السبت ٢ حزيران (يونيو) ٢٠١٢
بقلم مرفت محرم

عابر سبيل

إنها الحياة عندما تغلق أبوابها، وتوصد نوافذها، وتحجب شمسها، وتسجن قمرها... عندها يطل شبح الموت الذى يوزع حرقته وأوجاعه الحارة، ويغرس مخالبه وأظفاره، فيشجى النفوس بالهلاوس، ويُترع المشاعر بالبلابل والوساوس، فقد ساد الشجن والهقاع، واشتد الأسى والارتياع، وحلت المنابه، وفازت الكآبة، وآن الأوان، لدفن الجثمان، المعطر بالريحان، وأذن التراب بالاقتراب والأحضان، وجاءت الآهات من بعيد ومن قريب، واشتد العويل وارتفع النُحاط والنحيب، وخَبعت الأصوات بالأنين، وانسحمت من الحنين، واغرورقت العيون، من الحدث المنون

إنها الحياة التى تبدو كبيرة، وإن طالت قصيرة، سعادتها وقتية، ومتعتها مريرة.... فلينظر الإنسان فى الدهر وفى صنوفه، والموت وفى ظروفه، من فاتحة أمره، إلى خاتمة عمره، هل له من حيلة فى تأخير أجله، أو تطويل أمده.... كلا وألف كلا، بل هو العبد لم يكن شيئاً مذكورا، خلق مقهورا، ليس بيده اختيار، هو من العدم أصلا، ثم الوجود فضلا، فجاء الموت عدلا

إنها أشباح، تروح وتجىء، وآجال تُمسى وتغتدى، فلا أراد الدهر إيلام مَوجع، ولا استنزاف مَدمَع، إنما هى سنة الخلق، فى هذا الملك

إن الأقدار سهامٌ إذا انطلقت لن ترد، وإن الخطوب لهى هى تأتى من كل حدب وصوب، ولكنها تتفاوت فى إمكانية الصبر والجلد، طبقا لمقدرة الرجل والولد...

فيا ضحكى أين أنت الآن منى، وشفير القبر وروح التراب يملأ عينى، وكأن حفرتى ابتلعت دنياى التى كنت فيها، وصعدت روحى إلى خالقها وباريها

فالإنسان السعيد، من يعمل الحساب، ليوم الميعاد فيأخذ بأسباب النجاة، ولايؤمل فى هذه الحياة الدنيا، التى هى فانية مهما طال به المقام، وبهذا تكون الأمراض والمصائب والآلام، ليست مكاره تهلكه وتقهره، بل هى مداخل تسعده وتفرحه، وتعده وتبشره بخالد الجنان وتربحه فلا يضره حرمان، ولا يجزع، ولا يفزع،وهو القريب من الرحمن.... ولا يغريه من الدنيا متاع، فبزهده قد باعه ولم يرتاع، فهو صاحب نفس علياء، لا يلتفت إلى حقائر الدنيا المحكوم عليها بالفناء

فحياتنا ما هى إلا رحلة عبور من عالم الفناء إلى عالم البقاء، بها محطات عديدة، هى ليست بالبعيدة، مفرحة، ومحزنة، ومواقف متغيرة لكنها محيرة، وعندما تتصورها الآن ترتسم على شفتيك الابتسامة، وعلامات الحزن والحسرة والندامة فى آن

فعندما تطرأ على بالك كلمات حزينة، ومواقف أليمة، تنشب وتنسكب على خديك الدموع فتنطفىء لها الشموع، وأخرى تتصور فيها لقاء الأحباب، حاملين الزهور والأطياب، وسحر الكلمات، والابتسامات، تطل عليك فى معظم الحالات، وتحاورك فى لحظات بهيجة وتلقى عليك البشر والضحكات، فأنت فى رحلتك مع الحياة تكسب حب الإله ومغفرته ورضاه، فازرع محبتك فى قلوب البشر، واهجر الشر وما حصل، وتخلق بالصفات الحميدة، لتصبح ذكرياتك سعيدة، ولا تجعل للشيطان عليك سيطرة، فيكفينا منه ما جرى وما كان... واجعل الدنيا معبراً وعِبرات، لا مستقراً ولا شهوات، وتزود ليوم الميعاد، بكل عمل جاد، يقربك من رب العباد...

فوالله إنها لمحطات، سنمر بها حتى نصل إلى النهاية، وتنتهى الرواية، فتخرج الروح إلى اللقاء، والجسد إلى الفناء والزوال ولا تبقى إلا الذكرى على أى حال

فالإنسان فى هذا الكون الفسيح، فى خيره وشره، سخطه ورضاه، ما هو إلا قبضة من تراب تتكبر فيذروها الريح، فمها كبر حجمها حجماً وعلا شأنها شأناً سياتى يوم من بعده... فيكنسها كنساً.... فاعتبروا يا أولى الألباب، واعملوا ليوم الحساب الجليل، فما نحن فى هذه الدنيا إلا عابرى سبيل


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى