الجمعة ٢٦ نيسان (أبريل) ٢٠٢٤

منزل الأحزان الصغيرة

رضا أحمد رجب

أعرف تمامًا
جريرة البكاء
على حافة الدفتر.
لو لم تكن الحياة جوهرة
تختبر تعلقنا بالكنوز
وللقاموس وجهة نظر
في تهشيم اللغة
إلى أحزان صغيرة
أعلقها كنذور
على باب قلبي.
ثمة قصيدة
تنبح في صدري
تتمطى بين النوم واليقظة،
لا تكترث لصرير ضلوعي
وهي تتمشى
تحت أنيابها
كجنود مهزومة.
وحيدة
فيما الكلمات تتخبط
بين أصابعي،
ومعاطف تتبادل الوداع
في خزانتي.
زحام كثيف لأسماك
تسبح تحت جلدي
تقضم من قلبي رائحة البحر
وملحًا أدخره لوليمة
تحفظ في عيني صورتي التالفة.
أطفو،
البرد يشد الغطاء عني
يلثم أصابعي بقبلة
يربت على رأسي
برهبة أب
ضاعت سنواته
في حقيبة غربة
ولم يكن الحب في انتظاره.
أسترد أبي ضلعه
 حين رحلت أمي-
من دعامة وضعها الطبيب،
ارتجف أيامًا
وتمدد فوق أسمائنا الطويلة
كعصفور متعب.
لم يكن في بريده كل هذا الغياب
لم يكن يتعجل
وهو يقول: انتظروني،
كان يتعذب لو قال...
نجا من رصاصة
ومن محنة صياد
اختاره من بين إخوته،
وصارا صديقين إلى الأبد
هو والرصاصة؛
أحيانا يحتاج الحب إلى حيلة
كي تفتح له صدرك.
لم أجد قاربًا يحمل دمي
أو يبتسم لألمي
ويطوف بي
في شرايينه المفتوحة.
تباعدت الدروب
وجلست الشمس تحت أظافري
تكتسب رؤى
وتربح روحًا فانية.
أمسك قلبي
وأنثره
فوق خريطة العالم
وأشير إلى كَومَة عظامه،
قلبي يحمل متاعه، لحمه، دمه
حتى الكوابيس
التي تجرَّعها في غيبوبته.
لم يحرره الغياب؛
قلبي الآن يهاجمه الحنين
ويقرضه الليل حين يجوع،
قلبي ضامر بمكان ما
في جسده.
يا ليل الشِّعر
أنت الوحيد
الذي ينظر إلى ذيله
بريبة،
يحك جروحه بالرماد
لتغدو مرثية
عصية على التأويل
ومميتة.
يبحث في نباحه عن نجمة تدمع
أو رجل فضل أن يكون زرافة سيرك
على أن يرفع سقف أحلامه
ليعبر.
مَن يعيد لك بيتك
الذي جرفته الدماء تحت المدن،
مَن يطعمك لقمة الأسى
والبكاء المر الذى صنع العيون؟
يا ليل الشِّعر
كل هذا الأرق
ممر طويل إلى نعاسي
أعددت له أغنية رطبة
تلتصق بصوتك
كورم خبيث
يعمل في صمت.
ليكن في علمك
الحزن إرث خطير،
أبي أطاع الجميع
وسهر على راحة المرض
والغربان التي تقفز
فوق كتف الأيام
وتتدلل،
قبل أن تستقر في الحناجر
كلمات ميتة ومنبوذة.
أنا قصيدته الأولى
لي اسمه
لا يستعملونه كما أريد
وبالكاد لا أملك غيره.
لي ابتسامته
ودموعه القريبة.
عادة ما يذوب الليل
في بكاء نجمة؛
وهذا طقس بدائي
لأكلل صوته
بلثغة،
وأعبر النهر تحته
كحصاة
فيما الطوفان
يدور حول جسدي
ويبتلعني.

رضا أحمد رجب

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى