته بارزة ومدببة
ولا حرس مقيم
وأنا في هذا اللاوعي رحت أعد الأحذية خارج مسجد بئر العبد وأحاول أن أزوج بين فردة وأخري لكن فشلت تماما
ويسافر بي هذا التَّشظِّي إلى صندوق الدولارات القادم بالمنِّ وبالأذى إلى يوسف الصديق
بعد نفاد القمح في السبع العجاف
يبرز في المشهد هذا الوالي
حين يخط خطابا للفاروق
أنَّ قوافله بالطعام المصري الأشهى
أولها في مصر وآخرها عنده
كي لا يدعو عمر بن الخطاب بأن تثكله أمه

 نوتردام كنيسة تقع على نهر السين بفرنسا بالقرب منها جسر يضع عليه المحبون أقفالا من حديد ونحاس وألوان شتي ثم يلقون المفاتيح في النهر للتعبير عن دوام محبتهم وقوتها وأبديتها وتضطر السلطات أن تزيل هذه الأقفال لعدم تحمل الجسر لهذه الأوزان كل عدة أعوام.

 أحدب نوتردام رواية الكاتب الكبير فيكتور هوجو

 الساكري كور كنيسة كبيرة تقع في نقطة مرتفعة جدا في باريس يري من يقف أمامها معظم باريس

 لوجنكي مدينة في موسكو عاصمة روسيا أُقيم بها نهائي كأس العالم بين أوكرانيا وفرنسا ٢٠١٨ م

 الحي اللاتيني حي شهير في باريس يكثر به العرب

 ماكرون رئيس فرنسا الحالي وشخصيات عربية شهيرة

محمود حسن عبد التواب إبراهيم

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى