الاثنين ٢٩ تموز (يوليو) ٢٠١٩
بقلم جميلة شحادة

صديقتي، ولٰكِنْ...

بَدَتْ سعيدة، والفرح المشع في عينيها، يزاحم أمارات الرضا البادية على محياها. كانت تسير برفقته؛ هناك في أحد أكبر المحلات التجارية في المدينة، وبتأنٍ، كانت تدفع أمامها عربة المشتريات، وترسم طريقا عبقا. كانت تنتقي زينة شجرة الميلاد؛ فالعيد، سيحل على عالمها بعد أسبوع؛ وكانت تجادله في اختيار الألوان، أو، لربما في شكل ونوع الزينة؛ ولربما أيضا، في ثمنها، لا أعرف؛ فلم أكنْ قريبة بما يكفي لأسمع همسهما، ولم يزعجني ذلك؛ إذ كان يكفيني أن أسترق النظر الى جمال المشهد عن بعد، وأقرأ بهجتها معه، تلك البهجة الصادرة عن نبض الأفئدة، المُشَرِّعة نوافذها للحب والحياة.

هنا؛ في هذه اللحظة بالذات، إحترتُ ماذا أفعل، لتزاحم الأسئلة في ذهني دفعة واحدة. هل أقتربُ منها وأُلقي تحيةً عابرة، وأتركُ لها التصرف بعد ذلك؟ هل أمرُّ من أمامها كلمح البصر، متجاهلة وجودها معه، كي لا تنتبه لمروري في غمرة غبطتها بزينة الميلاد، ورفقته لها؟ هل أظل متسمرة أمام لوحةٍ زيتيةٍ رسمها رسام مغمور وُضعتْ هي الأخرى في قسم زينة الميلاد؟ واخترت الإمكانية الأخيرة؛ أن أتسمر أمام اللوحة الزيتية؛ لأتابع كل تفصيل جاء فيها، وأطيل النظر في مشهد يصوِّر لحظة سقوط كرة الشمس في اليّم، عند المغيب.

اخترت الإمكانية الاخيرة، علِّي بذلك، أكون قد لبيتُ رغبة مخزونة في اللا وعي عندي، قبل أن أكون قد اخترتُ فعلا، أتفادى به الملتقى بصديقتي؛ هو، نصرة المظلوم، والضعيف، والأقل حظا. إبداع، فن، مهارة وإتقان، رؤيا... لكن؛ لكن للأسف لا حظ له؛ ولولا ذلك، لما وُجدتْ لوحته الفنية الرائعة، في قسم زينة الميلاد؛ ولكانت تتربع الآن، الصدارة في أرقى المعارض الفنية في البلاد؛ ليشاهدها كبار النقاد والفنانين، لا مبتاعي الزينة، أو من ينتظر مرور اللحظة مثلي. رفعت بصري عن اللوحة ؛ لأتفقدَ المكان حولي كلصٍ قبل تنفيذه عملية سرقة؛ فلم ألحظ صديقتي في المكان؛ فتيقنتُ أنها غادرته برفقة من اختارته رفيق دربها.

تابعتُ تجوالي في المتجر وأنا أردّد بيني وبين نفسي: لم أخسرْ شيئا، سأزورها في المساء؛ ولربما هي ستزورني؛ كيف لا وأنا صديقتها؟! ألم أهنئها قبل أيام بعيد ميلادها؟! ألم تطلعني قبل شهرين على مصمم فستان زفافها ؟! ألم تطلعني كذلك، على موعد فرحها، وعلى المدعوين الى حفل زفافها؟! ألم أقرأ أنا تذكرة سفر شهر عسلها؟! ألم أشاهد نوع المركبة التي أقلتها الى عش الزوجية، وأمها تشيعها بدموعها اللؤلؤية؟! ألم أهنئها أنا عندما حصلت على درجة الماجستير بالتاريخ؟! بلى، بلى؛ إنها صديقتي؛ إنها هبة، ابنة بلدي، العروس التي تدرس لنيل اللقب الثالث. إنها هبة صديقتي، التي تعرفني، ولا أعرفها؛ انها هبة، صديقتي التي لم التقِ أبدا بها، وإنما بخالتها؛ إذ أنها زميلتي في العمل. إنها هبة، التي طلبتْ أن أكون صديقتها قبل خمسة أشهر؛ فقبلتُ؛ واليوم، مساءً، سأعرف ماذا ابتاعت من المتجر، عندما كانت برفقة زوجها، حينما تدخلني الى بيتها، من باب الفيس بوك.

من مجموعتها القصصية: لا تحاف مع الشيطان


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى