السبت ٢٧ نيسان (أبريل) ٢٠١٩
بقلم دينا ممدوح محمد رمضان

أحمر داكن

أجلس أمام المرآة، أرى ملامحي مشوشة، تعبث بخصلات شعري فتاة لا أعلم مدى اتقانها لما تفعله.. ولا أهتم، تضع بعض المساحيق الملونة على وجهي، تلون شفاهي بلون أحمر فاقع أكرهه، كل ذلك دون أعتراض مني، فأنا ومنذ ساعات تحاول دمعة الهروب من بين جفنيّ وأحاول بأستماتة منعها، ونجحت حتى الآن.

من بين ضباب عيني التي تمتلئ بالدموع تعود بي الذكرى لأرى فتاة صغيرة تلعب أمام البيت الذي يكتفي بطوبه الأحمر دون طلاء يزينه، تلهو مع فتيات في عمرها، لا تعلم شيئًا أخر غير صديقاتها والعابهم الساذجة، فتاة تمتلئ روحها بالحياة، ويمتلئ قلبها بالأمل، فتاة كانت يومًا ما.. أنا.

بعد دقائق من اللعب سمعت نداء أمي بأسمي، فجريت إليها، وجدتها تجلس مبتسمة بطريقة غريبة وتجاورها (فرحة) تلك المرأة التي تكرهها الكثير من الفتيات دون أن أعلم السبب، احتضنتني أمي على غير العادة، ومثلها فعلت الست فرحة بأبتسامة صفراء.

أخذتني أمي من يدي إلى أبعد غرفة في بيتنا ومعها فرحة وامرأة أخرى لا أعلم من هي، أخبروني إنني يجب أن أكون (شاطرة ومصرخش) حينها فقط عرفت أنني يجب أن أصرخ وبأعلى صوتي، تأكدت من ذلك حين حاولت أمي تقييد ذراعيّ والمرأة الأخري تفتح أرجلي الصغيرة على مصراعيها، والست فرحة تخرج تلك القطعة المعدنية الحادة التي لا أعلم ما هي، خفت، شعرت بالرعب، لماذا تحاول الست فرحة قتلي؟ ولماذا تساعدها أمي في ذلك؟! أستمر صراخي تصحبه دموعي حتى أنتهت الست فرحة من ذبح قطعة من روحي، وتخضبت ملاءة السرير ببقع حمراء داكنة تساقطت من قلبي قبل جسدي، شعرت بأنهاك جسدي الصغير الذي لا يحتمل كل هذا، وقبل أن أغيب عن الوعي رأيت الست فرحة تغادر، المرأة التي لا تملك من اسمها شيء!

بعد ذلك بسنوات قليلة، وفي يوم عدت من مدرستي باكية، لأخبر أمي إنني قد جُرحت ولا أعلم كيف!، وتمتلئ ملابسي الداخلية ببقع حمراء! لم تخبرني أمي ماذا أصابني ولكنها أكتفت بأجباري على تغيير ملابسي سريعًا، ووضع قماشًا ما ليمتص تلك البقع، وفي اليوم التالي صباحًا، أجبرتني على إرتداء طرحة بيضاء لتغطي شعري ونصف جسدي، وفي الأيام التالية حرمتني من صديقاتي، أو الخروج واللعب معهم، حاولت مرارًا فهم السبب ولكنها أخبرتني بجفاء "أنتي خلاص كبرتي، لا هتخرجي تلعبي في الشارع تاني ولا الحجاب ده هيتقلع"، يومها كرهت أمنيتي الوحيدة التي كنت أتمناها قبلًا، كرهت إنني كبرت!

منذ أشهر قريبة، تقدم لخطبتي رجل يكبرني بأثنى عشر عامًا، لم أعلم أسمه قبل اليوم، أخبرني أبي أن هناك رجل تقدم لخطبتي وعائلته من العائلات الكبيرة في قريتنا، وأنه يوافق على زواجي منه، دون أن ينتظر مني رد، أخبر أمي أن تبدأ في تجهيز كل ما أحتاجه، نظرت أمي إليّ مبتسمة ثم أطلقت زغرودة، سمعت طنينها يصم أذني!

مرت الأيام وأقترب يوم زفافي حتى جاء اليوم، أشعر إنني كعروس الماريونيت التي يتحكم بها الجميع، أمي وفرحة وأبي وذلك الرجل الذي سيتزوجني حتى تلك الفتاة التي تملئ وجهي بالألوان!

أنتهت الفتاة من عملها، لأسمع جميع النساء تطلق الزغاريد، فيقترب الرجل الذي سأكون ملكه بعد دقائق فأرى وجهه لأول مرة على ما أتذكر، أشعر بوهن أرجلي التي ترفض أن تحملني لمدفني، أسمع الأغاني، وكأنها نواح يحيط بي، يقترب الجميع مني فأشعر بالأختناق وكأن روحي ستتركني وتهرب، بعد كتب الكتاب، ومع أستمرار الأحتفالات وجدتني في غرفتنا معه وحدنا، أعتقد إنني لم أسمح لخيالي بتصور تلك اللحظة، حاول الأقتراب مني لم أرفض ككل شيء لم أستطيع رفضه، كل شيء يذكرني بالست فرحة التي قتلتني يومًا منذ زمن، أراه يحمل بعضًا من ملامحها، وقسوة يديها، يديه التي تقترب من جسدي، من منطقتي المحرمة، التي أصبحت ملك له دون إرادتي، تركته يعبث بروحي فلم أملك حق الرفض، ولكن صوتي كان يحمل الآن ذات الصرخة التي أنطلقت حين أقتطعت "فرحة" جزء مني، كذلك فعل هو وأقتطع جزء أخر مني.

تركني وخرج يحمل بين يديه منديل تزخرفه من الطرف وردة صغيرة حمراء، مخضب بدماء قلبي كما فعلت الست فرحة، حينها سمعت مباركة أهلي وأهله له وتعالي الزغاريد مرة أخري، زاد طنينها بأذني وظل يعلو ويعلو حتى أصبحت لا أسمع شيء أبدًا، أستسلمت لجسدي الذي أعترض على كل شيء، وبالرغم من كرهي له، لبيت نداءه لكي يغيب عن هنا.. ربما إلى الأبد.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى