آفاقُ السلام
وكل يّدعي وصلاً بليلى
وليلى لاتقر لهم بذاكا
في كل سنة، في أيلول، تجتمع ما يسمّى ب الجمعية العمومية للأمم المتّحدة وقد بلغ عدد الخُشـُب المُسَـنّدة فيها /198/ عضوا ً – كما شاءت لهم هذه الصورة الدول المتكبرة الفيتوويّة في مجلس الأمن ـ اجتمعت تلك الجمعية العتيدة ضمن ديكور مؤطَّرٍ سَلَفاً،وكلّل الجميع، من كان منهم حاضراً أوغائباً سيّان، عروسهم ليلى بالراية الزرقاء المزخرفة بغصني زيتون(وغصن الزيتون هورمز السلام الذي حملته حمامة نوح dove of peace معلنة انتهاء الطوفان)، وتكلّم المتكلِّمون، وأجمعوا واختلفوا على كيف السلام، والسلام هوليلى، إذ كان كلٌ منهم يغني على ليلاه ، وهي تقول لهم في كلِّ عام وعلى الدنيا السلام.
أيها السادة:
السلام عليكم، وعليكم السلام، عبارتان مثل: آلو، وهاي، وباي، أوبسمة صفراء، أوإيماءة بالرأس، أونظرة خاطفة، أودون ذلك، والتطنيش هوالغالب، (فعل طنّش غير وارد في القاموس لكنّه حاصل في الواقع).
السلام: هوالسحر الخالد، والهتاف الآبد ، في المؤتمرات، في المحافل، في الشعارات والقرارات، هوعلى فوهات البارود، وعبرأنين الثكالى والأيامى، وآلام الجروح، وأرواح الأبرياء، وفي حمرة الأرض الشهيدة. وفي حصاد الطغيان والعدوان، حيث تلوح آيتهم دون حياء القوّةّ هي السلام، وغير ذلك هوغثاءُ سيلٍ أوزبدٌ ذاهبٌ جفاءً.السلام الذي لا يراه إلا العميان، ولا يسمعه إلا الطرشان، ولا يتقوّل به إلا الخرسان، في كل مكان وآن. يقولون ليلى بالعراق مريضةٌ جفّت الأقلام ورفعت الصحف!
أيها السادة الكرام الذين استهواهم الحديث عن السلام فجاؤوا كمن يبحث عنه، فإذا هوسراب يحسبه الظمآن ماء،.... لست متشائماً إنما هي أغوار الفؤاد كليمةٌ.
السلام لغةً: من الجذر(سَلِمَ)، تعدّد المعنى، كمافي آيات القرآن الكريم، وكما سيأتي:
أما أقدمية الكلمة، فقد لوحظ في الأدبيات الغابرة، وكذلك في توراة موسى (ع) أن القدس اليوم كان اسمها الغابر الأول هوأور سالم (قبل أن يصبح يبوس نسبةً إلى سكانها الأصليين اليبوسيين وهم من أصلٍ عربي ساميّ وأبناء عمومة الكنعانيين)، ثمّ تطوّر فأصبح أورشالم باعتبار أن السين والشين حرفان توأمان في اللغات القديمة(ولا يزال يقال: شجرة أوسجرة، تشطّح أوتسطّح، موسى أوموشيه، سروال أوشروال، وسم أووشم)، ومعنى أور هومدينة أوبيوت، يقال أور كلدان، وهي مسقط رأس ابراهيم الخليل، وهكذا أورشالم أوأورسالم أوأورشليم معناها مدينة السلام، على الرغم من أنها لم تعرف السلام إلا في الفترة بين التحرير العربي الإسلامي عام 636م حتى بداية الإحتلال الإفرنجي(الصليبي) لها عام 1099م، واسم سليمان مشتقٌ من السلام، حيث أن عهده تميّز عن عهد أبيه داود بقلّة الحروب في عهد سليمان، الذي بدأ حكمه بالزواج من ابنة الملك فرعون حتى يكون ذلك مصدر أمن له، وتمّ له ذلك مدة حكمه البالغة /40/ عاماً.
السلام في العهد القديم
قليلة جداً استعمالات كلمة السلام في أسفار العهد القديم المتداولة، والمعروف أنها محوّرة لمماشاة طبيعة الصهيونية الحاقدة ونزعتها العدوانية وسلوكياتها الإرهابية، وعلى سبيل المثال: ورد في سفر التكوين- الإصحاح/34 أن شكيم بن حمور (رئيس الحويين، وهم فرع من الكنعانيين ذوي الأصول العربية الغابرة) شاهد مصادفة دينة بنت يعقوب(أي إسرائيل) بينما كانت تتجوّل في بعض الأرض قريباً من موضع أهل شكيم(مكان نابلس الآن)، فأخذها لديه واحتفظ بها، وأحبها، وابتغى أن يتزوّجها.... واغتاظ لذلك بنويعقوب إذ علموا ، وبعد جدال مع إخوتها أبناء يعقوب، اتفق حمور أبوشكيم معهم على السلام الدائم بينهم كما يلي: وتكلّم حمور الأب معهم قائلاً: شكيم ابني قد تعلّقت نفسه بابنتكم، أعطوه إياها زوجة، وصاهرونا، تعطوننا بناتِكم وتأخذون لكم بناتِنا، وتسكنون معنا، وتكونُ الأرض قدّامكم، اسكنوا واتَّجروا فها وتملّكوا بها، ..فأجاب بنويعقوب بمكر، وتكلّموا، فقالوا لهما: لانستطيع أن نفعل هذا الأمر، ان نعطي أختنا لرجلٍ أغلف(أي غير مختون) لأنه عارٌ لنا، غير أننا بهذا نواتيكم(أي نتجاوب معكم)، إن صرتم مثلنا بختنكم كل ذكر منكم، نعطيكم بناتِنا ونأخذ لنا بناتِكم، ونسكن معكم، ونصير شعباً واحداً، وإن لم تسمعوا لنا أن تختتنوا، نأخذ ابنتنا، ونمضي.... فحَسُن كلامهم في عيني حمور الأب وابنه شكيم، ولم يتأخّرا أن يفعلا الأمر.... فأتيا إلى مدينتهما، وكلّما أهلها، فاستجابوا، واختتن كلُّ ذكر. وفي اليوم الثالث إذ كانوا متوجِّعين أن ابني يعقوب شمعون ولاوي أخوي دينة أخذ كل منهما سيفه، وأتيا على المدينة وهي آمنة على حين غرة، وقتلا كل ذكر، وقتلا حمور وابنه شكيم، وأخذا أختهما دينة وخرجا.( هذا هوسلامهم!).
ولكيلا نتّهم بالتجنّي عليهم، نشير إلى ما ورد في أسفارهم:( قبلة السلام) والصلاة الخاصة بها، وتسمى: صلاة الصلح، وهي صيغة السلام المتبادل بين المؤمنين، كان سابقاً قبلةً حقيقية ثم أصبح مصافحة باليد. و( بركة السلام) التي يلقيها الكاهن على الشعب اليهودي، وصيغتها السلام لجميعكم .وقد ورد في العهد القديم تعظَّم الرب الذي يهوى سلام عبده(مزمور35:27).
في الأدبيات المسيحية:
يهتف المسيحيون في صلواتهم وأقداسهم بالموعظة المتواترة على الأرض السلام ، وفي الناس المسرّة
وورد في الإنجيل السلام أستودعكم، وسلامي أمنحكم (يوحنا 27:14) وورد أيضاً طوبى للساعين إلى السلام (متّى5:9).
وقد ورد في اللاهوت الكتابي:
وإنما السلام يدلُّ على هناء الحياة اليومية، ووضع الإنسان الذي يعيش في وئام مع الطبيعة، مع نفسه، ومع الله، وبصورةٍ واقعية، هو: بركة وراحة ومجد وغنى وخلاص وحياة. إن السلام هومجموعة الخيرات التي يمنحها الله للرجل البار.
في الإســــلام
وردت كلمة السلام واشتقاقاتها/151/ مرة في القرآن الكريم، وبمعان مختلفة، وفيما يلي النماذج والأمثلة عن هذه المعاني:
- بمعنى الســلامة: ولكن الله سلّم (الأنفال/43). إلا من أتى الله بقلبٍ سليم (الشعراء/89).
- من أسماء الله الحسنى: هوالله الذي لاإله إلا هوالملك القدوس السلام (الحشر/23)
- من أسـماء الـجنة: لهم دار السلام عند ربهم (الأنعام/27)
- السـلام بمعنى التحية: وتحيتهم فيها سلام (وتكرّرت كلمة سلامٌ وسلاماً بمعنى التحية، لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلِّموا على أهلها (النور/27).
- السلام تقديس للأنبياء: وسلام على المرسلين (الصافات/161).
- الســلام العـام: والسلام على من اتبع الهدى (طه/47).
- السلام بمعنى التسليم: وأسلموا له الأمر (الزمر/54). بلى من أسلم وجهه لله (النساء/125).
- السلام بمعنى الإسلام: هناك الكثير من الآيات التي تبين اشتقاق الإسلام من الجذر سلم .
- السلام بمعنى السلم : وإن جنحوا للسَّلم فاجنح لها وتوكَّل على الله (الأنفال/61). يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السِّلم كافّة (البقرة/208). فلا تهنوا وتدعوا إلى السَّلم وأنتم الأعلون (محمد/35).
وفي الحديث الشريف: أفشوا السلام بينكم ، وقد سمّي أحد أبواب المسجد النبوي باب السلام ، وفي فريضة الصلاة، فإن المؤمنين يردّدون السلام في كل تشهّد، وفي آخر الصلاة يسلِّمون ذات اليمين وذات اليسار، بينماكان العرب في الجاهلية يحيّون بعضهم بصيغ أخرى، كقولهم: عم صباحاً أوعم مساءً، أوأسعد الله أوقاتكم، أوأطال الله عمركم(ولا تزال هذه الصيغة واردة، مع انها غير مجدية، لأن الله قدّر الأعمار لأجلٍ مسمّى، قال تعالى: إنَّ كلَّ شيءٍ خلقناهُ بقَدَر (القمر/ 49).
في التراث الأدبي:
لدى البحث في المعلّقات الشعرية السبع اوالعشر، تَلَمَّسْتُ آثار السلام في التراث العربي، وفيما يلي الشواهد:
- يقول زهير ابن أبي سُلمى:
يميناً، لَنعم السيدان وجدتماعل كلِّ حالٍ من سحيلٍ وبيرمِتداركتما عبساً وذبيان بعد ماتفانوا، ودقّوا بينهم عِطرَ مَنْشِمِوقد قلتما أن ندركَ السلمَ واسعاًبمالٍ ومعروفٍ من القولِ نسْلَمِفأصبحنا منها على خير موطنٍبعيدين فيها من عقوقٍ ومأثمِوما الحرب إلا ما علمتم وذقتمُوما هوعنها بالحديث المرجّم
– يقول طرفة ابن العبد:
وإن أُدْعَ للجُلّى أكن من حماتهاوإن يأتك الأعداءُ بالجهدِ اجْهَدِ(الجُلّى: يعني الصلح والسلام).
يقول عمروبن كلثوم، في موازنةٍ بين الحرب والسلام:
وقد علم القبائلُ من مَعدّإذا قببٌ بأبطحها بنينـا بأنا المطعـــمون إذا قـدرنـاوأنا المـهلكون إذا ابتلــــينـاوانّا المانعون لما أردنـاوأنّا النازلون بحيث شـينا
- يقول عنترة في مفهومه عن الحرب والسلم:
أثني عليّ بما علمت فإنـنيسمحٌ مخالفتي إذا لم أظلمِوإذا ظلمت فإن ظلميَ باسلٌمرٌّ مذاقته كطعم العلقمِ
ويقول الحارث بن حلزة في معلّقته يذكِّر بالتزام العهد:
واذكروا حلفَ ذي المجازِ وما قُدمِّ فيه العهود والكفلاءُُ
واعلموا أننا وإياكـم فيـما اشترطنا يومَ اختلفنا سواءُ
- يقول الأعشى:
أذاقتهم الحربُ أنفاسَها
وقد تكرهُ الحربُ بعد السلمِ
- يقول الشاعر محمد مصطفى الماجي في ديوانه(همـة شـيخ)
أين يُلقى السلامُ والناس فوضىخذلوا الحقَّ واستحالوا ذئابـاأتاهم الجاني واستعلى عليهمواستباح الحمى وخاض العبابا وتناسـى القوم أن ثمّ دعماًمن خلفه، من يحمي اغتصاباملىء الكون بالشرور وباتتلا تنـال الحقوق إلا غلابـا
- ومن قصيدة الشاعر أحمد الفيفي بعنوان غصن الزيتون يتباكى فيها على السلام:
ما الخطب يا غصنَ السلامْ ؟ ما الذنب يا غصنَ السلامْ ؟ ظلَّلْتهم ...وهبتهم عهد الأمانِ فما شكروكْ! بل حمدوا الأمانْ وطويتهم تحت الجناحِ لكي يعيشوا في سلامْ فأنكروا ذاك الحنانْ وتمـرَّدوا......... وغَدَوا لتقتيلِ الأنامْ وبدا لنا غصنُ السلامْ يقولُ: هل لي موطنٌ أحيا بلا غدرٍ أونفيرْ وأمسحُ الدمعَ الغزيرْ فلا يشقى كبيرٌ أوصغيرْ
وفي التطبيق العربي الإسلامي لمعاهدات السلام، فإن أبرز مثال على ذلك هوما جرى بعد الفتح الإسلامي لبلاد الشام سنة 636م الموافق العام الخامس عشر للهجرة، حيث حاصر القائد أبوعبيدة ابن الجرّاح القدس، وكان اسمها إيلياء، وعرض على أهلها الصلح، وكان أبرز شخصياتها يومها البطريرك صفرينوس، فردّ أهل المدينة على القائد الفاتح ردّاً إيجابياً، ولكنهم طلبوا منه أن يكتب إلى الخليفة عمر بن الخطاب كي يحضر شخصياً، وعندها يسلِّمونه مفاتيح المدينة، ويكون الخليفة هوالذي يعطيهم العهد، ويكتب لهم الأمان.ولما كتب ابوعبيدة للخليفة عمريعرض عليه الأمر، سارع الخليفة بالسفر الىمدينة القدس ملبياً طلب بطريركها صفرينوس باعتباره ممثلاً لأهلها.وكان أن كتب لهم أماناً وأعطاهم عهداً عرف في تاريخ العلاقات الإسلامية- المسيحية ب العهدة العمرية ، وهاهي بعض مقتطفاتها:
« هذا ماأعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء. أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا ُتسكن كنائسهم ولا تُهدم ولا يُنتقص منها ولا من حيّزها ولا من صليبهم ولا من شيءٍ من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضارّ أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء أحد من اليهود........ ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصُلُبَهم، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بِيَعِهم وصُلُبِهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان بها من أهل الأرض فمن شاء منهم قعد.......»
هذه العهدة أهم ما يلفت النظر فيها:
- أهمّية مدينة القدس بدليل أن الخليفة عمر لبى دعوة أهلها فجاء بنفسه ليكتب وثيقة السلام، وهذا لم يحصل في الفتوحات الأخرى.
- الإعتراف بالآخر وجوداً وديناً وحريِّة مطلقة في الحلّ أوالترحال، والحفاظ على حقوقهم المادّية.
- حظر تواجد اليهود في المدينة، لأنهم أعداء للمسيحية من جهة، وبسبب مكرهم المعروف في صدر الإسلام.
بعد/ 459/ سنة كان الجواب على هذه العهدة بحروب الغرب الافرنج(فيما سمّوه بالحروب الصليبية)، ومقاتلة أهل القدس والإستيلاء عليها سنة 1099م إلى ان تحرّرت سنة 1187م بقيادة صلاح الدين الأيوبي. وكان جواب ثان في عام 1492م( وهوالعام الذي سقطت فيه آخر الممالك الأندلسية العربية/ غرناطة، وهونفس العام الذي اكتشف فيه كريستوف كولومبوس القارة الأمريكية، وهونفس العام الذي اعتبره الغربيون مبدأ للعصور الحديثة) ومابعده إذ نظّم الإسبان محاكم التفتيش ضد العرب المتواجدين في الأندلس خلال الفترة من 711م حتى ذلك التاريخ(أي لمدة 781سنة)، وأنشؤوا ونشروا حضارةً وثقافة لا يزال الغرب مديناً بها ولاتزال شاهدة على المجد الخالد، وكان من نتائج محاكم التفتيش أن محي اسم العرب والإسلام في شبه الجزيرة الأيبيرية، وأصبح اسم من تنصّر منهم مرغماً(الموريسوس Moriscos) وكان نفس المصير لليهود الذين كانوا يتعايشون هناك مع العرب في حرّية وسلام، وسمّي من تنصر منهم(المـارّانوس) والباقون منهم الذين قدّر عددهم ب 100 ألف انسحبوا مع العرب، وتوزعوا في شمالي أفريقيا وباقي البلاد العربية التي في ظل الحكم العثماني حيث لقوا كل تسامح وحرية وسلام، وكان الجزاء أيضاً هوالاستعمار الغربي المسيحي لأجزاء الوطن العربي عبر القرنين التاسع عشر والعشرين وكان من أخطرجرائم هذا الآستعمار تمكين الصهاينة من إيجاد الكيان الإرهابي، فيما يسمّى( دولة إسرائيل)، التي دأبت على العدوان على المقدّسات سواءً الإسلامية أوالتي تخص المسيحيين تلك التي احترمتها العهدة العمرية، كما سبق البيان. ولوأنه كان ثمّة التزامٌ صارم بالبند الخاص باليهود لاحقاً لما ابتلي العالم بالعصابة التي تقلقه في كل زمان وفي كل مكان، فضلاً عن أقصى الجرائم بحق فلسطين والعروبة والإسلام.
إن مفردة السلام تصاعدت وتطوّرت وتباينت مفاهيمها فهناك السلام العالمي، والسلام الإقليمي، والسلام الصهيوني، والسلام العادل الشامل:
السلام العالمي: هوالسلام الذي تصوغه الدول العظمى بمراعاة مصالحها وتبريراتها، ذلك ما هوحاصل ومشهود في أعمال الأمم المتحدة بما يضمن رؤيا الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وسيادتها وهيمنتها، من هنا أمكن تبرير التدخلات الدولية في انحاء من العالم، والتي كان آخرها وليس أخيرها الغزوالأمريكي للعراق في 9/4/2003 بذرائع باطلة، والذي برّره مجلس الأمن لاحقاً وأطلق على المحتلين الأمريكيين ومن والاهم اسم التحالف، هذا وغيره مما لا مجال لحصره هنا، هوالسلام العالميي(اليافطة) التي تتمترس خلفها الولايات المتحدة الأمريكية في التظاهر ضد إيران بحجة احتمال أن تتملّك السلاح النووي، بينما تسكت عن مئات القنابل الذرية لدى الكيان اللإرهابي منذ أكثر من خمسين عاماً، وهي تتحدى قرارات الدنيا ولا تبال بأحد، ذلك هوالسلام العالمي، كما هوالمتداول.
هذا وتحتفل الأمم المتحدة بيوم السلام العالمي في الحادي والعشرين من أيلول من كل عام بناًْ على قرارها المتّخذ في سنة 1981م، وبموجب هذا القرار تهدف إلى الاحتفاء به وتعزيز مـُثُلِه بين الشعوب والأمم.
ولقد ظهر في الكيان الإرهابي ما تطلق على نفسها حركة السلام الآن المنشأة عام 1978 وهي منظمة دعائية، طالما تتألف من الصهاينة الذين يعتبر مجرّد استيطانهم في فلسطين على حساب أهلها عدواناً على السلام، وهذه الحركة التي تدّعي أنها ضد جدار الفصل العنصري وإقامة المستوطنات، لكنّها لا تشارك في احتفال فلسطينيي 1948م بيوم الأرض الذي يقام سنوياً.( يوم الأرض يعود لشهر آذار سنة 1976م يومها قاوم العرب الفلسطينيون إقدام سلطات الكيان الإرهابي على مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية المملوكة، وكانت حصيلة المقاومة استشهاد /6/ على يد الجنود الصهاينة والمستوطنين الغاصبين).
ثم استجدّ في قاموس السياسة مفهوم السلام الممكن عند توقع اتفاقية كامب ديفيد بتاريخ 17 ايلول سنة 1978، ثم نودي ب سلام الشجعان الذي استحدث عند توقيع اتفاقية اوسلوعام 1993م. ويستشهد المُرَوِّجون لهذا الشعار بقول المتنبي:
الرأي قبل شجاعة الشجعانهوأوّلٌ ولها المحـلّ الثانـيفإذا هما اجتمعا لنفسٍ حرّةٍبلغت من العليـاء كلّ مكانِ
إنني أخالف المتنبي بصدد تطبيق شعره على مسار عملية السلام الحذرة مع الكيان الإرهابي، إذ الأولوية يجب أن تكون للقوة التي تمنح الطرف المفاوض في أن يكون مكيناً جديراً بالمطالبة وبلوغ المراد.
ويطلع علينا حكماء صهيون في هذه الأيام بشعارات غائيةٍ مشبوهة مكشوفة، يطلقونها عندما يدّعون أنهم مريدوالسلام، من مثل السلام مقابل السلام أوالسلام مقابل الأمن ، والأمن الذي صوّرته إسرائيل لنفسها يقترب من كونه أمناً مطلقاً: ، كل التفوّق العسكري ـ التقني حصراً لخمسة ملايين إسرائيلي مقابل أكثر من/ 300/ مليون عربي أعزل، وقد بقيت هذه التهيؤات في طي الإهمال والتجاهل .
وبمناسبة الحديث عن السلام ، فثمـّة ما يسمى ب السلام الأخضر وتشكّلت تحت هذا العنوان أحزاب ومنظمات تداخلت مع السياسة، وهي تعنى بسلامة البيئة ومكافحة التلوث على النطاق العالمي، وتعتبر الولايات المتحدة الأبرز في عدم الالتزام بهذا المجال.
- وحاولت الولايات المتحدة أن تنظّم المنطقة الجغرافية ذات الصلة بالكيان الإرهابي، فكانت الدعوة الى الشرق الأوسط الكبير، وتحقيق السلام الإقليمي في هذه المنطقة في محاولة لتمييع القومية العريية وتسييد ذلك الكيان، لكن ذلك لم يتحقّق حتى الآن، ونحن بدورنا لانزال نستطعم تعبير الشرق الأوسط الذي تسلّل الى أدبياتنا ومداولاتنا.
ويشيع الكيان الإرهابي في آخر مبتكراته الدعوة إلى ما يسمّيه السلام الإقتصادي بدلاً من المطالبة بتحقيق الدولة الفلسطينية، وبحيث يتأمن للفلسطيني أن يعمل ويأكل وينام ملء جفونه بسلام، وينعم بحقوق الأسرى والمساجين في معتقل كبير دون أن يتكبّد عناء المقاومة التي يدعوإليها فريق، أواللهاث وراء مفاوضات بروتوكولية لا طائل منها يؤديها فريق آخر، وكأنما يحسبون العربي مجرّد آدمي أكولٍ مجرَّدٍ من القِيَم ودون كرامة ودون حقوق.....
أنى لذلك الصهيوني أن يمشي بالسلام وهويقرأ أوتتلى عليه فقرات من توراته آناء الليل وأطراف النهار، من مثل: فإني أدفع إلى أيديكم كل سكان الأرض فتطردوهم من أمامكم (س الخروج23/31) وسبع شعوب أكثر وأعظم منك... لا تقطع لهم عهداً ولا تشفق عليهم (س التثنية7/2) وتطردون كل سكان الأرض من أمامكم (س العدد33/51).
أما القيادة السورية الحكيمة، فقد تجاوزت تلك المفاهيم، ودعت إلى السلام العادل والشامل كخيار استراتيجي، وماذا يعني هذا الشعار؟ إنه يعني على الصعيدالوطني السوري تحقيق مبدأ الأرض مقابل السلام الذي أقرّ في مؤتمر مدريد في تشرين الثاني عام 1991م، والأرض هي كل الأرض العربية السورية المحتلّة حرّةً دون أي التزامات للعدوِّ عليها، وعلى الصعيد الفلسطيني تتمسّك القيادة السورية في سبيل السلام المنشود بكل الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني(تحرير الأرض، حق العودة، الدولة ، السيادة، العاصمة القدس، المياه، إزالة المستوطنات والجدار العنصري، وإطلاق الأسرى، وكل ما اصْطُنِع إثر الغصب الصهيوني).
يأخذ البعض على الدعوة إلى السلام العادل الشامل كخيار استراتيجي أنه شعار غير عملي لأن الكيان الإرهابي لا يؤتمن على عهد ولا يرعى حرمة للسلام، لقد اقتربت المفاوضات السابقة مع رئيس الكيان إسحق رابين من بلوغ النهاية حين أقر بالحق السوري في كامل الجولان، ولكن ما أن قتل ذلك الرئيس حتى أنكر خلفه ما سمي بوديعة رابين، وهكذا المآل في كل تفاوض، إنهم يتسلّحون بالوقت لعلهم يستغلون ظروفاً مواتية، وأقول، من خلال المواقف الحكيمة الواعية المتربِّصة لكل مناورة أواحتمال: إن إطلاق هذا الشعار لا يعني الركون إلى الاستسلام، بل إنه في نفس الوقت الذي تتم فيه متابعة عملية السلام فإنه يتم إعداد القوّة العسكرية المدعومة بالوحدة الوطنيّة، ولعلّ مؤازرة المقاومة المنتصرة في لبنان والتعاطف الإيجابي مع المقاومة الغزاوية الفلسطينية خير دليل على أن ذلك الشعار لا يعني التهاون في الإعداد وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة إننا نتفاوض في سبيل السلام من موقع الحق المؤَزَّر بالقوة، في زمن الشعار: القوة هي الحق، وإن الخيار الآستراتيجي لا يعني أنه الخيار الأوحد بالمطلق. وإن لكلّ حادث حديث.
- من شعر الدكتور عثمان قدري مكانسي بهذا المعنى:
أهوى السلام فإنه من بين أسـماءِ المبجَّلْوأراهُ صنواً للحيا ةِ، بل الحياةُ بهِ تُمثـّلْوهوالحضارةُ والأما نُ، وكلُّ حُلمٍ فهوأوَّلْلا حضـارةَ للعبا د ِبغير سلمٍ قد تحصّلْفإذا انتفى السلمُ الحقيـقُ، تسلّطَ البغيُ وأصّلْوتملّك الظلمُ الظلو......مُ وضُـيِّعَ المجدٌ المؤثّلْ.................................لكنْ سـلامٌ واهـنٌ فيه الهوانُ لنا ومقتلْلا نرتضيهِ، ألا ترىال...ذلَّ المقيم َبكل محفَلْهذا السبيلُ إلى السلا...مِ، وغيرُه الخزيُ المعجّلْ
إن ما أبغي أن أنهي هذه المقالة به، هوأن من يدعم الكيان الإرهابي له مصلحة ذاتية هادفة، لا سيّما وان السياسة تنقاد بالمصالح، ذلك لأن الصهيونية مكروهة في الغرب حقيقة، وقد عانى هذا منها عبر قرون سالفة، وإن أحداث طردهم مراراً من البلاد الأوروبية وعودتهم متسلّلين من خلال الحروب والفساد المالي والمؤامرات وانتهاز الثورات تشهد عليها أرقام ســنوات التاريخ مما لا مـجال لـه هنا، وكذلك عزلهم وانعزالهم في الغيتوات إنما هولتأطيرهم وتجنب شرورهم والتعامل معهم، ولا يزال الشعور بكراهيتهم دفيناً في تراث الأمم الأوروبية يثبت هذا نتيجة استبيان إحصائي للراي العام الغربي جرى مؤخراً حيث تبين ان الأكثريّة العددية ضد الصهيونية، فكان الخلاص منهم وإبعادهم بشكل جماعي وحصرهم في كيان خاص بهم، أحد المبرّرات الخفيـّة التي حـَدَتْ بقيادات الغرب لتبني إيجاد ذلك الكيان لترحيل اليهود إليه ودعمه على الإطلاق. ومما يجدر الإشارة إليه هنا ما ورد في خطاب تحذيري للزعيم الأمريكي بنجمان فرانكلين لمواطنيه قائلاً، باختصار شديد: إن الولايات المتحدة تتعرّض لخطر رهيب، هوالخطر الذي يؤلفه وجود اليهود فيها .. فإذا أنتم لم تطردوا اليهود، فإن أحفادنا سيقاسون الكثير منهم بعد مئة عام هذا القول مقتطف من كتاب التحدّي الصهيوني تأليف جاك دومال وماري لوروا، طبعة سنة 1968م، وها قد انقضى أكثر من مئتي عام وقد ارتهن العالم الحر كما كانت تدعى الولايات المتحدة إلى اللوبي الصهيوني بالسيطرة على مواقع القرار والسياسة والإعلام ونواصي المال، وهناك من يشكّك في تلك الرواية، ولكن ثمة مؤرّخين يؤكدونها ويقولون إن المحضر الذي وردت فيه قد اختفى من محفوظات البيت الأبيض، وهكذا ينكر اليهود ومن والاهم ذلك الخطاب.
ومن جهة أخرى فإن موقع هذا الكيان كفاصل بين مغرب الوطن العربي ومشرقه هواستكمال للتجزيىء الذي تم بموجب مؤامرة سايكس بيكوعام 1916م، وهومتابعة لتصفية الحساب الناجم عن نصر حطين عام1187م، وأخيراً فإن قيام كيان معادٍ مهدَّد للعرب يحول دون توحدهم واستعادة أمجادهم ، كون الإرهاب الدؤوب الذي تمارسه الدولة الصهيونية المستجدة تستنزف إمكانيات الأقطار العربية ويديم ضعفها.
بهذه المناسبة نستحضر تقرير لجنة الاستعمار لسنة 1907م ـ أي قبل صدور وعد بلفور بعشر سنوات ـ(والمعروف باسم كامبل بترمان رئيس وزراء بريطانيا الذي شكّل تلك اللجنة) وقد جاء فيه :
إن الخطر الكبير ضدّ الاستعمار يكمن في البحر المتوسّط، وهذا البحر هوهمزة الوصـل بين الغرب والشرق، وحوضه مهد الأديان والحضارات، ويعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوافر له وحدة التاريخ والدين واللسان، وكل مقوِّمات التجمّع والترابط. هذا فضلاً عن نزعاته الثورية وثرواته الطبيعية، فماذا تكون النتيجة لواستقدمت هذه المنطقة الوسائل الحديثة وإمكانيات الثورة الصناعية الأوروبية، وانتشر التعليم فيها، وتصاعدت الثقافة؟؟ إذا ما حصل ما سلف فستحل الضربة القاصمة حتماً بالاستعمار الغربي، وبناءً على ذلك فإنه يمكن معالجة الموقف بمحاولتين: الأولى باستمرار تجزئة هذه المنطقة وتجهيلها، والثانية بفصل جزئها الإفريقي عن الجزء الآسيوي، وذلك بإقامة حاجز بشري، قوي وغريب، يحتل الجسر البرّي الذي يربط آسيا بأفريقيا، بحيث تتشكّل في هذه المنطقة قوّة صديقة للإستعمار وعدوّاً لسكان المنطقة . وهكذا تحققت نبوءة هرتزل بقيام الدولة العبرية، كما جاء في كتابه دولة اليهود الصادر سنة 1896م، أي قبل عام من انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول، حيث يقول فيه مخاطباً الأوروبيين مدغدغاً مشاعرهم : سنكون نحن جزءاً من السور االأوروبي المرفوع في وجه آسيا. سنكون نحن، في الصفوف الأولى من الجبهة، حماة المدنية وخفراءها ضد البربرية (البربر من المجتمع العربي في شمال أفريقيا، وقد اشتهروا بالمقاومة الضارية ضد الإستعمار الأوروبي، وذلك في القرنين التاسع عشر والعشرين، والأدبيات الغربية تصفهم بالهمجية) .
في كتابه العرب في إسرائيل 1959م، يروي الأستاذ / شوارتز /أنه كان قبل تسع سنوات يتجوّل في أنحاء(إسرائيل) ليتعرّف إلى وضع العرب الذين يقيمون فيها، ولا سيما في الجليل والنقب، فسأل إمام المسجد في إحدى القرى:
- حدِّثني في صراحة، أيها الإمام الجليل، عن حياة العرب في إسرائيل،
- قديماً يابني، في أيام العباسيين، ضاق هارون الرشيد خليفة بغداد بما بلغه وزيره جعفر البرمكي من سلطان ومن محبة في قلوب الناس، فأراد أن يذلّه بتكليفه مهمةً مستحيلة،فناداه إليه، وأعطاه حَـمَـلاً صغيراً قا ئلاً له: خذه، فأطعمه ستة أيام خير ما في مستطاعك من غذاء، ثم ردّه إلـيّ بعد ذلك، ولكن شريطة ألا يزداد وزنه ثقل شعرة. وحار الوزير فيما يفعل، فاستشار شيوخ أسرته، فقال له أحد أعمامه: لا عليك فالأمر يسير. أرسل إلى الغابة من يأتيك بذئب، واربطه في نفس الزريبةالتي تضع فيها الحمل. واخذ الوزير بالنصيحة، فلما انقضت الأيام الستةكان الحـَمـَل هزيلاً بدلاً من أن يسمن، على رغم كل ما قدّم له من أطايب العلف . وقد علّق أحد الباحثين على هذه القصة: أجل لقد آل البرامكة الى نكبتهم، كما يروي التاريخ، واطرد الذئب إلى غابته من حيث أتى....وانتهت محنة الحمل وآن الأوان ليصبح كبشاً ناطحا، وهكذا يكون حال العرب قادماً.
وفي المنتهى: متى يقتنع الغرب، وأخالهم مقتنعين ضمناً، أن ليس ثمّة سلام إرهابي. إن إزهاق الحق لن يدوم، لقد كتب الخليفة عمر لقاضيه أبي موسى الأشعري: الحقّ قديم ولا يبطله شيء . وإنه بعد انتصار المقاومة في تموز 2006م، وبعد انكفاء المعتدي عن غزة أوائل 2009م والحراك القومي المتصاعد بمبادرات القيادة السورية، المتزامن مع الإستعداد الإستراتيجي يستجد الأمل القريب:
وإذا رأيتَ من الهلالِ بدوَّهُ
أيقنتَ أن سيصيَر بدراً كاملا