ملك البحار

مازِلْتُ أُبْحِرُ رافِعاً راياتِي
وَسْطَ السَّماءِ إِشارَةً لِلْآتِي
سوداً تُرَفْرِفُ في انْتِفاضِ قُماشِها
بِيضاً تَلوحُ جَماجِمُ الْأَمواتِ
وَ يَلوحُ مَتْنُ سَفينَتي بِسوادِهِ
وَ سَوادِ أَشْرِعَتي بِبَحْرٍ عاتِ
وَ يَدي تُحَرِّكُ دَفَّتي وَ تُديرُها
وَ يُطيعُ رَكْضاً طاقَمي صَيحاتِي :
’’شُدّوا الْحِبالَ مِنَ الصَّواري يُمْنَةً
ميلوا بِها عَشْراً مِنَ الدَّرَجاتِ ’’
واجَهْتُ مَوْجاً كَالْجِبالِ وَ خُضْتُهُ
وَ عَبَرْتُهُ في قُوَّةٍ وَ ثَباتِ
وَ عَواصِفاً تَقْتاتُ كُلَّ سَفينَةٍ
مِنْها مِراراً قُمْتُ بِالْإِفْلاتِ
وَ وُحوشَ بَحْرٍ ذاتَ فَكٍّ قاتِلٍ
سَقَطَتْ لَدى سَيْفي مِنَ الطَّعناتِ
أَبْحَرْتُ في كُلِّ اتِّجاهٍ مُمْكِنٍ
وَ قَطَعْتُ آلافاً مِنَ الْعُقْداتِ
بِمَواقِعِ الشَّمْسِ اهْتَدَيْتُ بِتارَةٍ
وَ بِتارَةٍ بِمَواقِعِ النَّجْماتِ
لا يَوْمَ أَشْرِعَتي طَوَيْتُ لِلَحْظَةٍ
أَوْ أَيَّ قاعٍ عانَقَتْ مِرْساتِي
لَمْ أَشْكُ مِنْ جَرْيِ الرِّياحِ بِخِبْرَتي
أَلْقى الرِّياحَ بِما اشْتَهَتْ وِ جْهاتِي
كَمْ مِنْ صَباحٍ قَدْ وَقَفْتُ وَ مِنْظَري
أَتَفَحَّصُ الْآفاقَ بِالنَّظَراتِ
وَ أَهُزُّ بَوْصَلَتي فَيَرْقُصُ سَهْمُها
وِفْقَ الّذي حَدَّدْتُ مِنْ قِبْلاتِ
كَمْ لَيْلَةً فيها سَهَرْتُ بِقُمْرَتي
مُتَفَكِّراً في ضَوْئِها شَمْعاتِي
صَوْبي بِطاوِلَتي رُسومُ خَرائِطي
وَ أُديرُ في أَرْكانِها مِزْواتِي
وَ تَقيسُ مِسْطَرَتي ِلكُلِّ مَسافَةٍ
مُتَحَسِّباً لِلرّيحِ وَ السُّرْعاتِ
كُلُّ الْبِحارِ بِطولِها وَ بِعَرْضِها
عَرَفَتْ جُنوني قابَلَتْ وَيْلاتِي
أَدَّبْتُ في بَحْرِ الشَّمالِ مَمالِكاً
وَ غَنِمْتُ مِنْهُمْ مُعْظَمَ الْأَوْقاتِ
وَ سَلَبْتُهُمْ سُفُناً جُنوباً جُلُّها
حَبَلَتْ بِما نَهَبُوا مِنَ الثَّرَواتِ
حَرَّرْتُ رَغْمَ أُنوفِهِمْ وَ سُيوفِهِمْ
سُفُنَ الْعَبيدِ بِغَيْرِ ما مِرَّاتِ
و هَزَمْتُ أُسْطولاً وَ آخَرَ بَعْدَهُ
زَمَناً وَلَمْ يَجْنوا سِوى الْخَيْباتِ
كَمْ مِنْ جَبابِرَةٍ لِأَجْلِيَ أَبْحَروا
أًطْعَمْتُهُمْ لِلْقاعِ وِ الظُّلُماتِ
في كُلِّ مَوْقِعَةٍ أُخَلِّفُهُمْ بِها
تَحْتَ النُّسورِ تَطِيرُ في حَلَقاتِ
’’لَيْلاءُ ’’ إِسْمُ سَفينَتي وَ كَثيرَةٌ
أَسْماؤُها في شائِعِ اللَّهَجاتِ
وَ أَنا "ابْنُ بَحْرٍ عاصِفٌ " قُبْطانُها
"مَلِكُ الْبِحارِ وَ سَيِّدُ الْمَوْجاتِ "
الْكُلُّ يَخْشى أَنْ يَحيدَ لِوِجْهَتي
وَ لَكَمْ حَكَوْا عَنّي وَ عَنْ رِحْلاتِي
عَنْ مَوْلِدي في الْبَحْرِ عَنْ عَيْشي بِهِ
عَنْ يابِسٍ لَمْ تَخْطُهُ خَطَواتِي
عَنْ لَعْنَتي وَ جَزيرَتي وَ كُنوزِها
وَ قَرابَتي لِلْجِنِّ في الْفَلَواتِ
عَنْ طَاقَمِ الْأَشْباحِ عَنْ تَسْخيرِهِ
في خِدْمَتي عَنْ سِحْرِ تَعْويذاتِي
عَنْ وَصْفَةِ الْخُلْدِ التي في حَوْزَتي
عَنْ كَوْنِها مِنْ دَمْعِ حُورِيَّاتِ
عَنْ كَرْكَنٍ ذي أَذْرُعٍ جَبّارَةٍ
سُفُنُ الْمُحيطِ لَدَيْهِ كَاللُّقْماتِ
عَنْ قارَةٍ مَغْمورَةٍ وَ عُلومُها
فاقَتْ عُلومَ الْبَرِّ مِنْ حِقْباتِ
زَعَموا الْكَثيرَ وَ ما دَرَوْا أَنَّ الذي
زَعَموهُ بَعْضُ حَقيقَتي وَ حَيَاتِي
سَبْعونَ عاماً وَ الْبِحارُ أَجوبُها
ما كانَ لي بِالْبَرِّ أَيُّ صِلاتِ
لا ضِرْسَ عَضّ أصابِعي أَوْ راحَتي
نَدَماً وَ لا عانَيْتُ مِنْ حَسَراتِ
لا قَوْمَ لي في أَخْضَرٍ أَوْ يابِسٍ
أَوْ أَهْلَ تَبْكي بُعْدَهُمْ دَمْعاتِي
لا صَحْبَ لي أَشْتاقُها أَوْقاتُهُمْ
وَ وَفاؤُهُمْ مِنْ أَنْدَرِ الْعُمْلاتِ
لا كاعِبٌ أَسْعى لِأَخْطُبَ وُدَّها
فَإِذا بِها تَسْعى كَما كَالْحَيّاتِ
لا مَسْقِطٌ لِلرَّأْسِ يَحْني هامَتي
لا بَيْعَةٌ في ذِمَّتي لِوُلاةِ
لا شَعْبَ مِنْهُ وَ لا لِأَمْري مِنْ أُوْلي
ما هُمْ سِوى مَوْتى وَ بِضْعُ طُغاةِ
لا دَرْبَ في أَعْقابِهِمْ أَمْشي بِهِ
وَ دُروبُهُمْ تودي إِلى الْعَثَراتِ
لا صَفَّ لي أَصْطَفُّهُ وَ صُفوفُهُمْ
ما بَيْنَ مُنْشَقٍّ وَ بَيْنَ شَتاتِ
– عاثوا فَساداً في الْبِلادِ وَ أَسْرَفوا
وَ تَحَكَّموا في الْخَلْقِ وَ الْأَقْواتِ
عَبَدوا الدَّراهِمَ جاهَدوا في كَسْبِها
وَ ضِعافُهُمْ يَحْيَوْنَ في كُرْباتِ
وَ تَشاغَلوا بِبُطونِهِمْ وَ فُروجِهِمْ
وَ تَفَرَّغوا لِلَّعْبِ وَ اللَّهَواتِ
باعوا بِدُنْياهُمْ شَرائِعَ دِينِهِمْ
كَفَروا بِما جِيئوا مِنَ الْآياتِ
غَمَروا الْمَواطِنَ بِالْفُجورِ وَ بِالْخَنا
رَغْمَ اخْتِلافِ الْعِرْقِ وَ الْمِلَّاتِ -
لا رُكْنَ لي بِدِيارِهِمْ آوي لَهُ
وَ دِيارُهُمْ مَوْبوءَةُ الْجَنَباتِ
لا قَبْرَ لي أَبْلى بِهِ ما بَيْنَهُمْ
إِنْ زارَ روحي هازِمُ اللَّذاتِ
فَإِذا أَقَمْتُ فَفي الْبِحارِ إِقامَتي
وَ بِها سَيُنْثَرُ إِنْ رَحَلْتُ رُفاتِي
هذي مُذَكِّرَتي وَ تِلْكَ خَواطِري
لَخَّصْتُها كَيْ لا تَجِفَّ دَواتِي