الأحد ٢ آذار (مارس) ٢٠٠٨
في حوار مع جمال التلاوي:

هناك جهود نقاد لا تتكرر لكن ليس لدينا نقد

[*محمد الحمامصي - عن السفير اللبنانية*]

يعد الناقد جمال نجيب التلاوي أستاذ النقد الأدبي المقارن بكلية الآداب جامعة المنيا واحدا من أهم نقاد جيل الثمانينات في مصر، قدم للعديد من أعمال شعراء وروائيي وقصاصي الأجيال الجديدة، واستطاعت أطروحاته وآراؤه أن تثير جدلا واسعا في الوسط النقدي والإبداعي، خاصة كشفه عن ما نقله بعض النقاد الكبار ترجمة ونسبوه إلى أنفسهم، وكذلك الأمر في الشعر، حاصل على درجة الدكتوراه في النقد الإنكليزي المقارن، له العديد من الترجمات للشعر منها (قصائد للحياة. مختارات من الشعر الصيني المعاصر)، و(أن توجه الشمس) و(استرجاع ـ لإزرا باوند «نقد مترجم») و(فن الحرب لسن تزو) ومن كتبه النقدية (أغنيات من موسيقي الجنوب) و(المثاقفة .. عبد الصبور وإليوت دراسة حضارية)، كما أن له أكثر من كتاب باللغة الإنكليزية، ونشر دراساته النقدية في المجلات والدوريات المصرية والعربية، أيضا يكتب د. التلاوي القصة والروائية من مجموعاته (البحث عن شيء ما)، (والفجر)، وروايات (الخروج على النص)، )تكوينات الدم والتراب)، وفي هذا الحوار نتعرف على مشروعه النقدي ورؤاه للحركة النقدية داخل وخارج الجامعة وكذلك وضع الإبداع العربي الآن.

 ما العناصر الرئيسية في رؤيتك النقدية والمرتكزات التي بنيت عليها ؟
 أولا من الصعب تحديد رؤى نقدية محددة لأنني في تصوراتي النقدية لا أتبع منهجا نقديا بعينه وإن كنت أتبع اتجاهات نقدية، وأتصور أنه من المشاكل التي يمر بها نقدنا العربي هو أن يتبنى ناقد نظرية بعينها أو مدرسة بعينها ويظل مستعبدا لها لأن هناك نصوصا تستعصي على الاتجاهات وتستجيب لاتجاهات أخرى، أما المرتكزات الأساسية فهي بالتأكيد التراث العربي أولا قديمه وحديثه، واتجاهات النقد العالمية من خلال اللغة الإنكليزية، أقصد بالإنكليزية النقد الإنكليزي واتجاهات النقد الأخرى التي أقرأها باللغة الإنكليزية، على أي حال أنا أتصور أن مهمة النقد الأدبي الأساسية هي تأويل النصوص الأدبية، وأتصور أن أي منهج نقدي عليه أن يؤدي إلى تأويل النص الأدبي وبالتالي ربما تكون التأويلية هي أقرب الاتجاهات النقدية التي أتعامل معها الآن، وربما تتغير هذه الرؤى مستقبلا، لكني لا أقصر وجهة نظري على التأويل فقط، أقرأ في كل الاتجاهات وأفيد كل ما يساعدني في التعامل مع نص أدبي، لأنه كما ذكرت هناك بعض النصوص تستجيب لبعض الاتجاهات، وهناك نصوص لا تستجيب لاتجاهات أخرى، هناك بعض الاتجاهات النقدية ـ من وجهة نظري ـ لا تعاون على تحليل النصوص الأدبية وربما هذه واحدة من مشكلات نقدنا العربي المعاصر والآني، فمثلا معظم اتجاهات نقد ما بعد الحداثة مثل التفكيكية والنقد النسائي هي معطيات نظرية أدبية تميل إلى التنظير أكثر منها إلى التطبيق سواء في معطياتها الأصلية الغربية أو من ينقلها إلى العربية سواء بالترجمة أو التنظير، الدراسات التطبيقية في هذا قليلة والمتاح منها لا يفضي بنا إلى فهم مقنع للعمل الأدبي، وبالتالي أدخلتنا هذه الاتجاهات ومن نقلوها إلى العربية ـ أو إذا شئنا الدقة نقول معظمهم، لأنه بالتأكيد لم أقرأ كل ما كتب بالعربية ـ نقلا متعسفا، يكتبون ما يمكن أن أسميه ترجمات غير أمينة، بمعنى أن ما يكتب من كتب في هذه الاتجاهات على أنه تأليف في معظمه ليس تأليفا حتى لكثير من الأسماء التي نحترمها ونقدرها في الساحة العربية، هي كتابات عبارة عن مزج بين الترجمة وبين فهم للترجمة ويقدم هذه على أنه نوع من التأليف، هذه الرؤية تأتي في معظمها غامضة وضبابية، لسببين أولا لأن هذه الاتجاهات أو بعضها مستغلق، وثانيا لأن من يقدم هذه الاتجاهات ربما الرؤية غير واضحة بالنسبة لهم، وكثير من منظري هذه الاتجاهات ولعلي أذكر منهم جاك دريدا وجمسون اللذين روجا كثيرا لهذه الاتجاهات واللذين روجا نقد ما بعد الحداثة هما الآن في العقد الأخير يراجعون أنفسهم ويعترفون أن النظرية الأدبية وتنظيرات نقد ما بعد الحداثة كان من المفترض أو عندما تبنوها وطوراها كان من المفترض أن تفضي بنا إلى فهم أفضل للعمل الأدبي لكنهم يقولون إنها أفضت بهم إلى نفق مظلم، فأصبحت النظرية النقدية الأدبية هي الهدف وضاع الهدف الأساسي وهو النص الأدبي، هذا في الغرب وهم الآن يراجعون أنفسهم بموضوعية وصراحة ونحن لا نراجع أنفسنا وإنما ننقل عنهم كثيرا.

خصوصية

 الآن هل ترى أن هناك اتجاهات أو اتجاها صاحب خصوصية في النقد العربي؟
 في حكم تجربتي المتواضعة في القراءة والمتابعة ليست هناك خصوصية، فكما قلت كل ناقد يكتب حسب ثقافته، الذي لديه ثقافة عربية تراثية لا يريد أن يغيرها أو يضيف إليها، والذي لديه ثقافة عربية معاصرة لا يريد أن يغيرها، والمرتمي في أحضان اتجاه أو نظرية غربية يعبدها ويقدسها لا يريد أن يضيف إليها أو يناقشها أو يتعامل معها، إننا نتعامل بسلبية، وبالتالي لا أرى ثمة تصورا لملامح لنقد عربي، نضيف إلى ذلك أننا لم نعتد على العمل الجماعي، الاتجاهات والنظريات الغربية تظهر مدارس في الجامعات والدوائر الأكاديمية تقوم بها مجموعات أو جماعات، نحن لا نعمل في إطار جماعة، وحتى عندما يكون لدينا ناقد مثلا في سياقنا المعاصر كانت هناك محاولة جادة للدكتور محمد مندور، لكن لم يأت من يكمل هذا السياق، كل واحد يبدأ من الصفر في تجربته هو الشخصية، وهذه مشكلة أخرى أننا لا نعمل في إطار سياق جماعي، ولا بد عندما تتشكل نظرية أن يكون هناك سياق جماعي، سواء مجموعة تعمل معا أو مجموعة يكمل بعضها البعض، نحن نفتقر لهذا العمل الجماعي، ليس فقط في النقد ولكن في كل مناحي الحياة وأولها السياسي، نحن نعمل بشكل مفرد وكل من يأتي يلغي من قبله، كما يحدث في السياسة يحدث في النقد.

 إذاً وفي ضوء هذه الرؤية كيف ترى لمشهد حركة النقد المصرية؟
 أرى أن لدينا نقادا وليس لدينا نقد، لدينا اتجاهات فردية كل يحاول من خلال ترجمة، من خلال تأصيل، من خلال تطبيق، هذه جهود نقاد لا تنكر، لكن ليس لدينا نقد، لأن كل هذه الجهود لا تعطي ملامح واحدة أو ملامح متشابهة أو ملامح تبلور مشهدا، ولا أتصور أنه في القريب العاجل سيكون هذا، لأننا لا نزال نعمل بشكل فردي، وكل يعمل حسب ثقافته وحسب انتمائه وحسب تصوراته الخاصة. ولهذا المشهد النقدي الآن في العالم العربي وليس في مصر فقط لدينا نقاد وليس لدينا نقد.

 باعتبارك أحد النقاد الذين تابعوا حركة الشعر المصري الحديث هل ترى مسيرتها في لحظتها الراهنة بخير؟
 أنا أتصور دائما أن الحركة الإبداعية في مجملها في العالم العربي بخير، صحيح أنا أميل إلى أن الإنجاز الروائي يتفوق على الأجناس الأدبية الأخرى إذا ما قورن بنظيره العالمي، لكن ربما يأتي بعده الشعر وربما لا تظهر في الصورة ملامح لحركة مسرحية، لا أقصد أن هناك مسرحا لكن ليس هناك مسرح يمكن أن نسميه مسرحا عالميا مصريا عربيا، لكن هناك روايات وهناك حركة شعرية نجد منها ملامح كثيرة جيدة وملامح كثيرة مع نظيرتها عالمية، نعم الحركة الشعرية بخير لكن الحركة الشعرية أيضا في حاجة إلى حركة نقدية تنظمها وتنسقها وتدفعها.

أكيد هي متأثرة بالواقع النقدي، لكن هناك وهجا شعريا وهناك تجارب شعرية متنوعة، الجميل هو هذا التنوع الكثير ما بين قصيدة التفعيلة والقصيدة العمودية وقصيدة النثر، كل هذه التجارب التي تتجاور وتتميز مع بعضها البعض فيها الجيد وفيها غير الجيد كثير، لكن الإجمالي لدينا حركة شعر يمكننا أن نفخر بها عالميا، لكن هناك نقطة أخرى ينبغي أن ننتبه إليها وهي أن لدينا قصورا شديدا جدا في الترجمة من العربية إلى اللغات الآخرى وبالتالي منجزنا هذا لا يصل إلى العالم إلا بجهود فردية، ربما نستطيع أن نؤثر بعض شعرائنا وبعض قصائدنا ربما تستطيع أن تؤثر عالميا، الشعر الصيني يؤثر الآن في حركة الشعر العالمي، لأن الدواوين التي تصدر في نفس الأسبوع بالصينية تصدر بالفرنسية والإنكليزية مع كبرى دور النشر باتفاقات حكومية ودعم حكومي، نحن ليس لدينا هذا، فحتى الجيد من إبداعنا قد لا يجد الترجمة، يمكن هناك حظ للرواية بعد فوز نجيب محفوظ بنوبل والتفات بعض المستشرقين والدارسين والمهتمين لترجمة وقراءة بعض هذه النماذج، وإن كانت حركة قاصرة لأنها فردية وربما لأنها توجه بعوامل سياسية وأيديولوجية، لأننا ننتظر أن يأتي الآخر ويترجم لنا، التجربة الصينية والتجربة اليابانية التي أتحدث عنها بإعجاب شديد جدا ينبغي أن نتمثلها، هناك دعم حكومي واضح.

حرب أشخاص

 إذاً ما يحدث لدينا هو نوع من الصراع بين أشخاص وليس بين أشكال؟
 نعم أتفق معك في هذا، وأتصور أنه أحد عيوب المشهد الثقافي العربي، نحن نضيع وقتا كبيرا في محاولة محاربتنا لبعضنا البعض كأشخاص كمبدعين وكأشخاص وكنقاد وكمثقفين، ومن الأفضل أن ننتقل إلى المعارك الأدبية، أن نتحاور وأن نتصارع وأن نختلف أشكالا واتجاهات ومدارس، نضيف ونحذف ونتحاور، لكن نتحاور كما ذكرت كأشخاص ونحاول نفي بعضنا البعض حتى في داخل الاتجاه الشعري الواحد. وأنا لا أريد أن أستثير الأصدقاء الذين بدأوا مع بعض في تجربة السبعينيات وما كانوا يسمون أنفسهم مجموعة إضاءة أين هم الآن من بعضهم البعض وكيف يتحدثون الآن عن بعضهم البعض وكيف ينفي بعض منهم الآخر وكيف يوجهون الاتهام لبعضهم البعض مع أن ظهورهم ارتبط بوجودهم كمجموعة في مقابل تيارات أخرى بعد أن تواجدوا على الساحة الآن هم لا يختلفون مع الاتجاهات الأخرى بقدر ما يتجهون مع بعضهم البعض، هذا نمط من أنماط الصراع الذي تحول من الصراع من أجل الشكل الشعري ومن أجل المنجز الشعري إلى صراع شخوص ضد بعضها البعض وضد مصالح شخصية لن تفيد القصيدة العربية.

 منذ فترة كنت أثرت موضوع السرقات الشعرية وتطرقت أيضا إلى بعض النقاد وترجماتهم الحرفية وإدراجها في كتبهم باعتبارها نصوصهم الخاصة؟
 أنا أتصور أني لست أنا فقط وإنما كثيرون اكتشفوا ويكتشفون هذا، انظر على سبيل المثال عندما نشر د. حامد أبو أحمد كتابه عن بعض نقادنا الكبار كيف كانوا ينقلون من لغة بعينها ويعتبرون هذا نوعا من التأليف، وأشار إلى ذلك كم وجد من العدد وكم وجد المعارك، أنا أتصور أن هناك كثيرا من هذه السرقات لا يزال غير مكتشف بعد سواء في المشهد الإبداعي أو المشهد النقدي، لكني أتصور أيضا أن وقتا سيجيء يمكن أن يكون فيه نوع من الموضوعية ويمكن أن يكون فيه نوع من الشجاعة لدى مسؤولين ولدى صحفيين يمكن أن ينشروا هذا دون حسابات.

[*محمد الحمامصي - عن السفير اللبنانية*]

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى