السبت ٨ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم حسن توفيق

من مقامات مجنون العرب

الحفيد يتحفز.. لكفخ الدوبي الذي يتطنز!

قبل أذان المغرب في رمضان.. تهبط على المجنون «ترابيزة» الرحمن.. وهي مائدة يومية.. يقدمها له على سبيل الهدية.. صديقه الشاعر العاقل محمد بن خليفة العطية.. وتضم المائدة فخذة خروف محمرة أو مشوية.. مع كل ما يفتح الباب للشهية.. ويظل المجنون تائها بين الأواني والصحون.. حيث يحتفظ لنفسه بما يشاء.. ويوزع باقي الترابيزة على الأصدقاء.. وقبل أن يعود في الليل من العمل.. ينطلق على عجل.. إلى مخبز الرغيف الساخن لشراء الكنافة.. مازجا بينها وبين مهنة الصحافة.. في مزيج يجمع الحلو بالمر..ويخلط اليسر بالعسر.

منذ ليلتين وقعت حادثة.. اعتبرها المجنون أكبر كارثة.. فقد سقطت من يده أكياس الكنافة الطرية.. وتناثرت أشلاؤها العسلية.. وأصابت كل أرجاء البنطلون.. بينما وقف الناس يتفرجون.. فمنهم من يقهقهون.. ومنهم من يشفقون.. أما المجنون فقد انتابه الذهول.. وأخذ يهذي ويقول:

بنطلوني غاص في صحن الكنافة

فتسربلتُ بأوراق الصحافة

محرَجاً عدتُ إلى البيت بحزني

حيث أشعلتُ على الفور لفافة

واستقرتْ دمعتي في كوب شاي

فارتشفتُ الشايَ، والدمع إضافة

وخلعتُ البنطلون الحلو حتى

يعطف الدوبي بمسحوق النظافة

إنما الدوبي.. تسلى وتطنزْ

شكل هذا.. يلبسه راعي ثقافة!

إنتَ وين الشغل هذا يا رفيج

سوِّ من هذا ثريدا بالكنافة!

.. اغترف المجنون من الكلام المر ما اغترف.. فتصبب وجهه عسلا وانصرف.. حيث قرر جمع شمل العائلة من كل منعطف.. لكي يقدم له الجميع قرارات وتوصيات.. تتعلق بمواجهة الدوبي الذي تطاول بالتطنز والإساءات.. للمجنون ثلاثة
أبناء.. كلهم من العقلاء.. أكبرهم العزب الطيب الذي يتميز بصحراء شاسعة فوق الرأس.. وثانيهم حسني المنشاوي الصعيدي الذي يحب الشمس.. وثالثهم جمال فايز الذي يقايل بالغترة مع كل كلمة أو همس.. وللمجنون أيضاً حفيد وحيد.. يلبي لجده المجنون كل ما يريد.. وهو حسن علي العملاق.. الذي جابت شهرته في الحب الآفاق.

قبل أن يدلي الحفيد بأقواله في جلسة الاستماع.. وقبل أن يشارك في مناقشات الاجتماع - أرسل لجده المجنون.. رسالة على الموبايل المطحون.. وهذا نص الرسالة.. دون إفاضة أو إطالة..: .. إنتَ في واحدْ قمرْ.. في وصف إنتَ يحتار كل نفرْ.. أنا ما في يشوف إنت في يموت قَهَرْ.. تمت قراءة الرسالة التي خففت عن المجنون بعض ما أصابه.. وأزاحت عن عينيه سحابة الكآبة.. وأخذ الأبناء يفكرون.. بينما راح الحفيد يتحفز.. للانطلاق إلى كفخ الدوبي الذي يتطنز.. وهكذا تنحنح الجميع.. لكي يواجهوا الجرم الفظيع.. - لابد من إعلان المقاطعة الاقتصادية.. وحرمان الدوبي من مائدة الرحمن الرمضانية.
| بل لابد من إعلان الجهاد.. ضد الدوبي الذي طغى على العباد.. وأصبح مثل قوم عاد .

 لو قاطعنا الدوبي، فمن سيغسل الثياب.. لا.. لا فإننا سنواجه أشد اضطراب!

| علينا أن نتوسل للدوبي.. أو نتفاهم مع من عنده من اللوبي !

 سأنسحب من الاجتماع إذا لم تتحقق وحدتنا الفورية.. لكي نغسل ثيابنا من البقع النيلية والطينية والرملية!

| لا تنسحب.. حتى لا نكتئب.

 كيف نجاهد ونحن ليس لدينا أسلحة؟

| هذا حق.. وخصوصا أن لدينا الكثير من الأضرحة!

 الجهاد.. جهاد النفس.

 هذا كلام كنا نقوله بالأمس!

.. ظل الأبناء يتناقشون.. وأخذ الجيران يتوافدون.. واصطدمت الأقوال بالأقوال.. دون أن تنتج عنها أفعال.. وظل الدوبي - من بعيد - يتطنز.. وحاول الحفيد أن يتحفز.. لكن الحاضرين أمسكوا به.. وقال أحدهم: كلنا أصبح مفعولا به.. والمفعول في هذا الزمان ليس منصوبا بل مجرور.. إلى أن يتمرد أو يثور.. وفجأة اقتحم المكان.. رجل غريب الوجه واليد واللسان .. وصرخ الرجل في وجه الجد المجنون.. لقد فتشنا هذا البنطلون.. ووجدنا به مواد كيماوية.. وأخرى جرثومية!

ازداد جنون المجنون.. وأخذ الجيران يتفرجون وهم يرتعشون.. حيث ارتجف من ارتجف واعترف من اعترف.. اما حفيد المجنون فإنه لم يرتعش أو يتخرع .. وعلا صوته ولعلع: ليس في البنطلون مواد كيماوية.. ولا جرثومية.. كل ما في الأمر أنه يحتاج لنظافة.. تزيح منه آثار الكنافة!

الحفيد يتحفز.. لكفخ الدوبي الذي يتطنز!

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى