الاثنين ٢١ آذار (مارس) ٢٠١١
العازر العربي بْرومِثيوساً نهض!
حمّودان عبدالواحد
الشعوبْفي دنيا العربْجثث!منذ زمانْجثثْ!في أمانْفي سكونْكصورة تمثالْفي نسيانْلفّه الصمتْضمّه الموتْفي زاوية مكانْ...!ولم أكن أدري،في زهرة حياتي،محسوب أنا من الجثثْ!كنت حمَلا وديعاً جرّه الظمأبعد يوم طويل من المرحإلى مجرى ماء تحرسه الذئاب!كنت برعمة حالمةتريد أن تطير!ياليت أزرقي البريء كان يعود!ياليت أجنحتي كانت فراشة تدوم!فلا أنا شربتُوما تركوني أطير!أوقفوني،قيّدوني ،اِغتصبوني ،مزّقوني قطعاَ...بعثروني في الشوارع والدروبْ،وزّعوني على القارات والمحيطات،وكنتُ لقمة صائغةللأسواق والجشع والحروبْ،للأفاعي والتماسيح والقروشْ...!ياليت العرببعد ما رموا جثتيفي الطرقات،كانوا حنّوا عليّ،كانوا جمعوا أشلائي،كانوا هزّوني،وشيّعوني في جنازة!وقاحة العربتركتني جثة ممزّقة...وعارية، عارية!تمنّوْا لو عفنتُ وفاقت دُمّلي!تمنوا لو تحوّلت أنا الجثةإلى مفطرة،إلى مزبلة،لو أعلن الذبابُ مهاجمتي،ومصّ الدودُ ما بقي من دمي...لو فرستني الضباع الجياع...لِمَ عليّحمَلواوكانت حُمّاهم ضاريّة ؟أنا لم أكن في يوم من الضباع!أنا كنت دائما في صفّ الجياع!********كم عانيتُكِدْت أجنّأوْشك قلبيأنْ يتمزّقيتخلى عنّيحين رأيت من وراء ستارْرجلا أبيضَايتآمر مع أقاربيعلى تغييب كل الجثث العربية...سمعتهم يهمسون:" سنقول لكل من سألعن مفقود أو غائب من الجثثلا داعي للوقوفلاعلم لنا بالموضوع "!جثث، جثثهم العرب!دُمى راقصةلعب رامشةمحشوّة هياكلهابالغاز والغازاتباالبتردولاراتصُنِعت ليتسلىبها الأقوياءُ من الغزاةمن الحاكمين عند العجم!********شيء محزن وسخيف أن ترىالشعوبَ العربيةكانت جثثا في الأرض تمشيتحمل نظارة سوداءوعلى رأسها كْريمْ شانتيي...جثثكانوا قد حقنوهابشتى أنواع الحشيش والأفيون!كانوا قد صبغوهابكل ألوان الطلاء والزعفران!كانوا قد حنطوهابكل أشكال التوابل والكبريت!ولم يكتفوا فزادوا في التزويق والتزوير...قاموا بدلكهابغرائب الزيوت والأذهان،ولففوها في خِرق وضمادات بالية...لكن كانوا قد انتبهواإلى العيون لم يبق منها إلا الثقوب،فحشوها بغبار أبيضونقطة من رماد أسود في الوسط...( ما كانوا يعرفونأنّ الغبار والرمادسيأتي عليهما يوميصبحان فيه شرارة ورصاصا! )كجثة ضخمة منتفخةكالبالونكحُجرة خاوية تُصَفِر فيها الريحكان العرب...قيل عنهم لن ترجع الروحإليهم يوما لن تعود!قيل وكَثر القالحتى جاء المعاد!وحدث العجبْ،عجبُ العُجاب!فجأة، وفي مسّ من جنون الانبعاث،نفخ إلهُ الحياةفي خياشيم العازر العربي،تمّوز الربيع...فقام من سباته العميق...نفض عنه غبارَ الزمن القديموتعفنَ السنينمزّق عن عينيه حاجزَ العماشوبيوتَ العناكبأخرج من كبده نابَ الخنزير...ولبس الجديد...*******قام العازر العربي برومثيوساًفي وجه آلهة الأولمبالمتغامزة عليهالساخرة من أحلامه...لم تصَدّق أنّه تمرّد عليها،أنّه يحمل شعلة النار ...لم يُصدّق لمّا تفرّس فيهاوانفضح المستورأنها بدون عيون...ما كان يعلمأنها بلا أنف وسمع ولسانأنها أجسام خاوية،لا حسّ ولا فِكر !" الآن عليّ أنْ أكسّر القضبانوأهدّم الجدرانوأخترق الحيطان "!هكذا قال، هكذا فعل:حرّر المقيدين على الصخورقتل النسور القوقازيةفي تونس وساحة التحريرطارد " قاذفيه " بالجنون في الأرض البنغازية...ما كانت شراراتُ شعلته لِتوقِفها حدود!ألم تقفز في اتجاه المنامة وصنعاء ؟ألم تشق طريقها إلى مسقط وبغداد ؟ألم نراها سقطت كنيزك من السماءعلى قمة الأطلس والريف والشيماء...؟كم حاولوا أن يطفئوها،وكلمّا فعلوااحتدم زيتُها نارًا ولهيباَ...!********أرى برومثيوسَ العربيَ في آخر عصيانهواقفا ثم جاثا على ركبتيهأمام بحيرة طبْريّةيغترف حفنة ماء بيده،لا يشربُبل وجهَهُيتأمّلْ...يرى قبّة القدس في دائرة كفيْه،تلتقي نظراتُه بعيونها الساحرة،يفتتنْ بأسئلتها،بجلال ألوهيتها...تُحَمّسُه انتصاراتُه،فيقلع عن حياءه المعهودويعلن عن حبّه المنبوذعن عشقه أمام الوجود:" ها قدْ عدتُ "!فترتجّ الدنيا،ومن كل مكان تجيء الردود:" عُدْتَ قائداَ، أهلا بك "!********من يبدأ برومثيوساوينتهى عاشقالقدسهلنفسهيُعَرّي بشعلة قلبهأسرارَ الجمالوتزهرُ شفتاهُ الحَرّتان على ثدي الحياة…من ينهض برومثيوساويقاوم عاشقايكون نرجسُه عطرًامن جذوة الشمس…تكون قبلته قمرًامن ثورة الحلم...تعانقه النجوم وتسكن في جحيمه السماء...
حمّودان عبدالواحد