الخميس ٣٠ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٨
بقلم طلعت سقيرق

وطن بحجم الذاكرة

سيسألون ذات يوم عن هذا المعنى الكامن فينا حين نصرّ على أن يكون الوطن الفلسطيني الذي نريد، أو الذي نصرّ عليه، بحجم القلب والذاكرة والذكريات والأيام التي مضت والأيام التي نشهد وكيف سيكون شكل هذا الوطن إذا كان ما نريده يحتاج إلى قياس غريب عجيب لا يستقيم على متر أو فتر لأن مساحته أبعد من كل المقاييس التي نعرف وأكبر من كل الأشكال التي نضع.. لا بد أن يقال كيف ستكون فلسطين بكلّ هذه الصور،وكل هذه المفاهيم المعنوية، ومن يستطيع أن يأتي بها على هذا المستوى من القياس الذي يخرج عن أي قياس؟؟!!..

ما أسهل الجواب .. بل ما أقرب ما نريد إلى التحقق بصورة لا تحتاجون معها إلى متر أو مقياس تعارفتم عليه..بكل بساطة ..بل بغاية البساطة أحضروا أي فلسطيني واتركوه في أول أرضه وقولوا له ضع لنا حدودا حتى نعرف أين تبدأ فلسطين وأين تنتهي؟؟..ستجدونه دون حاجة لغير قلبه وذاكرته وعواطفه ولغة مشاعره سيحدد لكم فلسطين بشكل تعجز أدق آلات القياس عن القيام به ..لا نطلب منكم أن تأتوا بشيخ عرف فلسطين شبرا شبرا من قبل ، ولا نطلب منكم أن تأتوا برجل حفظ تفاصيل البلد عن ظهر قلب .. هاتوا طفلا فلسطينيا يزحف واتركوه ستجدونه يحدد لكم كل شيء بشكل يذهلكم .. هاتوا ضريرا لم يشاهد من قبل أي شيء من فلسطين ..اتركوه فقط يتنسم هواء الوطن ستجدونه دون أي مساعدة يضعكم أمام خارطة فلسطين كلها .. صدقوني لن يترك شبرا واحدا !!..

لا بأس أيقظوا الشهيد من قبره وقولوا له تعال ودلنا على فلسطين كاملة غير منقوصة سيأخذكم إلى آخر شبر دون أن يضيـّع ذرة تراب واحدة..هاتوا ما يخطر لكم على البال وجربوا ستجدون أن فلسطين فينا لا تتغير ولا تتبدل ولا تحتاج إلى أدوات قياس ..هذا شعب لا يتكرر ولا تتكرر ذاكرته ولا يتكرر حبه .. فاتركوه فقط على أول الطريق وستدهشكم النتيجة دائما لأن الوطن الفلسطيني سيكون فيه كما مجرى الدم ..لا شيء يغيره أو يبدله ..

لا بأس لكم أن تزدادوا وتزيدوا في حجم الفحص والتمحيص والتدقيق والذهاب حتى آخر المشوار. هاتوا الجنين وهو في بطن أمه، وجربوا أن تضعوه على طريق فلسطين سيصرخ معلنا دون كلام أن فلسطين تبدأ هنا وتنتهي هنا، وان لا شيء يغير قناعة هذا الجنين بأنه يعيش وطنه بكل ما فيه دون انتقاص وإن أنقصتم سيصرخ بكم فلسطين التي أعرف مولودة معي وموجودة في ملامحي فلا يمكن لكم أن تغيروا منها شيئا ..

هل هي الذاكرة الفلسطينية أم الحب الفلسطيني أم ولادتنا على هذا الشكل منذ البداية لأن فلسطين قدر الفلسطيني وذاته ونفسه وشخصيته وملامحه وصورته وأنفاسه وان التبديل والتعديل والتغيير والانتقاص يعني ذبح هذا الفلسطيني وقتله والتلاعب الأحمق بقدره؟؟.. إنه كل ذلك وأكثر ..مكتوب لنا وعلينا وبنا ألا نترك شجرة واحدة لأي ٍ كان.. فانتزاع حبة رمل يعني تغييرا في كل ملامحنا ومفاهيمنا وقدرنا وتماهينا مع هذا القدر.. ومن الطبيعي أن يكون ذلك غير ممكن أو مقبول، لأن القبول يعني قتل شعب وإفنائه وخنقه وذبحه ..فكيف نرضى وعلى أي أساس إذا كنا نعرف كل ذلك ؟؟..

الذاكرة وحدها هي سياج فلسطين وفهم ما هو فلسطيني..القلب وحده هو الذي يعرف ويعي ويدرك ماذا تعني فلسطين..المشاعر تنفجر وتضيع حين ننقص شيئا من فلسطين.. فبالله عليكم كيف تريدون لنا أن نترك حبة تراب واحدة مهما كانت الأسباب..أي تنازل يعني انتحار شعب كامل.. ولأننا مشغولون بل مغرقون في حب فلسطين، فلا نريد أن ننتحر.. آمنا ومشينا وسنبقى حتى تعود كل فلسطين..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى