الاثنين ٢٣ حزيران (يونيو) ٢٠٠٨
بقلم حسين حمدان العساف

أنيس منصور رائد كتاب التطبيع وعميد ثقافة الاستسلام

تباين مواقف المثقفين:

بعض المثقفين يتخذ الثقافة وسيلة للدفاع عن قيم ومبادىء بلدهم وأمتهم، ويسخر ثقافته لمشروع نهضة بلده وأمته، وبعضهم الآخريمتطي ثقافته خدمة لمصلحته الشخصية الضيقة ليس غير، ويسلك لذلك سبلاً ملتوية فيها كثير من التلّون والانتهاز والتضليل أملاً في سلطة أو مركز أو وصولاً إلى نفوذ أوجاه أو تحقيقاً لشهرة أوصيت أو سعياً لغنى أو ثراء، والغاية عند هؤلاء تسوّغ الوسيلة، وتكون السلطة عند بعضهم أيسر منفذاً، وأقرب منالاً لبلوغ ما يريد، لذلك يزحف إليها زحفاً، ثم يغدو بوقاً لها، فيميل معها حيث تميل، ويتلّمس لها الأعذار إن ضلّت، ويزيّن صورتها إن بغت، ويطعن بالسلف إرضاء للخلف، ويلهج بحمدها آناء الليل وأطراف النهار، ثم يتمادى بعض هؤلاء إلى ما هو أبعد من السلطة، فيتخذ ثقافته وسيلة لضرب مصالح بلده وأمته العليا وضرب قيم مجتمعه وشعبه متطوعاً لخدمة مشروع أعداء بلده وأمته الذي يراد فرضه اليوم على المنطقة، وأخذت دائرة هؤلاء تتسع حتى غدت ظاهرة في الساحة السياسية والثقافية والفكرية، لها منظروها ومثقفوها وفنانوها وأدباؤها.

نبذة عن أنيس منصور:

ويأتي أنيس منصورأحد أبرز روّاد هذه الظاهرة في عالمنا العربي، فهو كاتب كبير، يخطف بمهارته الأضواء من الآخرين، فتتسابق إليه الصحف والمجلات المصرية وغير المصرية. وليس مهماً أن نسأل: من هو أنيس منصور؟ فهو ذائع الصيت، من لم يقرأ له، سمع به،

ولابأس أن نتعرف إليه بإيجاز، فهو أنيس محمد منصور، كاتب صحفي وأديب، ولد في قرية بجوار مدينة المنصورة - محافظة الدقهلية - مص رفي 18آب 1924، ودخل كلية الآداب جامعة القاهرة، قسم الفلسفة، وحصل على ليسانس في كلية الآداب، قسم الفلسفة، جامعة القاهرة عام 1947، وعمل أستاذا في القسم ذاته في جامعة عين شمس لفترة، ثم تفرغ للكتابة والعمل الصحفي في مؤسسة أخبار اليوم. يجيد عدة لغات: العربية والإنجليزية والألمانية والإيطالية واللاتينية والفرنسية، واطلع على كتب عديدة في هذه اللغات، وترجم بعضا من الكتب والمسرحيات.

وطاف في أنحاء العالم ، واشتهر بكتابة أدب الرحلات، وأهم ماكتبه في هذا الأدب(حول العالم في 200 يوم)، وهو غزير الانتاج، ذكر أنيس منصور قبل سنوات أنّ عدد كتبه بلغ مائة وستين كتاباً. ترجم العديد من الكتب والأعمال الأدبية إلى العربيّة. فقد ترجم عدداً من الروايات والمسرحيات بلغا ت مختلفة كما ترجم كتباً لفلاسفة أوروبيين. تأثر بأستاذ الفلسفة الدكتور عبدالرحمن بدوي والمفكرعباس محمود العقاد. ورأس تحرير عدة مجلات: الكاتب – أكتوبرــ آخر ساعة – أكتوبر – العروة الوثقى – كاريكاتير، ويكتب اليوم في جريدة الأهرام المقال اليومي في عمود بعنوان:( مواقف)، كما يكتب آيضا في جريدة الشرق الأوسط . ونال عدة جوائز مثل جائزة الدكتوراه الفخرية من جامعة المنصورة. وجائزة الدولة التشجيعية في الآداب من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية عام 1963وجائزة الدولة التقديرية في الآداب من المجلس الأعلى للثقافة، عام 1981ثم جائزة مبارك في الآداب من المجلس الأعلى للثقافة عام 2001كما حصل على لقب كاتب المقال اليومى الأول في أربعين عاما ماضية. هو كاتب كبير، وهذا هو الوجه المعروف لأنيس منصور.

كرهه الشعب العربي واحتقاره الشعب المصري:

لكن الوجه الآخرله، الذي ينبغي أن يعرفه الناس، أنه لايحمل للعرب مشاعر الحب والتقدير، فهو لايشعر بالانتماء إليهم، ويهتبل كل سانحة ليغمز من تراثهم، ويغتنم كل فرصة ليسفه آمالهم، ويسخر من حضارتهم، ويهاجم مشروعهم الحضاري، ومعروف عنه عداؤه لجماهير الشعب الوحدوية، وما زلت أذكر مقاله عن الشعب السوري، في مجلة ( كاريتر) 27/9/1995 بعنوان:

( السوريون يشترون الترماي في الأرجنتين) الذي يفجر فيه حقده وغضبه على الشعب السوري، ويعتبرالسوريين كلهم تجاراً، وكأن التجارة سبة، أو وصمة عار، ويستشهد على الشعب السوري بكلمات الصهيوني(هنري كسنجر) وزير خارجية أمريكا الأسبق، ومهندس إتفاقية ( كامب ديفيد)، كأنه لا يعرف الشعب السوري حتى يستشهد عليه بالصهيوني الأمريكي، ويشير إلى محاولة الأرجنتين بيع سوريا مفاعلاً نووياً، لكنه يطمئن نفسه قائلاً: إن الرئيس(منعم) قال: إنه لا يستطيع بيع سوريا هذا المفاعل إلاّ إذا وافقت إسرائيل، ثم تعود الروح إليه حين يقول: إنَّ إسرائيل ( لن توافق إلاَّ بعد اتفاقية السلام الدائم بين تل ابيب ودمشق.) يهاجم الشعب السوري، لأنه شعب، وحدوي أصيل، قاوم الانفصال الذي فرح به، ولولا خوفه من عبدالناصر لزغرد له، ورفض الشعب السوري التطبيع الذي هرول إليه، و يتطلع هذا الشعب دوماً إلى الوحدة مع مصر ومع أي بلد شقيق آخر، ويذكر الدكتور مصطفى الفقي مدير مكتب الرئيس مبارك للمعلومات سابقاً أنَّ سائقاً سورياً ركب معه الأعضاء المكلفون بإعادة فتح السفارة المصرية بدمشق بعد عودة العلاقات، أصَّردون سابق معرفة أن يأخذهم إلى بيته ليتناولوا مع أفراد أسرته طعام الإفطار في رمضان (1). وفي أوائل 1975 كتب أنيس منصور شيئاً مشابهاً لذلك سبّ فيه الشعب الفلسطيني، كأنما كان مقاله يومها بداية حملة ضد الشعب المكافح وضد العلاقات المصريه معه.) (2)، وكرهه هذا، لا يقتصر علي العرب، وإنما يتعداه إلى شعبه نفسه، فهو يكره شعبه، ويزدريه ، وقد رمى مرة نهر النيل الخالد ( هبة وادي النيل)الذي تغّنى به الشعراء عبر العصوربـ (السفاهة)، ووصف المصريين أنهم أكثر سفاهة (3)، وكتب قبل سنوات ما معناه أننا (شعب يستأهل ضرب الجزم) وسبق أن وصف الشعب المصري في الماضي أنه (حمار)، ففصله عبد الناصر عن عمله في جريدة (أخبار اليوم) أكثر من عام (4).

لماذايحتقرأنيس منصورشعبه؟

ويسأل المرء: لماذا يكره أنيس منصور شعبه كل هذه الكره، ويحتقره كل هذا الاحتقار؟ من المعروف أن َّ أنيس منصور كان يكتب في الصحف والمجلات في المرحلة الناصرية، وكان يعمل في جريدة (أخبار اليوم)، وظل يشيد بإنجازات تلك المرحلة، ويمجد قائد الثورة حتى بعد رحيله بعام، حيث أخذ نظام السادات بعد ذلك يسفر عن وجهه الحقيقي، وكان السادات قبل ذلك يعيش في ظل عبد الناصر، (فأراد أن يتخلص من كل ما يذكره بتلك المرحلة، وهذا أخطر ما فعله .. قطع عملية التراكم في الخبرة السياسية وفي الثروة الاقتصادية .. ألغى التراكم ، وتصور أنه من الأفضل أن يبدأ من الصفر .. متناسياً أن تراكم الثروة والخبرة حق من حقوق البلد ، لا يجوز التفريط فيه، وراح يبدأ بداية جديدة مهملاً ما تم تكوينه في حوالي 20 سنة . ) (5) وكان السادات على غرار سلفه ( الخديوي إسماعيل ) مفتوناً بالغرب، يحلم أن يجعل مصر قطعة منه، وأغرق مصر في ديون باهظة أنفقها على مظاهر الترف والأبّهة والبذخ واستقبال رؤوساء الغرب الكبار، هادن الغرب، وتصالح مع ربيبته إسرائيل، فأحدث ثغرة في الموقف العربي، وأعطى الآخرين بعد عزل مصر ذريعة إلى الاستسلام، وعادى العرب، ووصمهم بالجهل والتخلف، وأطلق سياسة الانفتاح الاقتصادي، وأوعزلإعلامه وللأقلام التي اشتراها أن تمّني الشعب المصري بـ ( الفردوس الموعود)، وتعبيراً عن آراء السادات السياسية راح أنيس منصور وأمثاله يروّجون للرخاء الكاذب الذي لم يكن في حقيقة الأمر إلاّ وبالاً على غالبية الشعب المصري حيث صادرت سياسة هذا الانفتاح كل ما حققته له الثورة من مكاسب، ولما قاومت جماهير الشعب المصري هذا النهج، وأخذت تدافع عن ثورتها زجّها السادات بالسجون، ومارس عليها القمع والإرهاب، ولم يمنح السادات الحرية إلاّ لحاشيته المحيطة به ولطبقة صغيرة جداً من السماسرة والمقاولين وكبار التجار ورجال الأعمال المستفيدين من هذا الرخاء، ورغم ذلك كله انطلق قلم أنيس منصور يتعمد قلب الحقائق في هذا العهد الذي زعم أنه عهد الرخاء والحرّيات متجاهلاً ما ألم بالشعب المصري فيه من بؤس وحرمان وقمع، وكان قرأ نوايا السادات منذ البداية، وأخذ قلمه يعكس هذه النوايا، فصعد في هذا العهد إلى مراتب عصيّة إلاَّ على القلائل، وكان أقرب الكتّاب إليه، يعبرعن أفكاره، ويلخّص له كتباً جديدة في قضايا الساعة والمستقبل، وكانت كتب كثيرة لم يكن يعرفها السادات، يمرّرها عليه أنيس منصور باجتهاداته، وكان عضواً في الحزب الوطني الذي أسسه السادات، وهو يحكم مصر اليوم، وعضواً في مجلس الشورى عن الحزب الوطني، وكان يرأس تحرير مجلة (أكتوبر) حتى قال بعضهم: إنه كان كاتب السادات الخصوصي، وكان أحد الذين يكتبون له خطاباته السياسية (6) ، ويروي أنيس منصور أنَّ أهَمّ سؤال وجهه إليه أنور السادات في إثناء زيارته للقدس، وكان بالبيجاما في سريره : - إيه اللي شفته يا أنيس؟ قلت: الناس مذهولة يا ريس، واقفين في الشوارع، كل واحد معاه راديو
حا طه على ودنه. وبلهجة تنم عن عدم ثقته بشعبه الذي أغضبه أن يظل وفياً لثورته ولقا ئده، وتنم عن ثقته بعدوه ، مما أراحت أنيس منصور، قال السادات: - إذا كان ده شعور رجل الشارع الإسرائيلي، يبقى إحنا أخذنا ( سينا ) مش الشارع بتاعنا ( بالروح بالدم ) ده كلام حناجر). (7)

ارتداده عن الناصرية التي كـرّ مته، وهجومه على إنجازاتها:

وكان أن شنت طائفة من كبار الكتاب والأدباء المصريين في طليعتهم أنيس منصور حملة مسعورة على عهد جمال عبد الناصر لماّ رأت أن السادات انقلب عليه علانية، وكانت تلك الطائفة من أمثال توفيق الحكيم وصالح جودت ونجيب محفوظ وعبد العظيم رمضان وعلي سالم وغيرهم تمجد عبد الناصر في حياته ، وهي في ذروة إبداعها دون أن تفقد وعيها بجاذبية قيادته التاريخية خلافاً لما زعمه بعضهم ، وكان عبد الناصر قدّرهم ، ورعاهم ، وأكرمهم ، وسلم جائزة الدولة لأنيس منصور نفسه يداً بيد، غير أن هؤلاء الذين تجردوا من الوفاء، قابلوا الرعاية بالغدروالتكريم بالجحود. وتبيّن أنّ الكتا ب المصريين الذين ارتدواعن نهج ثورة عبد الناصرهم دعاة التطبيع مع كيا ن العدوالمغتصب، وفي حملة مبرمجة مدروسة أطلقها السادات ضد عبد الناصر، انبرى أنيس منصور يهاجمه، ويعمد إلى تشويه مرحلته الساطعة المشرقة، ورأى أنّ الشعب المصري الذي تمسك بنهج عبد الناصر( غير محترم مثل بقية شعوب العالم، لأنه لم يحاكم المسؤولين عن عار هزيمة )1967،( 8) وأسأل: لماذا لم يرفع أنيس منصور صوته، يوم هزيمة حزيران، ويجرّد قلمه، ويطالب بمحاكمة المسؤولين عن الهزيمة!! فطلبه اليوم جاء متأخراً جداً، سبقه إليه عبد الناصرالذي تحمّل مسؤولية الهزيمة، مع أنه ليس وحده المسؤول، وقدّم قرار التنحي، لكن شعوب الأمةالتي يحتقرها أنيس منصور كعادته، وفي مقدمتها الشعب المصري، رفضت قرارالتنحي ، وأصرت على قياد ته، ولم نقرأ لأنيس منصوريومذاك أنه أيّد قرارالتنحي، أواعترض على إرادة الشعب. فمن المحترم؟؟ ومن غير المحترم؟؟ ثم أخذ يطلق هنا وهناك مزاعم لا سند لها من واقع، ويختلق وقائع وأحداث نسبها إلى عبد الناصربغية الإساء ة إلى شخصه، ويدلّل على صحته بأشخاص رحلوا، وأحياء كذبوها. (9)

سلوكه أساليب النهب والفساد والسرقات:

أخذ أنيس منصور يجني ثمار مواقفه، ويقبض ثمن كتاباته، فقد مارس منذ عهد السادات إلى اليوم أرخص أساليب النهب والاستغلال حتى أصبح مليونيراً ورجل أعمال كبيراً، (10) وأنا لا أحصر الوقائع التي تدل على ذلك ،لكني أكتفي بذكر الوقائع الثلاث التالية :

1- ترك أنيس منصور مجلة ( أكتوبر ) التي كان يرأس تحريرها حطاماً تحت وطأة الديون التي أرهقها بها . (11) .
2- علاقاته بشركات توظيف الأموال التي نهبت أموال مئات بل ألوف الناس المساكين وغيرهم ، وهدّمت بيوت الكثيرين على علم الدولة التي سكتت عنهم، وكانت لأنيس منصورعلاقة مع اثنين من أصحاب تلك الشركات ( بلدياتي )، ينتمون إلى بلدته ( المنصورة ) وهما: (أشرف السعد) صاحب شركات(السعد) و (محمد كمال) صاحب شركات(الهلال)، وكان يكتب مادحاً أصحابها، وتردد في الأوساط الصحافية والإعلامية بل الاقتصادية أنه كان مستشاراً إعلامياً لهما، ونشرت له صور في الصحف، وهو يفتح بعض مشروعاتهم، كانت تستغل في الدعاوى لتلك الشركات بهدف إيقاع الناس في شراكهم . (12). والفضيحة الأخرى هي التهمة الموجهة إليه بسرقة العمل الفني ( من الذي لا يحب فاطمة؟) الذي أثيرت حوله فضيحة إعلامية بعد عرضه على شاشة التلفزيون المصري خلال شهر رمضان، العام 1996بعد ما قيل من اكتشاف تطابق في أحداث المسلسل المنسوب تأليفه إلى أنيس منصور مع أحداث كتاب (معجزات شاب مصري بالنمسا )
لـ (أحمد لا شين)، وهو أحد المواطنين المغتربين منذأكثرمن خمسة وثلاثين عاماً، وأخذت القضية منحىً جديداً منذ بداية الأسبوع الأول، العام 1997 حين رفع (أحمد لاشين) دعوى أمام محكمة الجيزة الابتدائية، ومثل أنيس منصور أمام المحكمة مرتين، ويطالب ( أحمد لاشين ) بتعويض مالي قدره مليون جنيه عما أصابه من أضرار مادية وأدبية من جراء سرقة أنيس منصور، وأوضح(أحمد لاشين) أن ممدوح الليثي رئيس قطاع الإنتاج، والموقوف يومها عن العمل متواطىء مع أنيس منصور في سرقة قصته، وهي مسجلة بدار الكتب برقم 8640 لسنة 1993 قبل ثلاث سنوات من عرض المسلسل، في الوقت الذي لم تظهر فيه لأنيس منصورهذ ه القصة، وأنه اتفق سابقاً مع(ممدوح الليثي) بشأن إنتاج قصته كفيلم أو مسلسل على أن يتحمل نفقات المشاركين فيه كافة في أثناء وجودهم بالنمسا، ويشهد المخرج السينمائي ( هشام أبو النصر) ورئيس قسم الإخراج بالمعهد العالي للسينما أنه التقى(أحمد لاشين) قبل عرض المسلسل بعام ونصف، وتسلم نسخة من قصته في إطار اتفاق أولي معه لإنتاج الكتاب بالسينما، وكان قطاع الإنتاج يومها مستمراً في بيع حقوق عرض المسلسل بالتلفزيونات العربية وآخرها دولة الإمارات، حيث بلغت إيرادات المسلسل في ذلك الوقت خمسة ملايين جنيه خلافاً للمادة ( 163 ) من القانون المدني، وأيضاً المادة (5) من القانون (354) التي توقف جواز حق الاستغلال المالي لأي عمل أدبي أو فني على صاحبه فقط . (13)

نشأته الفاسدة:

ويبدو أن نشأة أنيس منصورلم تكن سليمة ولا سوية، ويبدو أنه ليس على خلق يعصمه من التهتك والمجون، ولا على أدب يحميه من الابتذال والإسفاف، ولا على جانب من الحياء يردعه من الاستخفاف بمشاعرالآخرين، فمد رس الفلسفة كان في طور من أطوار حياته من أتباع الفلسفة الوجودية، يهوى الغناء، وقد أحسن صنعاً للذوق الفني العام حين عدل عن مجال الغناء الذي كان يستهويه في شبابه، والحادثة التالية التي يرويها أنيس منصور نفسه في زاويته الثابتة في جريدة الأهرام(مواقف) تضيء لنا جوانب من تلك النشأة يوم سافرهو وطائفة من أصحابه المصريين رجالاً ونساء على ظهر الباخرة(أسبيريا ) سنة 1951، وكان قبل ذلك بعام أصدرأول كتاب له بالعربية عن الوجودية، ويروي أنهم كانوا ينامون على ظهر االسفينة، واحياناً في إحدى الخيام وسط مخلفات الركاب، وكان لا بد لهم أن يستيقظوا جميعاً قبل الفجرلأن البحارة
الإيطاليين يريدون تنظيف السفينة من مخلفات الركاب، وكانوا يجمعون ثيابهم وينتظرون حتى يتم غسل المركب ، ومن خلال هذه الحالة المزرية كان أنيس منصور يمد يده إلى ركاب الدرجة الأولى متسولاً المكرونة والآيس كريم والخبز والشاي والسكر والنبيذ، ثم أقام مسابقة في جمال السيقان، ثم غنى للركاب، وقام بدور المهرج لركاب الدرجة الأولى، فأضحكهم. كل ذلك مقابل الطعام والنبيذ حتى إذا ما صحا هو وأصحابه، وخطرت لهم الصلاة كان أنيس منصور إمامهم إمعاناً في التهتك والاستخفاف. (14)

استخفافه بمشاعر الناس:

ومسألة الاستخفاف بمشاعر الناس معروفة في سلوكه، فقد كتب في أوائل السبعينات، ويومها كان في الاسكندرية، يطالب بشنق المؤذن .. لماذا ؟ لأنّ صوته في أثناء صلاة الفجر كان يتعب أعصابه !! السهر والعربدة، وصخب الليل الأحمرلاترهق أعصا به إلاّ من صوت مؤذن صلاة الفجر الذي لا يستغرق أكثر من خمس دقائق!! ؟ فأي أعصاب هذه عند أنيس منصور؟ واضح أنها ليست الحقيقة، ولكن حقيقة دوافعه تكمن في محاولته إثارة اضطرابات داخلية، لزعزعة استقرار البلد وضرب وحدته الوطنية التي تخدم مصلحة أعداء البلد . إنّ ممارسات أنيس منصور أسوأ أشكال الفساد والإفساد على شعبه الذي يزدريه، ويكذب عليه، ومحاولاته النيل من موروثه وحقده على الأمة العربية ومشروع نهضتها الحضاري ، هذه المواقف كلها التي عبّرت عنها كتاباته، إنما تخدم مخططاً خطيراً جداً يراد فرضه على المنطقة العربية: فإسرائيل عند أنيس منصور مثل أمريكا والغرب مثله الأعلى في التحضر والتطور والديمقراطية، وهو يريد أن يفهمها(أنَّ عدو الأمس هو صديق اليوم والغد.) (15)

دفاعه عن مشرع الشرق الأوسط ودعوته إلى التطبيع مع كيان العدو:

ويدعو أنيس منصور إلى إقامة علاقة بيننا وبين صديق اليوم والغد قائمة على أساس المصالح المتبادلة.( فلتكن المصلحة هي صاحبة الجلالة التي تملك وتحكم حياتنا، لامانع، لا أحد يطلب من أحد أن يعشق كل ما هو إسرائيلي، لاعشق، لاحب، وإنما مصالح، واستدراك لما فات.) (16) وعلينا أن نضع حداً لهذا الصراع الذي أريقت فيه دماء شعوبنا عبثاً والذي لم ينتج عنه في الماضي إلاّ الخراب والدمار والكراهية المتبادلة، وأن نطوي هذه المرحلة التي فوّتنا على أنفسنا فيها فرصة كبيرة، كان يمكن أن نستثمرها للتقدم والرقي، وتداركاً لما فات، فإنه آن الآوان لننهض معاً نحن وشركاؤنا في الحاضروالمستقبل كي نبني في هذا اليوم ما كنّا هدمناه بالأمس، فنستبدل الجحيم نعيماً والجهل علماً والتخلف رقياً والقلق اطمئناناً والخوف أمناً، وأن نغير لأجل ذلك أساليبنا ومناهجنا التعليمية والتربوية والثقافية والنفسية بما يتلاءم مع المرحلة الجديدة التي نتهيأ لها، هذا هو جوهر التطبيع الذي يدخل في صلب المشروع الشرق أوسطي الذي تبشربه كتابات أنيس منصور وأمثاله، المشروع يسعى إلى بسط الهيمنة الأمريكية وفرض المشروع الصهيوني على الساحة العربية، واقتلاع الأمة من جذورها وإقصاء مصر عبد الناصرعن دورها الحضاري والقيادي في المنطقة والعالم، وتمكين إسرائيل من الحلول مكانها، والتفرد وحدها بهذا الدور في عالمنا العربي وتقرير مصيره وفق مصالحها دون أن ينازعها عليه منازع حتى تستطيع بتفوقها العلمي والتكنولوجي والنووي فرض سيطرتها على الساحة العربية في مختلف المجالات العسكرية والثقافية والاقتصادية والسياسية، وحينذاك سنخضع ـ نحن العرب ـ لأمريكا، ونركع لإسرائيل، وإذن لا بد في البداية أن يكون التطبيع هو الخطوة الأولى ليصا ر إلى تدجين العقل العربي خطوة خطوة، وترويضه على قبول إسرائيل كأمرواقع مفروض لا طا ئل من مقاومتها أو تجاهلها. وانطلاقاً من هذا، وإزاء حالة التراجع العربي الذي أرهقته الانقسامات وأضعفته أنظمة القمع القطرية، راح الصهاينة وأمريكا أسياد أنيس منصور ينفخون في أبواقهم، ويوعزون إلى أقلامهم العربية كي تهيىءالعقل العربي للإذعان إلى المشروع الشرق أوسطي من خلال دعواتهاالمسعورة إلى التطبيع. واشترى الغرب والصهاينة نفراً ضعا فاً من أمثال لطفي الخولي وهاني الراهب ممن أعمتهم مصالحهم الشخصية الضيقة عن مصير بلدانهم ومستقبل أمتهم، فأخرجتهم على إرادة شعوبهم، ودفعتهم إلى تشكيل لجنة ممن يسمون بالمثقفين العرب والإسرائيليين اجتمعت في (كوبنهاجن) في الثلاثين من كانون الثاني، العام 1997 متسترة خلف شعاربّراق مخادع هو(التحالف من أجل السلام) ليقدم هذا النفر مزيداً من التنازلات تفريطاً
بالحق العربي المقدس.

ولايخفي دعاة التطبيع إعجابهم بإسرائيل حتى جاهر بعضهم في إعجا به بها، وهواه لها، ولا نذهب بعيداُ، وأنيس منصور ماثل في الأذهان! ففي محاضرة له بدار الأوبرا المصرية على المسرح الصغير، ألقاها يوم الأربعاء في 20 أكتوبر تشرين الثاني، العام 1993، الساعة السابعة مساء ذكر( أنه كان في طفولته يذهب للمعبد اليهودي ليحضر صلاتهم .) (17) وليس عندي شك أنًّ تراتيل صلوات اليهود في ذلك المعبد لم تكن عند أنيس منصور كصوت المؤذن الذي طالب بشنقه، فهي تنفذ إلى قلبه، وترتاح لها أعصابه، ولا تتأذى منهاأذ ناه، لأنًّ حبه لليهود تمكنّ فيه منذ طفولته.

وجماهيرأمتنا العربية تعرف بأنه كان يود أن يكون (قنصلاً فخرياً لإسرائيل.) (18) ولفرط حبه لإسرائيل وإعجابه بها، إعجاباًلا يوازيه إلاّ كرهه للعرب، فإنه يرفض حتى الدعاء إلى الله بنصر العرب عليها، فيقول: (ونحن نطلب من الله الكثير، نطلب ما ليس منطقياً ولاعاقلاً)، ويدلل على ذلك بموقف حدث معه، عمّمه على عقل شعوب الأمة.الموقف هو: سعيه مع صديق له بين الصفا والمروة لعلّ الله يغفر مجونه وآثامه وكذبه، يقول:(وأذكر، ونحن نسعى بين الصفاوالمروة، أن تطوع أحد الأصدقاء بالدعاء، ونحن نردّد وراءه: الفريق مرتجى وأنا، فكان يقول: اللهم انصر القوات المسلحة، فنقول:آمين،ويقول: اللهم أدخلنا تل أبيب..،فاعترض الفريق مرتجى (وهو يردد لسان حال أنيس منصور):ندخل تل أبيب ازاي؟ ويكون الرد: ربنا قادر على كل شيء، فيرد:لابد أن يكون هذا الشيء بالعقل..والذي أعطانا العقل هو خالق العقل، والعقل يقول: إنّ هذامستحيل. (19)

أنيس منصور يتجاهل حركة تأريخ الشعوب وإرادتها في التحرير:

قلم أنيس منصور ينبري لمهاجمة إرادة شعوب الأمة ومشروعها النهضوي الحضاري، وقلبه لا يطاوعه أن يردد الدعاء مجرد دعاء، للعرب بنصرهم على الكيان الصهيوني المغتصب وتحريرأرضهم المحتلة، ويرى نصرهم مستحيلاً!! عـقله يوافق على احتلال إسرائيل أرض فلسطين، وطردها الشعب من وطنه فلسطين، لكنه لايوافق على انتصارهم على إسرائيل واستعادة حقوقهم المشروعة، فهو لايريد أن يتمثل حقائق التأريخ التي تحدّ ثنا أنّ احتلال الصليبيين فلسطين دام حوالي قرنين، ولمّـا اجتمعت شعوب الأمة بقيادة صلاح الدين انتصرت عليهم، وحررت بيت المقدس، لايريد أن يتمثل هذه الحقائق، لأنها نذير شؤم لأسياده، فهو يفكر بعقل صهيوني حتى وهوفي الديار المقدسة، ولا يريد أن يخطر بباله، إمكانية انتصارالعرب في المستقبل، وقد لاحت بشائره بانتصارالمقاومة اللبنانية على إسرائيل في حرب تموز بلبنان عام 2006. فهزيمة العرب عنده قدر مفروض علينا، لاسبيل إلى مقاومتها أو تجاوزها. إنّ دور هذا الكاتب هو الدعوة إلى تثبيط عزيمة العرب، وبث اليأس في قلوبهم، وترويج سياسة الاستسلام للأمرالواقع، ونعميم ثقافة الهزيمة حتى وهو في بيت الله الذي تدعـوتعاليمه إلى انتصارالحق على الباطل وتأييد ه المظلومين بنصر من عنده على الظالمين، ومن الطبيعي بعد ذلك كله أن تكون له علاقات واسعة وعميقة وحارة مع أوساط صهيونية لامعة كتاب وسياسيين وغيرهما داخل الأرض المحتلة وخارجها التي زارها غير مرة، لاشك أنّ زيارته للصف المعادي لشعبه وأمته هو مكسب كبير للغرب والصهونية لما يتمتع به هذا الكاتب من خصال يبحث عنها الغرب والصهيونية .. وهل يريد أعداء أمتنا خاصة بعد احتلا ل أمريكا العراق إلاًّ الكاتب الذي تجردّ من انتمائه القومي وأخلاقه الوطنية والشخصية، وإلاًّ الكاتب الذي غاب عنه الضميرالذي يلزمه بالوفاء والأمانة والصدق وتحري الحقيقة؟ وقد وجد هؤلاء ضالتهم المنشودة في أنيس منصوروأمثاله.

بعض كتابنا مهيؤون لإعادة دورأنيس منصور لو وافتهم ظروفه:

وهذا لايعني أنًّ بعض كبار كتّا بنا الآخرين أفضل منه، فأنا لا استبعد أن تكون بعض الأسماء المتلائمة في حياتنا سواء أكانت في ميدان الفكرأم الأدب أم السياسة أم الفن أم غيره أسوأ من أنيس منصور لو أتيحت لها ظروفه، وإذن لأطلًّتْ علينا بوجوهها الحقيقية، ثم لا تلبث أن تتبرأ من ماضيها بشتى المسّوغا ت التي لاتعدمها، كما فعل أنيس منصوروأمثاله، وليس ذلك عليها بعسير، وكـتا ب الردة والتطبيع ليسوا، في الحقيقة، إلاًّ ظاهرة من ظواهرمرحلة التراجع العربي، الذي مكن إسرائيل من التفوّق، ومن الممكن أن تستمرهذه الظاهرة في كل زما ن ومكان.

ثقافة الهزيمة محاصرة بثقافة الرفض:

على كل حال، فإن الكاتب أنيس منصورمهما كان قادراً على قلب الحقائق وبارعاً في قراءة رسالة أعداء شعبه وأمته، فإنًّ حقده الدفين على شعبه وأمته أعمى بصره، وأضلَّ بصيرته عن رؤية نهوض جماهيرالأمة وقواها الطليعية السياسية والثقافية والأدبية والفكرية الفاعلة على امتداد الساحة القومية، وهي تصنع حركة التاريخ، وتعمل على محاصرة ثقافة اليأس التي يحمل لواءها، ورفض الاستسلام للأمر الواقع الذي يدعو إليه، وتنشط لتعميم ثقافة الصمود والمقاومة وتعميقها في وعي جماهيرالأمة سعياً لانتصار مشروعها الحضاري النهضوي وإسقاط مشروع أسياد أنيس منصوروأمثاله الذين نذروا أقلامهم له، فمآل مشروع أسيادهم السقوط المؤكد على يد شعوب الأمة التي يعاديها أنيس منصور، وهؤلاء الكتا ب المرتدون عن مشروع أمتهم، المطبّعون مع عدوّها، وفي طليعتم أنيس منصور الذي جنحت حياته المتذ بذ بة إلى الأفول، وهو يدخل عامه الرابع والثمانين، لا يضيرون أمتنا في شيء، فأمتنا التي لاتشرف بانتماء هذا الكاتب الانتهازي المرتزق وأمثاله إليها، سوف تركلهم جميعاً إلى حاوية نفايات التاريخ، لأنَ القافلة تسير .

 [1]


[1

1- جريدة العربي المصرية – الاثنين -23 اكتوبر – تشرين الأول 1995 – أنيس مهزوم – بقلم إبراهيم الدمشقي – كاتب سوري – مقيم في القاهرة .
2ـ جريدة الأهالي المصرية – العدد ( 731 ) عبد العال الباقوري
3- جريدة الأهرام – ( مواقف ) ـ بقلم أنيس منصور – 19 أكتوبر – تشرين أول 1995 .
4- جريدة السياسي المصري – محاكمة أنيس منصور – الحلقة (2) – محاورة بين أنيس منصور وسليمان الحكيم – تاريخ 10/7/1994
5- مجلة روز اليوسف – ( السادات 1995- أسطورة أم جريمة ؟ - محمد حسنين هيكل – الإثنين – 15 مايو 1995 .
6- جريدة السياسي المصري – محاكمة أنيس منصور – الحلقة الأخيرة – محاورة بين أنيس منصور وسليمان الحكيم – تاريخ 24/7/1994 .
7- مجلة روز اليوسف –( السادات 1995- أسطورة أم جريمة ؟ - أنيس منصور – الإثنين 15 مايو 1995 .
8 ـ صحيفة الأهرام المصريةـ أعمدة ـ مواقف ـ أنيس منصور ـ الأربعاء:28تشرين الثاني 2007 السنة 132ـ العدد 44186
9- جريدة السياسي المصري – محاكمة أنيس منصور – الحلقة (2) – محاورة بين أنيس منصور وسليمان الحكيم – تاريخ 10/7/1994
10- جريدة الأهرام – ( مواقف ) ـ بقلم أنيس منصور – 8 نوفمبر – تشرين ثان 1995 .
11- جريدة السياسي المصري – محاكمة أنيس منصور – الحلقة (2) – محاورة بين أنيس منصور وسليمان الحكيم – تاريخ 10/7/1994 .
12- جريدة السياسي المصري – محاكمة أنيس منصور – الحلقة (2) – محاورة بين أنيس منصور وسليمان الحكيم – تاريخ 10/7/1994 .
13- جريدة العربي المصرية – 13 يناير ( كانون ثان ) 1997 .
14- جريدة الأهرام – ( مواقف ) ـ بقلم أنيس منصور – 8 نوفمبر – تشرين ثان 1995 .
15- مجلة ( آخر ساعة ) – رحلة في عقل أنيس منصور – حوار قاسم جودة – العدد (3184 ) – 1 نوفمبر – تشرين ثان – 1995 .
16- جريدة الأهرام – ( مواقف ) ـ بقلم أنيس منصور – 8 نوفمبر – تشرين ثان 1995 .
17- جريدة العربي المصرية -23 اكتوبر – تشرين الأول 1995 – أنيس مهزوم – بقلم إبراهيم الدمشقي – كاتب سوري – مقيم في القاهرة .
18- جريدة العربي المصرية -23 اكتوبر – تشرين الأول 1995 – أنيس مهزوم – بقلم إبراهيم الدمشقي – كاتب سوري – مقيم في القاهرة .
19ـ صحيفة الأهرام المصريةـ أعمدة ـ مواقف ـ أنيس منصور ـ الأربعاء:28تشرين الثاني 2007 السنة 132ـ العدد 44186

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى