الأحد ١٥ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٩
بقلم عاطف أحمد الدرابسة

أنا الذي قتلَ الشَّيطان ..

قلتُ لها:

لن أنفخَ في الأقمارِ التي تعاني من الخسوفِ، ولن أنفخَ في العقولِ التي تعاني من السُّكونِ، لن أبعثَ الحياةَ في الأجسادِ الميِّتةِ، لن أضخَّ الدَّمَ إلى الأطرافِ المتجمِّدةِ.

أرجوكِ، لا تنظري إلى قدميَّ، منذ أوَّلِ حرفٍ مُزيَّفٍ في تاريخِنا، أضربت قدمايَ عن المسيرِ.

أُولئكَ الذين كانوا يقتاتونَ من لحومِنا، ويتدفؤونَ في غضبِ الشِّتاءِ على عظامِنا، هاهم يُطلِقونَ على أحلامِنا الرَّصاصَ، بعقلٍ باردٍ، وأيادٍ لا تعرفُ أن ترتجفَ في الصَّقيعِ.

أعرفُ يا حبيبةُ كلَّ أنواعِ الطُّغيانِ، وأعرفُ كلَّ الوجوهِ التي تحتجبُ وراءَ الفضيلةِ، خجلاً من الإثمِ، وأعرفُ كلَّ العواطفِ العاطلةِ عن الحُبِّ ، وأعرفُ كلَّ أشكالِ البكاءِ المُنافقِ، وأعلمُ أسرارَ اللُّعبةِ: كيف تبدأُ، وكيف تنتهي، وأعرفُ حقيقةَ أنفسِنا، حين نبدو على الأرضِ، كأنَّنا بشرٌ.

أنا يا حبيبةُ داخلَ الصُّورةِ، وداخلَ المشهدِ وأنا في أولِّ الرِّواية، وفي آخر الرِّوايةِ، هناك على خشبةِ المسرحِ، يجلسُ الزَّمانُ ، مرَّةً يرتدي وجهَ الثَّعلبِ، ومرَّةً يرتدي وجهَ الغزالِ، ومرَّةً يحملُ وردةً حمراءَ، ومرَّةً يحملُ خنجراً مسموماً .

هناك على خشبةِ المسرحِ أمامَ الجمهورِ، يظهرُ الزَّمانُ، بهيئةِ إنسانٍ، ينصبُ في الظَّلامِ فخَّاً لسنابلِ القمحِ، وللأزهارِ، وفي وضحِ النَّهارِ، أراهُ يُعانِقُ صبيَّةً بعمرِ الهلالِ، وفي آخرِ المسرحيَّةِ، يصرخُ: أنا الذي قتلَ الشَّيطانَ


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى