الخميس ١٠ نيسان (أبريل) ٢٠٠٨
بقلم جمال عبدالرحيم

ولما أشتكي بعد

وأشقى يا أبي
لأنك لم تكن لصا
أو سائسا،
في اصطبلات أمير..
ولأني أمي،
لم تكن بغيا
أو قارئة كف
على قارعة طريقٍ...
 
لأن البرتقال في يافا
جف..
ولم يعد نقيا.
ولأن هدير الدبابات
خالد في ذاكرتي
مثل أنين الضحايا
لم يمحه صخب المدينة
ولا أضواء الغربة..
ولم يعلو عليه خفق فؤادي
كلما رمتني بألحاظها شقية...
وأشقى لأنك لم تكن بهلوانا
في بلاط السلاطين
فلن تورثني يختا
أو متجرا
أوبرجا
أو حتى حفنة تراب
أزرعها بالحب العصيان
ووردة جورية....
 
ولأنك لم تكن جلادا
تجمع دموع الناس في قارورة
فتحتسيها كأسا كأسا
في غرور..
في وليمة..
ولم تنتشي بأنين فريسة بلهاء
أو عواء في زنزانة...
 
ولأن يدك لم تألف سوطا
أو قلما كاذبا..
بل كنت شاعرا
قوافيك الصمت
وبحور شعرك اللعنات.
وفلسفتك....
تستوحيها من رغيف الخبز
( كيف تعيش اليوم
ولا يؤرقك الغد ).
وأشقى يا أبي
 
لأنك من نخيل العرب الباسقات
يشبع من جناك مسافر
وقاطع طريق..
وتشهد الحفلات الصاخبة
وعند جذعك تدفن النفايات
فتكون لك سمادا..
(ويا لحظك السعيد
لم تكن نفايات نووية).
 
وأشقى..
لأنك انسان بسيط
تفوح منك رائحة العرق
والتبغ،
والقهوة العدنية..
وقلبك
يا لقلبك !
زيتونة شامية..
عصروا الزيت منك نفطا
وباعوك في أسواق المدنية.
وحولك نسجوا الأساطير
" صامد في مخيم "
وأمك في أعالي الجليل
ما زالت تحيك لك كنزة صوفية
لأنك يا ابن الستين
ما زلت في عينيها الحزينة
صبيا...
 
ونصف عمري أشقى وحيدا
لأن البدر والنجوم شاحبة
وٍسهول الشام بلون النبيذ
لم تمطرها بالرحمة السماء
كيف..؟
كيف..؟
وقد علت في سماء العرب
شمس من ورق
تحرقنا منذ النكبة
بالشعوذة
والنار
والحديد
وننعم بدفئها بالحرية !
( ثلاث وجبات في اليوم
وسبعة أنفاس ..
نهتف فيها بخلود الزعيم ).
 
وأشقى..
كل أيامي جمعات حزينة
لأنك من حواري المسيح..
رويت بدمعك العصي
أشجار اللوز والتين.
(يا شهيد الأكاذيب)
لأن الأرض لم تعد لنا
لأن المستقبل مثل منامي
أسيرا..
أضغاث..
تلوثت بي البيئة
وازدحمت بي زوايا الأرض
ماذا سيكون منك ميراثي ؟
أغير تركة أبيك؟؟
حلم يزيد من شقائي
ورسومات بساتين..
اغير ترحال المشرد الطريد
(لاجئ بالولادة)
غجري القرن العشرين....
 
أيرضيك يا أبي؟
أيرضيك يا شهيد ألأناشيد؟
في جنون الليل
كفرت على مضض
بأديان القرن العشرين
واعتنقت اللامبالاة دينا
وتصوفت فيه..
أيرضيك يا أبي..؟
أرضيك..؟
تمنيت لو كنت لصا
تمنيت..
لو كنت كاذبا أفاقا
كي لا يطول شقائي
وفي غد،
كي أنجو محاكم التفتيش
وهوان الرغيف....

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى