الثلاثاء ٢ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٨

هوس بالنهايات والسياسة

بقلم: الخير شوار/ الجزائر

قراءة في مجموعة (فجائع الاسمنت والعربر) للشاعر الجزائري ناصر معماش

أول ما يثير التساؤل في عنوان هذه المجموعة الشعرية هو كلمة "العربر" التي يتضمنها العنوان في شقه الأول، لكن السؤال سرعان ما يجيب عن نفسه إذا واصلنا قراءة العنوان في الشق الثاني المرسوم بخط مختلف عن الأول وأقل حجما منه وهو "أمسيات الورد والرمل بين العرب والبربر"، فكلمة العربر الموجودة في الشق الأول منحوتة من كلمتي "العرب" و"البربر" ومن هنا يأتي "المواطن العربري" الذي نبحث عن فجائعه وعن "أمسياته" بين طيات هذه المجموعة الصادرة حديثا لصاحبها الشاعر ناصر معماش.

المجموعة الشعرية هذه هي الثانية في مسيرة ناصر معماش الذي سبق له أن نشر في بعض الصحف وعرف في المنتديات والملتقيات الشعرية منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، وأصدر مجموعة شعرية أولى بعنوان غريب هو "اعتراف أخير" الذي لم نعهده في نهايات الشعراء ناهيك عن بداياتهم، فالعنوان كان يوشي بأن صاحبه سيقلع عن الكتابة والنشر خاصة وهو معروف بزهده في ذلك، لكن تلك القراءة ثبت خطؤها بدليل أن ناصر معماش أصدر بعد ذلك بعض الكتابات الموجهة للأطفال وهاهو الآن يصدر مجموعته الشعرية الثانية وهذه المرة عن "منشورات الإمتاع والمؤانسة" التي نشرت مجموعة من الكتب الأدبية في الآونة الأخيرة في تجربة جديدة.

وما يلاحظ لدى تصفح المجموعة الجديدة هذه في البداية أن صاحبها وطَأ لها بكلمة اسماها "تصريح متأخر" وهي العبارة التي تذكَرنا بعبارة "اعتراف أخير" عنوان المجموعة الأولى التي سبق وأن قرّأناها بشكل خطإ، فندرك من خلال العبارتين أن الشاعر مهوس بـ "حديث النهايات" و"حديث التأخير"، وكأنه متردد دائما بين القول وعدمه، أو يعتقد بأن ما سيقوله في لاحق الصفحات التي يتضمنها الكتاب أنه جاء متأخرا، أو قد لا يفيد قوله شيئا لأن الكلمات فقدت معناها والقصيدة فقدت جمهورها الكلاسيكي ولم تعد تهز الناس مثلما كانت في وقت مضى، أو أن المتن الشعري بمختلف أشكاله واتجاهاته في حالة تشبع حقيقي ولم يترك الأولون للآخرين شيئا يمكن أن يقولوه فتطرب لهم الآذان وتشد إليهم الرحال، أو هذا ما نفهم بين سطور وخلف سطور تلك البدايات-النهايات المهوس بها الشاعر وعلينا أن نعيد قراءة تجربته في تنويعها الثاني هذا بعد التنويع الأول الذي اعتقدنا سابقا أنه الأخير وما هو بذلك، وإنما الخطأ في قراءة العنوان تنجر عنه أخطاء وخطايا في حق النص وفي حق التجربة الأدبية ككل.

ولأن الشاعر مهوس بـ"النهايات" دعونا نبدأ من النهاية، من الغلاف الخلفي الذي يحمل في أعلاه عبارة مغرية بتتبع ما سيأتي تحتها وهي "شعراء بلا فواصل" وقد "شيدها" صاحبها بطريقة تشبه تلك التي يكتب عليها أسماء الجنود الذين يفقدون في الحروب الكثيرة التي عرفتها البشرية في تاريخها الدموي الطويل، والمكتوبة في تلك الصروح التي تسمى "نصبا تذكارية" ففي هذاّ"النصب"، نقرأ أسماء كثيرة لأشخاص نعرفهم بكتابة الشعر وأشخاص ببعدهم عن ذلك، وبعض الأشخاص الآخرين في فئة أخرى لا نعرف عنهم شيئا وخارج النص وخارج السفر تماما سألنا الشاعر عن هؤلاء الجنود عفوا الشعراء المجهولين، فأجاب بأن الكثير ممن تضمنتهم تلك الصفحة الصغيرة لا يمتون للكتابة الشعرية بالمفهوم المتعرف عليه بصلة، فبعضهم زميله في العمل وبعضهم يقاسمه السكن في الحي وبعضهم يلعب معه "الدومينو" في المقهى مساء وبعضهم كان يلعب معه كرة القدم في الصغر وبعضهم ساعده سابقا في التصفيف أو ما شابه ذلك، ولو أن الناشر لم ينقص من القائمة لأسباب تقنية لطالت كثيرا وشملت الكثير من "الشعراء المجهولين".
a
وعودا على العنوان لهذه المجموعة التي لم يبتعد فيها صاحبها كثيرا عن روح وشكل القصيدة الكلاسيكية، ولو أنه استعمل لغة بسيطة عصرية لم نعدها كثيرا في القصيدة الكلاسيكية المتداولة عندنا والتي تتخير بعض الكلمات دون غيرها وبعض الأغراض والمواضيع دون غيرها بحجة أن للشعر ألفاضه وحتى "أغراضه" المحصورة، بل واستعمل بعض الكلمات الدارجة والمأخوذة من لغات أجنبية وأقحمها في الإيقاع الخليلي، فالعنوان الذي نفتح من خلاله القصائد ككل إن اختزلنا العربر مع "العرب والبربر" المقابلة لها لخلصنا إلى نتيجة مفادها أن كلمة فجائع مرادفة لـ "أمسيات" وكلمة "اسمنت" مرادفة لـ"الورد والرمل"، فوردة الرمال تلك التحفة لم يبق منها شيئا في زمن الاسمنت الذي أتى على كل شيء، أما الأمسيات التي تحيلنا إلى الشعر تحولت إلى فجائع تلكم الكلمة المشبعة بالمأساة.

بقلم: الخير شوار/ الجزائر

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى