السبت ٤ أيار (مايو) ٢٠٢٤

«وهل يرقد الموج» ديوان للشاعرة الجزائرية لويزة ناظور

عقيل هاشم

وهل يرقد الموجُ -عنوان الديوان الشعري للشاعرة والإعلامية الجزائرية لويزة ناظور والمقيمة في فرنسا، والصادر عن دار"أزمنة"الأردنية، الطبعة الالولى، والطبعة الثانية والثالثة صدر عن منشورات القرن 21للنشر والتوزيع والترجمة، بالجزائر، سنة 2023م، الديوان يتكون من 27 نصا شعريا،في 130صفحة،عن منشورات القرن ٢٠٢١ للنشر والتوزيع والترجمة.. تحت إشراف الأديبة سليمة مليزي.. كما اصدر للشاعرة ثلاث دواوين شعرية –(الريشة والاسفار –اوديسا الكلمات – تنهض بي بعيدا)، وقد حظي الديوان بتقديم الكاتب المستعرب الفرنسي أندريه ميكيل، الذي أشادَ بالروح الصادقة للشاعرة لويزة، والتي تعكسُ صورة المرأة التي عاشت بين الضفتين، وظلت وفيةً لزمانِها ومكانها اذا يقول: (ثمة قلب يكتب بارتعاشات مشاعرها،لكن هذا كله في نفس متواصل، على طريقة هذه الموجه التي تعود صورتها هنا وهناك،نفس يستعيد، بطريقته كما بلغته،نفس التقاليد العربية الكلاسيكية حول هذه الموضوعات التي لاتنفد التي هي الحب،والموت والاخرة، من امسيات الحجر الصحي).

من قرا قصائد الشاعرة يجد ان تفرّدها في أسلوبها الشعري، فهذه الخاصية أمتلكتها منذ ديوانها الأول «الريشة والاسفار» الذي تنوّعت التأويلات عنه لتخلق قيمة تعبيرية لشعرها على أساسه، لأنَّ العمق الجوهري لأيِّ نص من نصوصها قائم على التكثيف وشعرية اللغة، الديوان، بالمجمل -قصائده تناولت موضوعات عديدة، وتميزت بلغتها الجميلة، وصورها الشعرية، وصورت هواجس المرآة لاسيما مفهوم الاغتراب ومعاناته النفسية، وتشظيه، بعيدا عن الواقع الذي تعيش فيه.
يقول عنها الكاتب الجزائري: "أنور بن مالك”: (إنها تكتب عن الحياة اليومية، عن الحب، ومشقة العيش…، حتى أن لشعرها عمقا روحانيا، فحين تقرؤه تظنُّ وكأنه دعاء ومناجاة“، ربما هي بذلك تماثل الشعر الصوفي الذي يعتبر منبعا للتعبير الصادق، وما يتميز به من إيجاز لفظي ودلالة رحبة، ولطالما عبر الشعر عن المشاعر الإنسانية ورسم ملامحها أكثر من أي نوع أدبي آخر)

عنونة الشاعرة الديوان بـ« وهل يرقد الموج» يدلل على أن القضية الرئيسية التي تنطلق منها الشعرية الإبداعية في هذا الديوان هي قضية التحدي وهو ما يعني دلالياً أنه تعبير عن حالة إجمالية للموقف والتصدي له، الذي تواجهه الذات. وإن عناوين القصائد تعكس هذا التحدي مع رغبة داخلية شديدة بالبوح المصاحب للشعرية، نخلص الى ان عنونة الديوان ينطلق من كونه رسالة محبة إلى الوطن-الام- الطفل –الرجل –الامكنة - (الملاذ) الذي يجعل الشاعرة على قيد الحياة. وإن الشاعرية هنا تتحدث عن فكرة الحياة ضد الموت لا عن شخص بعينة، عن فكرة الحنين والتضحية بالغالي والنفيس من أجل الوطن، وهذا ما تمجده الشاعرة وتعظمه..

واما عن فنيات البناء الفني للقصائد نقول انها تمنح قارئها بعدا جماليا، كما أنها ترفع من مستوى الدهشة بالحلم والعالم السحري –الموج-، وتلعب دورا مؤثرا في جعل النص أكثر عمقا واكثر نضجا وشاعرية، وكذلك مايلاحظ التناص والاقتباس لنصوص من الكتاب المقدس- نصوصا موازية تعضد المعنى..

سلاما على بني البشر
سلاما على الذي قرا باسم ربه
الذي علم بالقلم
علمه مالم يعلم

بالإضافة إلى عناوين القصائد فقد جاءت ذات دلالات عميقة تستدعي التأمل والتفكر، وكان لافتا فيها الإهداء الوجداني المؤثر للوطن.

الاهداء: (الى ابتسامتك الشامخة الصامدة في وجه الكرى يا جزائر..)

لا يقتصر حضور المرأة في قصائد معينة، بل في قصائد الديوان قاطبة، كل قصيدة تحاول أن تستخدم رمز المرأة للتعبير عن حالة وجدانية أو إنسانيّة أو ربما عدمية ذاتية فيها من نمط كتابة الغياب، كما في هذه القصيدة بلغة شعرية مكثفة ومختزلة، ففي كل قصيدة هناك فكرة عميقة تكمّل بعضها في قصيدة أخرى وصولاً إلى المعنى الشامل، الذي يأتي عادة على شكل تساؤل وجودي، لكن بدلالات وإحالات مختلفة كتبتها الشاعرة بشعرية باذخة.

الصوت الشجي
ينشز باخر الاخبار
وتفاصيل مستجدة
تفيدنا:
كيف انتهت رِحلت الطفل
الخامد على شاطئ الفناء
يالقبح الصبيحة

وبهذا الأسلوب تطوّع الشاعرة الشعر عموماً اللغة لتوسّع من مدارها ليغدو التجانس الفكري بين الحلم والموجة رؤيةً من عالم الفنتازيا، ومن صميم هذا السحر حيث ينبع عالم جمالي حميم ينمّ عن وعي عميق تفرضه الشاعرة، وهكذا تجعلنا نترقّب في استمرار تجليات قصائدها الشعرية..

في حَضْرَةِ المـَوْجْ
يُوقِظُ مَضْجَعي أَرَقٌ
يُبـرحُ بِيَ الوَجْدُ
حِينَ يُناجِيني مَوْجُكَ العَلِــيل
يُشرَّدُ نَوْمِي
وأَنْتَ تَجْتاحُ مَنافِذَ الجِنانْ

هكذا تتولّد بنىً ومعاني وتصوّرات الشاعرة لتحتلَّ مساحة واسعة في قصائدها كي تضخّ لغتها بدلالات تشيع جدلاً جمالياً مستنطقة عالمها الفنتازي، فالإحساس الجمالي بالشعر يستلزمُ فكراً وإدراكاً وخيالا ليفرض أسلوباً سحرياً يكشف عن تصوّر دلالي لوجودها، وهذا يعني أنَّ الصور الدلالية تتنبّأ بظهور حدث مضمر أو مستتر في تراكيب خفية،

أمْتَطِي الـمِتْرُو
أَجُسُّ نَبْضَ باريْسَ
في شَرايِينِ أنْفاقِها
وحِينَما
أفْتَحُ نَوافِذَ الجَرِيدَةِ
عَلَى عَالَمٍ
تَكَالَبَتْ عَلَيْهِ حُرُوبُ التُّعَسَاءْ
يا لَقُبْحِ المـَسَاءْ

وهنا تتفرد الشاعرة بتجربتها الخاصة مع وطنها فقد حاولت الشاعرة الموازنة ما بين التجربة الذاتية المحفوفة بالقلق، والطابع الفني الذي تتطلبه القصيدة الحديثة، لكن الصوت الذاتي الواعي كان يتغلب على السياق الشعري ما جعل القصائد تعتنق المجاز والإيجاز.

تعريت
من كل شوائب الرمل
ولبست
زبد البحر ثوبا ابيض

أثبتت الشاعرة ومن خلال تنوع النصوص شكلا ودلالة أن التجربة الشعرية الواحدة قد تحمل عدة محطات متنوعة لا تقبض على المعنى بشكل فوري ولا تتلقاه، بل تترك اللاوعي يبوح بما اختزنه من مؤثرات ومشاهد انسانية حميمية.

تتوخى من خلالها التغلب على الوحدة والوهن، الذي ظهر بصيغة تساؤلية في عنوان الديوان (هل يرقد الموج) كمعادل موضوعي يحتوي أرق الشاعرة ونزوحها نحو النجاة.

قررت ان اكتب فيك
كأني سوف احيا ابدا
وان استغرق في حبك
كأني سأموت غدا

وختاما اقول ان الديوان هو مغامرةٍ كتابية، والشاعرة مارستْ مستوىً عالياً من التفكير الشعري العاطفي والذي سجل حضوراً عند المتلقي، إذ عالجت النصوصُ موضوعاتٍ ذاتيةً وموضوعية، فضلاً عن قضايا اجتماعية يومية وتجارب شخصية تندرج تحت السيرة الذاتية للشاعرة، وهذه النصوص اتسمت بالاقتصاد اللغوي والتكثيف التعبيري في صياغة جُملة شعرية اخاذة، ووفقا لما تقدم يمكن القول أن معظم تلك النصوص اعتمدتْ على حدث أساسي، الوطن- الام – الطفل واتخذتْ منه الشاعرة عالمها الحلمي المفقود. ولعل أكثر ما يميز أسلوب الشاعرة قدرتها على هدم الحدود بين الواقع والخيال..

عقيل هاشم

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى